البرفيسور احمد قايد الصايدي المفكر والمؤرخ وعالم الاجتماع
حسن الدولة
تلقيت مكالمة هاتفية من البروفيسور احمد قايد للصايدي عصر السبت 7 صفر 1444هجرية الموافق 3 سبتمبر يقول لي: ” أنت ا قريب من بيتك فهل انت في البيت؟ فسعدت بذلك أيما سعادة..
لأن عالما كبيرا في حجم ومكانة البروفيسور تعتبر زيارته شرفا كبيرا بالنسبة لي ، وزادت سعادتي أكثر أنه استصحب معه نسخة من أخر كتبه التي صدرت قبل شهر تقريبا وهو الموسوم ب: (أوراق متفرقة) بجزأيه الأول ويتكون من عدد (403) صفحات من القطع الكبير والثاني على عدد (407) صفحات من القطع الكبير أيضا ..
وبهذين الكتابين تكون مكتبتي قد احتوت على جل مؤلفات الصديق البروفيسور احمد قايد الصايدي مد الله بعمره، وعددها أربعة عشر مؤلفا بالإضافة إلى ديوانه الشعري الذي صدر هذا العام الموسوم ب: (أفلا أجن) والذي كان لي شرف تقديم دراسة نقدية متواضعة لبعض قصائده,ومن خلال هذا الديوان أميط اللثام عن شاعر من فحول الشعراء، قال عنه الدكتور عبدالعزيز المقالح (لوكان أعطى جانبا من وقته للشعر لكان قد صار واحدا من كبار الشعراء في هذه البلد)…
ومؤلفات البروفيسور الصايدي تعد من أهم المراجع العلمية التي سددت فراغا لا باس به؛ ليس في المكتبة اليمنية والعربية التاريخية فحسب بل والعالمية أيضا، وبخاصة في المكتبة التأريخية، حيث أن أول كتبه الموسوم ب: (حركة المعارضة في عهد الإمام يحيى حميد الدين صدر باللغة الألمانية عام 1981م وصدرت ترجمته العربية في بيروت عام 1983م ، وكتابه النوسوم ب: (المادة التأريخية في كتابة نيبور عن اليمن) بيروت 1999م ونيبور هذا هو الذي زار اليمن وأعجب بثقافة قاضي القضاة في عهد الإمام المهدي عباس القاضي يحيى بن صالح السحولي الذي توفي عام 1794م وخلفه في هذا المنصب القاضي محمد علي الشوكاني الذي استمر قاضي قضاة لأعتى ثلاثة أئمة هم المنصور علي وأبنه المتوكل احمد وحفيده الظالم الغشوم المهدي عبدالله، الذي كان اليد التي يبطش بها الشوكاني بمناوئيه، بالسجن والجلد والنفي إلى جزيرتي دهلق وكمران وقد تم اعدام وصلب اشد خصوم الشوكاني وهو علامة عصره صاحب كتاب (المعظم الزخار المطهر للأزهار من دنس السيل الجرار) .
وعندما قابل المستشرق الألماني نيبور القاضي السحولي أعجب بسعة اطلاعه وأشاد بمعرفته بأحوال الحياة في البلدان الأوربية …
وغني عن البيان اهتمام الجامعات الألمانية بهذين الكتابين الذين رفد بهما الدكتور الصايدي المكتبة التاريخية، بالإضافة إلى اهم كتاب وثائقي عن العلاقة اليمنية الألمانية الذي احتوى على وثائق كانت مجهولة عن العلاقة الدبلوماسية بين البلدين وبالتحديد (من 1927م إلى 1940م) صدر عام 1992م ولقي اهتماما في الخارج لكنه للأسف الشديد لم يلق في اليمن نفس الاهتمام الذي لقيه في الخارج، ومن كتب البروفيسور الصايدي كتابه الهام الموسوم ب: (اليمن في كتابات الرحالة الأجانب) صدر عام 1994م وله كتاب عن (رحلة الملك الصيني مو وانج إلى بلاد المملكة الأم، ملكة سبأ)صدر عام 2002م وله ايضا كتاب آخر موسوم ب: (اليمن في عيون الرحالة الأجانب)2011م وأما كتبه الأخرى فهي :
– منهج البحث التاريخي ط1 1993م
– الاحتمالات والبدائل 1994م
– من القرية إلى عدن – “جسر بين عصرين” صنعاء 2010م
– الرهان الثالث صنعاء 2012م
-اليمن عشية الثورة صنعاء 2018م
– من هموم التعليم والبحث العلمي 2020م
وهي كتب أغنت المكتبة التاريخية اليمنية والعربية والأجنبية بموضوعاتها غير المسبوقة ..
وكعادتي في الاطلاع على أي كتاب يقع في يدي لأول مرة أن ابدأ بقراءة فهرس الموضوعات ثم المقدمة، ثم الشروع في قراءة الكتاب، وهذا ما عملته مع السفرين الأخيرين: (أوراق متفرقة)… وقبل الإطلاع ظننت من خلال العنوان أن السفرين سوف يحتويان على مقالات كتلك التي يجمعها الكتاب وينزلونها في كتاب؛ فإذا بي أمام سفرين يحتويان بالإضافة إلى المقالات التي تلامس همومنا الوطنية على أبحاث ودراسات في مجالات مختلفة إدارية وتاريخية واجتماعية وثقافية وتعليمية وبناء للدولة المدنية ففي السفر الأول يحتوي ضمن ما يحتوي غليه من موضوعات على عناوين مثل:.
– الرقابة الاجتماعية والإصلاح الاداري
-الإدارة العامة في العهد الوحدوي
– الديمقراطية والمجتمع اليمني
– مدخل في بناء الدولة المدنية.
وقد شدني بحث تاريخي ضمن عناوين فهرس الجزء الأول بعنوان: (ثورة الحق ؛ عبدالله بن يحيى الكندي) فبدأت بقراءته على خلاف عادتي في قراءة الكتب، وهكذا بدأت التنقل بين موضوعات الكتابين..
وقد وصف المؤلف الجزأين وصفا دقيقا حيث قال أنهما يحتويان على بعض أوراق مما كتبه خلال أربعة عقود بعضها قدم في ندوات ومؤتمرات علمية وبعضها نشرها في صحف ومجلات علمية فالجزء الأول خصصه للموضوعات التي قدمت في ندوات ونشرت في صحف ومجلات علمية، والجزء الثاني قام بتخصيصه للمقالات ورتبها بحسب موضوعاتها .. كما أن بعض تلك المقالات -الأوراق- تتضمن حلولا لكثير من المشكلات القائمة، وتحتاج اهتمام من قبل من بيدهم الأمر ما تضمنته من توصيات ومقترحات، رغم آن المؤلف يقول أن المسؤلين في هذه البلاد ليس بينهم وبين القراءة ود !!.
وعندما تحدث عن ما سبق أن قدم من دراسات رفعت إلى مسؤلين فبعضها لم يتم الاطلاع عليها والبعض تم الاطلاع عليها بسطحية سواء ما ضمنه في الجزأين أو ما سبق نشره في أعوام سابقة ومنها ما نشره عام 1994م بعنوان (الاحتمالات والبدائل) وكذلك ما تضمنه كتابه الموسوم ب: (الخيار الثالث) أو ما تشره في كتاب: (من هموم التعليم والتنوير والبحث العلمي) ومن تلك المقترحات موضوع نشر عام 1987م بعنوان: (التعليم والتنمية) ومن ضمن ما طرحه في هذه الدراسة موضوع دمج مرحلتي الابتدائية والإعدادية في مرحلة واحدة تسمى (مرحلة التعليم الأساسي) وطالب في هذه المرحلة الدراسية بالاهتمام بنوعية المدرس والمنهج وهو جوهر الفكرة التي لم يتم استيعابها من قبل القائمين على التعليم في هذه البلاد حيث اكتفوا بتوحيد مرحلة التعليم الأساسي وأهملوا الأهم “جوهر الفكرة” المقترحة المتعلقة بالمدرس والمنهج…
ويعتبر البروفيسور الصايدي قضية التعليم هي شغله الشاغل أو قل هي قضيته التي يتطلع إلى تحقيقها، ولو ظهر مثله في أي بلد من البلدان المتقدمة فأنهم سوف لن يتخذوا أي قرار بشأن التعليم إلا بعد الاستئناس بآرائه، إلا أن من سوء حظه أنه وجد في الزمن الخطأ والمكان الخطأ، في بلد تكذب رائديها..
وجدير بالذكر انه عندما تولى البروف الصايدي عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة صنعاء عمل ندوة علمية استغرقت عاما دراسيا كاملا (1988) قدم خلال هذه الندوة الطويلة عدد من البحوث العلمية والمتخصصة وتضمنت توصيات ومقترحات لعضها لم تر النور حتى يوم الناس هذا؛ وفي دراسات متعلقة ببناء الدولة ومؤسساتها وقد قام البروف احمد بتوزيع تلك التوصيات على وزارت ومؤسسات الدولة، لكن للأسف الشديد لم تلق تلك التوصيات آذانا صاغية فذهبت جهود عام كامل من البحث العلمي أدراج الرياح….
ولم يقتصر هذا الإهمال على أجهزة الدولة فحسب بل وعلى جامعة صنعاء نفسها حيث كلف ذات عام من قبل رئاسة الجامعة القيام بعمل دراسة لإنشاء جامعة في مدينة” تعز” فاستعان بمراجع ليحقق حلمه في تأسيس جامعة غير تقليدية، فخرجت الدراسة التي لا يمكن أن يقوم بمثلها إلا مراكز متخصصة بتوصيات من شأنها أن تحقق مبدأ (الجامعة في خدمة المجتمع)، إلا أن من كلفه القيام بتلك الدراسة لم يكلف نفسه بقراءتها والاستفادة منها، فتاتي النتيجة أن تم تأسيس جامعة تعز كنسخة مكررة لجامعة صنعاء ..كما تجدر الإشارة أن البروفيسور الصايدي كان صاحب فكرة تأسيس لجنة لمكافحة الفساد وتجفيف منابعة وقدم دراسة بهذا الخصوص تحت عنوان (خطاب مفتوح إلى الأخ رئيس الجمهورية) لكن كما يقال تمخض الجبل فولد فارا ، حيث اخذوا القشور فأنشئوا (الهيئة العليا لمكافحة الفساد)، وتركوا كعادتهم جوهر الفكرة، والمتعلقة بتنظيم إجراءات العمل وتجفيف منابع الفساد، إلا أن الهيئة حسب البروفيسور الصايدي حملت في “تكوينها تشوهات الولادة غير الطبيعية: وجاءت مغايرة في بنيتها ومنهجها لبنية ومنهج اللجنة التي اقترحها. فكانت النتيجة عجز واضح في مكافحة الفساد..
وجدير بالذكر أننا لم نكتب قراءة عن هذين السفرين بما يستحقانه من الدراسة والعناية وذلك لتنوع موضوعاتهما، وتباينها؛ باعتبار ان كل موضوع لوحده يحتاج إلى وقفة مستقلة؛ وما نقوم به من خلال هذه الأسطر ما هو إلا مجرد تحية ودعوة لكل من يهمه أمر بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة، ان يستفيدوا من الدراسات والبحوث المتضمنة بين دفتي كل مجلد وبخاصة التي تضمنها السفر الاول الذي تضمن دراسات وبحوث في غاية الأهمية..
وبالرغم من ان البروفسور الصايدي في اوج نشاطه وهمته في البحث العلمي إلا أنه لم يستعان بخبرته وعلمه من قبل جهات الإختصاص للاستئناس بآرائه، وبفكرة وبكتاباته التي تضمنها السفر الثاني، وما قدمه من مقترحات متعلقة بحل المشكلة اليمنية ووقف نزيف الدم، وإحلال السلام ؛ وعدد موضوعات الجزء الأول خمسة وثمانون موضوعا تبدأ بموضوع جد هام (قبل فوات الأوان) و(تجفيف منابع الإرهاب) و(التوظيف السياسي لعصبيات الجاهلية) مرورا بموضوعات منها (الطائفية خطر يهدد السلم الاجتماعي) و(هل صناعة الحرب أسهل من صنع السلام) و(ماذا بعد إيقاف الحرب) و(الدولة المدنية هي المخرج مما نحن فيه) وانتهاء بموضوعات منها(السلام الآن)و(والسلام مطلب عام) و(حرب متعددة الأوجه تفتك باليمنيين) و (السلام هو المرفأ الآمن لكل اليمنيين) و(الحرب والسلام وموقف المفكرين العرب) وختم هذا السفر ببعض المساهمات في التجمع الوطني وجماعة نداء السلام..وهي موضوعات تحتاج إلى دراسة من قبل مؤسسات المجتمع المدني والنخب السياسية وكل من بهمه إيقاف هذه الحرب التي تكاد تعصف باليمن أرضا وإنسانا..فالتحية والإجلال للعلامة المفكر اليمني والرائد الذي أضاعه قومه البروفيسور احمد قايد الصايدي…