ثقافة وسياحةكتابات فكرية

لغتنا العربية

لغتنا العربية

  • أمين الحبر

الاحد 14 ديسمبر 2025-

 اللغة العربية، بوصفها كيانًا حيًا متجددًا، تثير جدلًا عميقًا يجمع بين الإيمان بقداستها والشك في قدرتها على مواكبة العصر. ينبع هذا الجدل من توترين أساسيين: الأول، الرؤية الدينية التي تراها لغة الوحي الإلهي، غير قابلة للتحريف أو التدهور؛ والثاني، الواقع اللغوي الذي يشهد تراجعًا في الجزالة والنقاء أمام اللهجات والمفردات الوافدة. لكن هل هي فعلاً استثناء عن مسار اللغات البشرية، أم مجرد مرحلة انتقالية في تطورها؟ دعونا نفكك هذا السؤال الإشكالي بمنهجية موضوعية، مستندين إلى أدلة تاريخية ولغوية.

 تاريخيًا، لم تكن العربية ثابتة أو متراجعة؛ بل شهدت أطوارًا من التجديد الدؤوب، مشابهة للغات الأخرى مثل الإنجليزية أو الفرنسية.

ففي العصر الجاهلي والإسلامي الأول بلغت ذروة بلاغتها في الشعر والخطب، ثم امتدت مع القرآن لتصبح أداة تعبير فلسفي وعلمي، مستوعبة مصطلحات من السريانية والفارسية دون فقدان هويتها. وفي العصور الوسطى (العباسية) انفجرت في العلوم؛ فالخوارزمي طور مصطلحات الجبر والحساب، وابن سينا صاغ “الشفاء” بلغة فلسفية معقدة، مستلهمًا اليونانية لكن بصياغة عربية أصيلة. هنا، تطورت تصاعديًا، مولدة آلاف المصطلحات الجديدة.

أما في العصر الحديث مع النهضة، أدخل الطهطاوي وغيره كلمات مثل “جامعة” و”ثورة”، مواكبةً للعلوم الغربية، مما يثبت قدرتها على الابتكار. مقابل ذلك، التراجع الملحوظ اليوم –كما أشرتَ– ليس قدرًا إلهيًا، بل نتيجة عوامل اجتماعية مثل ضعف التعليم، هيمنة الإعلام الرقمي بالعامية، وغزو المصطلحات الإنجليزية (مثل “إنترنت” بدل “شبكة عالمية”). هذا التراجع تنازلي نسبيًا، لكنه ليس استثنائيًا؛ اللاتينية تراجعت أمام الرومانسية، واليونانية القديمة أمام الحديثة. مقارنة مع لغات أخرى. اللغات تتطور دائمًا تصاعديًا أو تنازليًا حسب السياقات الثقافية، لا بفعل قوة داخلية مطلقة. واللغة العربية ليست “ما فوق البشرية” بالمعنى السلبي؛ قداستها تحميها من التحريف، لكنها تتطلب بشرًا يطورونها، كما فعل السابقون. فليس الثبوت معجزة، بل الجمود كارثة. اللغة قابلة للتجديد إذا عُزز التعليم الفصيح في المدارس والإعلام، كما في حملات الأكاديمية العربية. اللغة العربية ليست مصيرها التراجع؛ بل قدرتها على النهوض تكمن في إرادتنا. نحن بحاجة إلى “تجويد” حقيقي، يجمع بين التراث والحداثة، لتعود جزيلةً كما كانت – وأقوى.

اقرأ أيضا: جامعة ذمار تحتفي باللغة العربية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى