كتابات فكرية

المثقف والصراع الداخلي

المثقف والصراع الداخلي

  • أمين الجبر

الأحد10يوليو2025_

إنّ المثقف يعيش دوما في حالة من التناقض والصراع الداخلي، حيث يواجه تحديًا وجوديًا يتمثل في كيفية الحفاظ على قيمه ومبادئه دون أن يقع في فخ العزلة النرجسية أو الذوبان في المحيط الاجتماعي. هذه الأسئلة الجوهرية التي نطرحها تُعبّر عن إشكالية حقيقية في حياة المثقفين والمفكرين عبر التاريخ. 

المثقف مطالب بأن يكون صادقًا مع نفسه، لكن عليه أيضًا أن يتجنب الوقوع في فخ الغرور الفكري أو الانفصال عن الواقع. الحل يكمن في التواضع الفكري: أن يؤمن بأن الحقيقة نسبية، وأنّ أفكاره ليست مُطلقة، بل قابلة للنقاش والتطوير. عليه أن يلتزم بمبادئه دون أن يجعل منها أداة للتعالي على الآخرين، بل أن يتحلى بالانفتاح والحوار البنّاء. 

لا يعني الانسجام مع المحيط التخلي عن المبادئ، بل يعني البحث عن لغة مشتركة تُتيح له التأثير دون صدام. المثقف الحقيقي هو من يعرف كيف يزرع بذور التغيير بحكمة، دون أن يُثير مقاومةً عدائية. يمكنه أن يكون جسرًا بين المثالية والواقع، عبر تبني خطابٍ يحترم سياق المجتمع ويُحرّك وعيه تدريجياً.  

الثقافة الجماهيرية (أو ما يُسمى بثقافة القطيع) قد تُفرض على المثقف كخيارٍ بين الاندماج أو الرفض الاجتماعي. لكن الاستسلام لها يعني خيانة لدوره كصوتٍ نقدي. البديل هو أن يختار معاركه بحكمة: ألا يصطدم في كل التفاصيل، لكنه يرفض التنازل عن الجوهر. يمكنه أن يكون مختلفًا دون أن يكون عدوًا، وأن يُعبّر عن رأيه بذكاءٍ يجعله مقبولًا حتى لو لم يُوافق عليه الجميع. 

المثقف ليس منعزلاً في برج عاجي، ولا منغمسًا في التكيّف المُفرط. دوره هو أن يجد التوازن بين الثبات على المبادئ والمرونة في الأسلوب. عليه أن يتذكر أن رسالته ليست فرض الحقيقة، بل إضاءة الطريق أمام الآخرين، بصدقٍ وشجاعةٍ وحكمة.

اقرأ أيضا للكاتب:الكتابة.. ذلك الهاجس الرجيم

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى