مائة يوم من العدوان الصهيوأمريكي على غزة
مائة يوم من العدوان الصهيوأمريكي على غزة
مائة يوم من العدوان الصهيوأمريكي على غزة
كمال خلف
مئة يوم من حرب الإبادة الأكثر بشاعة في التاريخ الحديث والمعاصر بحق الشعب الفلسطيني في غزة، ولا حاجة للخوض في تفاصيل يومياتها الدموية، فالعالم كله يشاهد تلك المأساة على الهواء مباشرة. لكن ماهي الخلاصات التي يمكن استنتاجها كحصيلة لمئة يوم من هذه المدة الأكثر أهمية في تاريخ الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال منذ أكثر من 75 عاما.
السابع من أكتوبر العام الماضي شكل نقطة تحول ليس على مستوى الصراع في جغرافية فلسطين إنما في البعدين الإقليمي والدولي، وان كان تاريخ طوفان السابع من أكتوبر نقطة تحول إستراتيجية، إنما هو ليس نقطة انطلاق للأحداث ولا يجب أن يكون، وقد دأبت إسرائيل منذ اليوم الأول وطوال المائة اليوم تشدد على جعله نقطة انطلاق، لتبرير ذهابها إلى حرب تفتقد المشروعية. فقبل السابع من أكتوبر كان هناك احتلال وعدوان وقتل وحصار لغزة، وحتى في الوقت الذي اختار فيه أهل غزة التعبير السلمي عبر مظاهرات أيام الجمعة أمام السياج الفاصل لكسر الحصار، كانت إسرائيل تقتل العشرات من المتظاهرين العزل والأطفال. وبرغم هول المجازر والتدمير في غزة طوال مئة يوم، إلا أن الضعف الإسرائيلي وانكسار الهيبة بات حقيقة قائمة في الميزان الاستراتيجي لا يمكن تغييرها بالمزيد من القتل.
مئة يوم كانت كفيلة بعودة الوجه البشع للولايات المتحدة، فشعوب المنطقة استعادت صورة الإجرام الأمريكي بعد غزو العراق عام 2003 وتدميره وقتل ملايين من شعبه وتشريد الملايين، فضلا عن فظائع التعذيب وكان سجن أو غريب واحد من النماذج، وذريعة الحرب كانت كذبة وفق اعتراف أمريكا لاحقا. هرول الرئيس الأمريكي ووزير خارجية بصفة “صهيوني ويهودي” حسبما عرفوا صفة حضورهم، وأول ما فعلوه هو تبني كل الأكاذيب والسرديات والخرافات الإسرائيلية حول يوم السابع من أكتوبر وكرروها أمام وسائل الإعلام العالمية، تبين لاحقا أنها مزيفة، وانكشف عدم صدقيتها، لكنهم لم يعتذروا، ولم يخجلوا.
قدموا لإسرائيل السلاح والعتاد والأموال بلا شروط أو قيود، منعوا وقف النار في مجلس الأمن، ضغطوا على دول المنطقة خدمة لإسرائيل، وجمعوا لإسرائيل معلومات استخبارية عن قادة حماس حسب نيويورك تايمز أمس وبرروا كل الأفعال الإجرامية والدموية بحق المدنيين بشعار “حق الدفاع عن النفس” وأخيرا نفذوا عدوانا على اليمن كمحاولة لإعادة مرور السفن الإسرائيلية من البحر الأحمر بعد أن منعها اليمنيون كوسيلة ضغط لوقف الحرب. هذا العدوان الأخير على اليمن انتح جملة حقائق جلها ليس في مصلحة الولايات المتحدة، فالبحر الأحمر أصبح أكثر توترا، وبالتالي طارد لحركة التجارة، عكس ما هدفت إليه واشنطن حسب مزاعمها بتسهيل حركة الملاحة. اظهر الولايات المتحدة معزولة بتحالف هش، هرب منه اغلب شركائها الأوربيين أو الإقليميين. وصب في المستوى الاستراتيجي لصالح خصومها الدوليين “روسيا والصين”، فضلا عن حالة الاهتزاز داخل الكونغرس و داخل الحزب الديمقراطي نفسه، وداخل الإدارة وارتفاع أصوات الانتقاد لسياسة بايدن في التعامل مع الأزمة. والاهم انه رفع من شعبية ومشروعية حركة أنصار الله في المنطقة. هم أقوياء بلا شك، ومتغطرسون لأبعد حدود، ولكنهم حمقى، وهذا ليس رأيا انفعاليا، وخروجهم الكارثي والمذل من أفغانستان دليل ليس يتيم.
انعقاد محكمة العدل الدولية في لاهاي، بمبادرة شجاعة من جنوب أفريقيا، يعتبر تطورا مهما في مشهد الأيام المئة، لكن علينا أن ندرك رغم أهمية المحكمة والخطوة، أن صوت الضحايا أقوى وأعلى من محكمة وقضاة وملفات. وتجربتنا كشعوب خارج المنظومة الغربية، تقول أن هذه المؤسسات الدولية لم تكن يوما إلا أداة في يد الدول الغربية وهي من أنشأها كمنتج حصري بصفة اممية للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية، لمعاقبة الدول المتمردة على الهيمنة الأمريكية الأطلسية. وكرأي شخصي لا أرى فيها مكانا للعدالة الإنسانية. والاهم من حكم المحكمة هو حكم التاريخ الذي سيحكم على المحكمة والجناة والقضاة. وهنا لابد من نصيحة لفريق جنوب أفريقيا من القانونين الشجعان، لا تنجروا خلف اللعبة الإسرائيلية بحرف القضية نحو إدانة حماس، وقد لاحظنا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية و الغربية المنحازة لإسرائيل تحاول جركم إلى هذا المربع وجعل إدانة حماس هي القضية وتكثيف الأسئلة نحوكم حصرا بهذه النقطة، وقد نجحوا نسبيا في ذلك. قضيتكم هي الإبادة الحاصلة في غزة، التبرير المكرر أنكم ضد حماس يحرف القضية الأساسية.
انضمام ألمانيا إلى جانب إسرائيل في لاهاي كشريك لها، ليس حدثا مفاجئا، ألمانيا وضعت نفسها رهينة عقدة تاريخية اسمها “الهولوكوست”. يبالغ المستشار الألماني اولاف شولتز بممارسة دونية هذه العقدة، خلافا لمن سبقه في ألمانيا رغم أن كلهم مصابون بهذا المرض النفسي. المفارقة ان برلين تتعامل معنا وكأننا المسؤولون عن هذا التاريخ الأسود، وليست هي. وتحاول ممارسة النفاق الرخيص لدولة الاحتلال على حساب حقوقنا وقضايانا. المانيا تقف للمرة الثانية في الجانب الخاطئ من التاريخ. النازيون الألمان اقترفوا المحرقة بحق اليهود في أربعينات القرن الماضي وهذه جريمة طبعت في التاريخ ويدفع الألمان ثمنها إلى الآن، ولكن ألمانيا اليوم وبعد كل تلك العقود تقف إلى جانب مرتكبي الإبادة بحق الشعب الفلسطيني وتشاركهم الجريمة وهذا سيرتب عليهم مسؤولية تاريخية وأخلاقية سوف تدفع الأجيال القادمة ثمنها.
مئة يوم مرت، والمقاومة مستمرة محققة معجزة بصمودها، رغم العدوان الإسرائيلي الأمريكي الغربي المشترك، ورغم الصمت والتخاذل والتآمر العربي عليها، ورغم محاولات صهاينة العرب تثبيط وتوهين عزيمتها ورغم تراجع حركة الاحتجاج والتظاهر في المدن العربية، على عكس أحرار العالم في مدن أوروبا وأمريكا.
مئة يوم ولم تحقق إسرائيل أهدافها من الحرب ” القضاء على حماس، إعادة الأسرى، وتحديد مصير ومستقبل غزة ” ومازالت تحاول، ومع استمرار المحاولات قد تجد إسرائيل نفسها خارج الزمن والحسابات وربما خارج الجغرافيا.
كمال خلف كاتب واعلامي فلسطيني عن رأي اليوم
اقرأ أيضا:العدوان على اليمن ونهاية الزمن الأمريكي