في رحاب الصوم ( ٣ – ٣)


في رحاب الصوم ( ٣ – ٣)
- عارف الدوش
الاثنين10مارس2025_
كثيرة هي البحوث والدراسات التي تتناول المعاني الروحية والنفسية للصوم لكن هناك بحوث قليلة ومتناثرة هنا وهناك عن المعاني العرفانية والصوفية لهذا اللون التعبدي” الصوم” .
وأهل الله (الصوفية) لم يكتفوا بالصيام عن الطعام والشراب وما إلى ذلك ولكن تعد عندهم الصوم ليصبح معراجاً إلى الحضرة الإلهية تُغيب الخلق لتظهر به نور الحق تعالى الذي بدوره يضفي نورانيته تعالى على قلوب العابدين العارفين ليغنيهم عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف بصفات صمدية تلك الصفات المستمدة منه سبحانه يقول الإمام الشعراني “الصوم صفة صمدانية” وأن الصوم بحسب أهل الله “الصوفية” هو” الإمساك عما سوى محبوبهم” والمقصود هنا هو الذات الإلهية.
ويقول الشيخ عبدالكريم الجيلي : “ الصوم هو إشارة إلى الإمتناع عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف بصفات صمدية” ( ١ )
ويقول الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي ” الصوم في شرع القوم – ويقصد بهم ( أهل الله الصوفية ) هو الإمساك عما سوى محبوبهم ” ( ٢ )
وعند أهل الله ( الصوفية ) الغاية الكبرى من الصوم هي تقوى الله تعالى يقول الله تعالى:
” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” ( ٣ )
ومن لم يحقق تقوى الله في صومه خاب وخسر ولم يكن له من صومه إلا الجوع والتعب ومن قيامه إلا المشقة والنصب .
ونجد في التجربة الروحية التأكيد على صوم الجوارح أكثر من سواها لمعرفتهم سر مكنونات الإنسان .
ولصوم شهر رمضان فوائد لا تعد ولا تحصى ولكن للصوم رمزية صوفية منها ما يقوله الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه “الصوم يميت مراد النفس وشهوة الطبع وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وجل الإلتجاء إلى الله وسبب انكسار الهمة وتخفيف السيئات وتضعيف الحسنات ” ( ٤ )
ويقول الحكيم الترمذي ” ثمرة الصوم تطهير النفس” ( ٥ )
ورمزية الصوم عند أهل الله (الصوفية) ذات مفاهيم اصطلاحية متعددة معبرة عن مسلكهم الروحي ومنها مثلاً أن الصوم يجعل حياة الإنسان في صوم روحي دائم ومراقبة دائمة تؤدي إلى السيطرة التامة على هوى النفس ويصبح جوهر الصوم هو الجلي والواضح وهو صوم الجوارح ..
وجملة القول أن أهل الله ( الصوفية ) يرون الصوم فرصة من فرص القلب والروح بالإضافة إلى موجبات الصوم من ترك الطعام والشراب والنكاح فإن الأصل عندهم أن يسلم القلب من الزيغ وأن تسلم الجوارح من آفات البغي والعدوان. ولذلك كانت أقوالهم في الصوم وآدابه مشبعة بمعاني الرفق والصفاء .
ونرى أهل الله( الصوفية ) يوجبون النية في كل لحظة ويرون رمضان كله موسماً سنوياً تطهر فيه السرائر والنفوس . وينشغلون بمحاسبة النفوس ويرون الصوم أصلاً من الأصول في تطهير النفوس والقلوب معاً والصائم عندهم لا يشغل نفسه بحديث الظمأ والجوع فهذا من المسلمات ولا يحتاج أن ينشغل به الإنسان وإنما يشغل نفسه بالحقائق الجوهرية الجدية ويتسامى في علاقته بالله رب العالمين .
إن لحظة واحدة من كبح جماح النفس وصدها عن شهوات البغي والتكبر والعقوق والعدوان أفضل وأشرف من مائة يوم يقضيها شخص ما بين الظمأ والجوع . وقد قوى أهل الله ( الصوفية ) عزائمهم ورفعوا هممهم لأن العزيمة الصادقة والهمة العالية لا تُعرف إلا في إقامة العدل لأن ابن آدم تغره نفسه إلى ممارسة الظلم . وبالتالي فإن الصوم هو صوم النفوس لا صوم البطون فقط وعند أهل الله ( الصوفية) الصوم الأعظم هو الكف عن إيذاء الناس وقال الشريف الرضي مخاطباً الخليفة الطائع العباسي :
إذا ما المرء صام عن الدنايا .. فكل شهوره شهر الصيام
ـــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
( ١ ) الشيخ عبد الكريم الجيلي – الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل” ج2 – ص 88
( ٢ ) الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي – المنح القدوسية في شرح المرشد بطريق الصوفية – ص205
( ٣ ) سورة البقرة : اية البقرة : 183
( ٤ ) عادل خير الدين – العالم الفكري للإمام جعفر الصادق – ص 169 .
( ٥ ) الحكيم الترمذي – الصلاة ومقاصدها – ص 4 .
اقرأ أيضا للكاتب: في رحاب الصوم ( ٢ – ٣)

الصورة خاصة بصوت الشورى لأطفال يتعلمون قراءة الاطفال بالجامع الكبير بصنعاء