كتابات فكرية

الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لـ “صوت الشورى” عن يوميات البحث عن الحرية

الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لـ “صوت الشورى” عن يوميات البحث عن الحرية  

يوميات البحث عن الحرية ..   كارثة محاكمة النتائج وإهمال المقدمات والأسباب!

  • عبد العزيز البغدادي

              لنغض الطرف عن الوقائع التي تؤكد مقولة الأستاذ عبد الله القصيمي أحد كبار المفكرين العرب: (العرب ظاهرة صوتية) لأننا ما نزال دون مستوى القبول بحرية الفكر والمعتقد، ولا معنى للفكر إن لم يكن صاحبه حراً في رؤاه ولا لمجتمع لا يقر بأهمية حرية الفكر والعقيدة إلى أقصى الحدود.

لم تقطع البلدان المتقدمة مادياً وثقافياً شوطاً مهما إلا بإقرارها بهذا الحق!.

ومعنى غض الطرف عن هذه المقولة افتراض أن العرب كبقية البشر لهم قلوبٌ يمكن أن يفقهوا بها وأعينٌ يبصرون بها وآذانٌ للسمع، وأنهم بكامل حواسهم أياً كان عددها وعدتها ووظائفها!

وهذه الفرضية تقتضي ابتداءً الكف عن محاكمة النتائج وبناء الأحكام عليها بعيداً عن المقدمات والأسباب والحيثيات.

ومن أبرز الأدلة على صدق مقولة القصيمي بنائها على حقائق الواقع الذي نتجرع مراراته، وبطلان الفرضية لبنائها على الخيال هذا القبول السافر بالاستبداد وتقديس المستبدين بمختلف أشكالهم وألوانهم ومذاهبهم ومشاربهم وكل انتماآتهم.

استبداد الحكام هو البيئة الحاضنة للجماعات الإرهابية أياً كان لونها ودينها ومذهبها، استخدمها الطغاة فكانت وبالا عليهم وعلى نفسها لأن كل الجماعات في النهاية هي جزء من الشعب بل هي أكثر التصاقاً بواقعه والأقدر على استغلال عواطفه الدينية والمذهبية والفكرية ومعاناته.

مهندسو الانقسامات هم من يغذي أحقاد المتسابقين على السلطة في معظم البلدان العربية، بل والإسلامية التي مزقتها نزعات السباق المريض، والتنافس غير الشريف.

التنافس المشروع أمر طبيعي وهو الطريق الأسلم والأفضل والبديل المقبول للصراعات المسلحة.

والتداول السلمي للسلطة في البلدان التي تقدر قيمة الحرية والعدالة والسلام يقطع الطريق على مهندسي الانقسامات ومثيري الأحقاد الطائفية التأريخية القائمة على الخلافة والولاية وادعاء الحق الإلهي الذي يُغضب الله بما يسببه من نعرات وإزهاق للأرواح!.

وفق كل الأديان لا يحق لأي طرف من الأطراف المختلفة أو المنقسمة ادعاء امتلاك الحقيقة والحق في إجبار الناس على إتباعه والاهتداء بهديه ،ومن تسول له نفسه فعل ذلك لابد أن يلقى جزاءه عاجلاً أم آجلاً ولو بواسطة مهندسي وداعمي الانقسامات أنفسهم، ومصير كثير من المستبدين والمدعين دليل قاطع على صدق ما نقول!.

هل يحق لهذا الطرف المدعي أن يقول للناس اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد، والقول هنا ليس مجرد التلفظ أو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة مهما حملت دعواه من خداع وتضليل، لكنه التحرك لإجبار الناس بالقوة على إتباعه والثناء عليه؟!!.

متى كان من المعقول أو المقبول أن ينصِّب أحدٌ نفسه خصماً وحكماً سواء كان هذا الطرف فرداً أو جماعةَ أو ديناَ أو مذهباَ أو حزباً أو نحو ذلك مما يشكل كياناً أو إيديولوجية شمولية طاغية؟!.

 وحين تكون الدعوة إلى ذلك سلمية لابد أن يكون واضحاً عدم وجود ما يؤثر على حرية الناس في قبول الدعوة أو رفضها ليصبح القبول الحر أساساً لتكوين كياناً وطنياً قوياً منيعاً يضم أحراراً بكلما ما تعنيه الكلمة من بهاء وقوة ومنعة يستفيد منها جميع أبناء الشعب تطبيقاً لمبدأ المواطنة المتساوية الغائب!.

واتحاد القطعان والعبيد لا يعني سوى الضعف والهوان والنفاق الذي يهدم الأوطان ويمزق أبناءَه!

وهنا أشير بكل وضوح إلى واقع الانقسام بل والتمزق الذي يعيشه وطننا وطن الحكمة والإيمان (اليمن) وبعض الأقطار العربية التي شملتها ما تسمى ثورات الربيع العربي منذ افتتحها طارق الطيب (محمد البوعزيزي) يوم الجمعة 17 ديسمبر كانون الأول 2010بحرق نفسه أمام مقر ولاية (سيدي بوزيد) احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية لعربيته التي كان يبيع عليها الخضروات والفواكه ورفض السلطات تلقي شكواه.

اندلعت الاحتجاجات في تونس وأدت إلى هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن على أو زين العابثين كما أطلق عليه المتظاهرون !، وامتد الربيع إلى مصر المحروسة ليتم محاكمة الرئيس مبارك ثم إلى اليمن السعيد لتؤدي إلى ما أدت إليه من وقائع وأحداث وتدخلات ثم ليبيا والبحرين وسوريا.

لاشك أن الأوضاع التي عاشتها وما تزال تعيشها هذه البلدان مزرية إلا أن ما رافق هذه الثورات أو الأحلام الثورية من فوضى وتحركات مشبوهة لبعض الجماعات الإرهابية أو الموسومة بالإرهاب يؤكد أنها لم تكن ثورات حقيقية، لأن المعيار البسيط للثورة الحقيقية الناجحة أن تؤدي إلى تغيير حقيقي ينقل الشعب من الحال الذي ثارت ضده إلى حال أفضل، أما الأحداث التي تؤدي إلى القلاقل والفتن والحروب المتواصلة وظهور المليشيات المتعددة المتناحرة المشغولة بتقاسم السلطة والثروة والنفوذ فهذه فوضى مهما رفعت من شعارات.

الشرعية الدستورية أو حتى الثورية ينبغي أن يراعى فيها الالتزام بالقواعد الدستورية والقانون الطبيعي في كيفية الوصول إلى السلطة نيابة عن الشعب وخضوعا لرقابته كما أن الشرعية الثورية إنما تكون شرعية مؤقتة لا ينبغي أن تتجاوز العام، يقوم خلالها الثوار بإدارة مرحلة انتقالية تهيئ لانتخابات ديمقراطية نزيهة وبإشراف دولي محايد.

ومن المؤسف أن التدخل الإقليمي والدولي في شئون اليمن لم يكن محايداً بل كان عاملاً أساسياً في دعم الانقسامات وتغذيتها، وهذا العمل بالـتأكيد لا يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار ولا لتحقيق مصالح الدول المتدخلة المشروعة لأنها ببساطة لا تراعي المصالح الوطنية لليمن واليمنيين!.

من صانع الفجر

من يهديه شمساً

الشمس في وطني قيدٌ

بيد السجان

مصنوع من الخرافة والأيديولوجيات الميتة!.

اقرأ أيضا للكاتب: يوميات البحث عن الحرية .. هل نعرف الفرق بين النصر والهزيمة ؟!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى