كيف تعمل واشنطن والرياض على إبطاء التحول السياسي في اليمن؟

كيف تعمل واشنطن والرياض على إبطاء التحول السياسي في اليمن؟
بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف
الخميس 6 نوفمبر 2025-
تشهد الساحة اليمنية منذ نهاية العام 2023 مرحلة دقيقة تتسم بالغموض السياسي المقصود، حيث تتقاطع المصالح الأمريكية والسعودية في منع استقرار اليمن وإبقائه في دائرة “اللاحرب واللاسلم”. تأجيل توقيع خارطة الطريق بين صنعاء والرياض – رغم استيفاء معظم شروطها – لم يكن مجرد خطوة تفاوضية، بل يعكس استراتيجية متكاملة تهدف إلى تفريغ التحول السياسي اليمني من مضمونه.
أولاً: واشنطن وإدارة الجمود
منذ أن تمكنت صنعاء من فرض معادلة ردع عسكرية متقدمة، لم يعد الخيار العسكري مطروحاً بجدية لدى الرياض. لكن الولايات المتحدة، التي تعتبر اليمن ساحة حساسة ضمن أمن الطاقة والممرات البحرية، دفعت نحو تأجيل التسوية بحجة “التصنيفات القانونية” و”التحقق من التزامات الأطراف”، في حين أن الهدف الحقيقي هو إبقاء التوازن الهش القائم دون تمكين أي طرف من حسم المشهد.
تسعى واشنطن من خلال هذا النهج إلى إدارة الأزمة لا حلها، بما يضمن:
استمرار الهدوء الأمني النسبي في الخليج.
حرمان اليمن من استثمار قدراته السياسية والعسكرية في بناء دولة مستقلة القرار.
إبقاء الملف اليمني ورقة تفاوضية قابلة للاستخدام في التوازنات الإقليمية.
ثانياً: الأهداف الاستراتيجية الأمريكية
تعمل الإدارة الأمريكية ضمن ما يمكن تسميته بـ”سياسة التدمير الذاتي الممنهج”، أي إضعاف الخصم من الداخل دون مواجهته عسكرياً. ويتجلى ذلك في ثلاثة محاور رئيسية:
1. تعطيل الإصلاح الإداري والمؤسسي في صنعاء من خلال تشجيع الانقسامات البيروقراطية، وتغذية الفساد، وإبقاء الوجوه غير الكفوءة في مواقع القرار.
2. تجميد العلاقات الخارجية لليمن عبر حصار سياسي وإعلامي يمنع أي انفتاح حقيقي على القوى الدولية الصاعدة مثل روسيا والصين وإيران، أو حتى على القوى الغربية المعارضة لسياسات واشنطن.
3. إضعاف الوعي الوطني من خلال بث الإحباط في النخب، وتشويه أي تجربة ناجحة، وتغذية الخطاب الداخلي العدمي الذي يضرب الثقة بين القيادة والشارع.
ثالثاً: الدور السعودي – بين الارتهان والحذر
تجد الرياض نفسها في وضع معقد، فهي من جهة تدرك أن استمرار الحرب لم يعد ممكناً بعد الفشل العسكري الكبير، ومن جهة أخرى تخضع لضغط أمريكي يمنعها من توقيع اتفاق شامل يضمن استقراراً دائماً.
لقد اختارت السعودية التماهي مع الرؤية الأمريكية القائمة على “الهدنة غير الرسمية”، ما يضمن أمنها النفطي مؤقتاً، لكنه يضعها في حالة ارتهان استراتيجي لواشنطن، ويؤجل معالجة جذور التوتر مع صنعاء.
رابعاً: المعركة الحقيقية في الداخل
رغم أن اليمن تمكن من تحقيق توازن ردع عسكري، إلا أن المعركة الأخطر اليوم هي المعركة الإدارية والسياسية. فنجاح صنعاء في التصحيح الداخلي وتمكين الكفاءات سيعني تحوّلها إلى دولة مؤسسات قادرة على فرض نفسها سياسياً، وهو ما تعتبره واشنطن تهديداً مباشراً.
ومن هنا، تعمل قوى خارجية ومحلية على تعطيل هذا المسار من خلال:
تضخيم الفساد والمصالح الشخصية داخل الجهاز الإداري.
تحريك أدوات إعلامية للتشويه والإرباك.
زرع عناصر تعمل على إعاقة مشاريع الإصلاح وإحباط الكفاءات الوطنية.
خامساً: السيناريوهات المحتملة
يمكن رسم أربعة سيناريوهات رئيسية لمستقبل اليمن في ضوء التطورات الجارية:
🔹 السيناريو الأول: نجاح التصحيح الداخلي
يؤدي إلى استقرار سياسي واقتصادي، ويمنح اليمن استقلالية القرار ويُسقط الرهانات الأمريكية على الفشل الذاتي.
🔹 السيناريو الثاني: استمرار الفساد والإدارة العاجزة
يؤدي إلى إنهاك المجتمع، وتآكل الثقة الشعبية، وإعادة إنتاج الفوضى التي تراهن عليها واشنطن.
🔹 السيناريو الثالث: اختراق المؤسسات من الداخل
عبر شبكات محلية تعمل ضمن أجندة خارجية، هدفها تعطيل مسار الإصلاح وتقويض الثقة بين القيادة والمجتمع.
🔹 السيناريو الرابع: انفتاح سياسي ودبلوماسي واسع
إذا تحركت صنعاء خارجياً بفاعلية، وبنت علاقات استراتيجية مع القوى الدولية الصاعدة، فستتمكن من كسر الحصار السياسي والإعلامي وفرض واقع جديد في المنطقة.
سادساً: التوصيات
في ضوء هذه المعطيات، يصبح من الضروري أمام القيادة اليمنية والقوى الوطنية اعتماد مسار واضح يقوم على ثلاث ركائز أساسية:
1. حسم مسار التصحيح الإداري عبر إقصاء الفاسدين والمخترقين وتمكين الكفاءات الوطنية المخلصة.
2. تفعيل الدبلوماسية الخارجية لكسر العزلة وبناء شبكة علاقات متوازنة مع الشرق والغرب، خصوصاً مع القوى المناوئة للهيمنة الأمريكية.
3. تحصين الوعي الوطني والإعلامي لمواجهة الحرب الناعمة التي تستهدف ثقة المجتمع بالدولة، وإعادة الاعتبار للنجاحات الوطنية في مختلف المجالات.
خاتمة
إن معركة اليمن اليوم ليست في الميدان العسكري، بل في مؤسسات الدولة ووعي المجتمع.
واشنطن تراهن على الفشل الذاتي أكثر من الرهان على الحروب، والسعودية ما تزال مترددة بين خيار السيادة وخيار التبعية.
لكن رهان اليمنيين الحقيقي يجب أن يكون على وعيهم وإصلاح مؤسساتهم وبناء مشروع دولتهم المستقلة، لأن التصحيح الداخلي هو وحده القادر على كسر كل أشكال الحصار والتبعية.
اقرأ أيضا:صنعاء ترحب بمساعي الأمم المتحدة لتحقيق السلام في اليمن


