عمرها أكبر من عمر دول وحضارات ..شجرة الغريب تغادر تعز بصمت

عمرها أكبر من عمر دول وحضارات ..شجرة الغريب تغادر تعز بصمت
- عبد القوي شعلان
الأثنثن21أبريل2025_
شجرة الغريب العتيقة، الواقعة في منطقة السمسرة دبع الحجرية محافظة تعز ، شامخة بألفي عام من الذكريات، تستمع بمرارة إلى أحاديث القيل والقال التي تعكس وجع اليمن واليمنيين المزمنة .
وقفت شجرة الغريب صامدة كشاهد أبدي على تقلبات الزمان . جذعها الضخم، كان يستظل بظله الوارف المسافرين والمارة منذ عصور الدولة الحميرية ، خاصة أولئك الذين يأتون للمقيل ، حاملين معهم أمتعتهم وهموم البلاد وأخبارها المتعبة القاهرة لكل الكائنات الحية.
على مدى عصور كانت فيها البلاد مستقرة، كانت الشجرة تستقبل أحاديث اليمنيين بصبر، كانت تستمع إلى قصصهم بشغف ، من حكايات الحب والفقد، إلى أشعار الماضي التليد. لكن مع مرور الوقت ولاسيما في السنوات الأخيرة، بدأت نبرة الأحاديث تتغير لدى اليمنيين ، حلّت الكلمات القاسية محل اللين، وتصاعدت أصوات اللوم والاتهام.
كانت شجرة الغريب تستمع بإنصات مؤلم إلى حجم الكراهية التي تملأ قلوب الجالسين تحت أغصانها ، أحاديث الأحزاب الباعثة للفرقة والانقسام ولغة الإقصاء والمناطقية والانفصالية والسلالية صارت هي السائدة ، كانت ترتعد أغصانها الخضراء كلما سمعت كلمات الحقد والعداوة، وكأن روحها النباتية الحساسة تستشعر مرارة الفرقة بين اليمنيين
ذات يوم، شعرت الشجرة بثقل لا يطاق. لم تعد قادرة على تحمل هذا الكم الغريب من السلبية والكراهية ، لم يعد بإمكانها أن تكون جزءًا من مشهد يزداد قتامة يومًا بعد يوم
وفي صمت مهيب، اتخذت قرارًا.
لم تحدث ضجة، ولم تسقط ورقة واحدة بشكل مفاجئ.

أبت إلا أن تنسحب من الحياة بهدوء بالغ، كما ينسحب الليل ليحل محله الفجر ،تجف الأغصان ببطء، وتتوقف العصارة عن التدفق في عروقها العتيقة.
لم يفهم الجالسون تحتها ما يحدث. كانوا منهمكين في نقاشاتهم الحادة، غافلين عن الرحيل الصامت لشجرتهم المعمرة. وعندما أدركوا أخيرًا صمتها الأبدي، نظروا إلى جذعها الشاحب بعيون زائغة.
رحلت شجرة الغريب، نعم رحلت ، مفضلة الموت على أن تبقى شاهدة على بؤس لم تعد تحتمل الجبال ما بالك بالكائنات الحية .
رحلت بهدوء، لتعلن بصمتها المدوي : حتى الكائنات النباتية لم تعد تجد مكانًا للعيش بسلام في ظل هذا القدر من الكراهية بين الكائنات البشرية
تركت فراغًا في المكان، وفراغًا أكبر في القلوب التي ربما أدركت متأخرة قيمة الظل الذي فقدوه، وظل السلام الذي تمنوه ولم يحققوه، وداعا شجرة الغريب ..
اقرأ أيضا:وقفة غاضبة بتعز للمطالبة بضبط قاتل والد الصحفية غدير الشرعبي