كتابات فكرية

أمريكا تتراجع عن اليمن: نيران البحر الأحمر تُحرج الهيمنة الغربية وتمنح صنعاء زمام المبادرة

 أمريكا تتراجع عن اليمن: نيران البحر الأحمر تُحرج الهيمنة الغربية وتمنح صنعاء زمام المبادرة

بقلم الدكتور :عبدالرحمن المؤلف

الاربعاء9يوليو2025_

في لحظة مفصلية من تاريخ المواجهة بين الغرب والمقاومة، بدت واشنطن، القوة العسكرية الأكبر عالمياً، عاجزة أمام تكتيكات منخفضة الكلفة قادتها صنعاء في البحر الأحمر، لتسجل بذلك لحظة نادرة من انكفاء الهيمنة الأميركية، وتغيّر حقيقي في معادلات الردع التقليدي.

الجرح النازف في خاصرة أمريكا

بات البحر الأحمر يُمثّل لـ”البنتاغون” ما يشبه الجرح المفتوح في قلب المنظومة الغربية، حيث فشلت كل محاولات الردع، واهتزت صورة الأساطيل التي لطالما كانت رمز السيطرة على طرق التجارة العالمية.

وفي تقرير لافت لمؤسسة Visegrad Post الأوروبية، سُلّط الضوء على سلسلة إخفاقات بحرية أمريكية في البحر الأحمر، وأُجبرت القيادة العسكرية الأميركية على مراجعة خططها العملياتية وإعادة النظر في مدى جهوزيتها لمواجهة خصم يجيد استعمال الطائرات المسيّرة، والزوارق المفخخة، والصواريخ الدقيقة، بأساليب غير نمطية.

فما حدث لحاملة الطائرات “ترومان” – وفق التقرير – لم يكن مجرد حادث عرضي، بل فضيحة عسكرية بكل المقاييس، أثبتت هشاشة التفوق العسكري الغربي أمام حروب “الإنهاك الذكي” التي لا تمنح الوقت الكافي للتردد، ولا تسمح للخصم بإعادة التموضع قبل أن يتلقى الضربة التالية.

ترامب متردد… والميدان يتكلم

الارتباك الأميركي، كما تؤكده تصريحات نقلتها “هآرتس” الإسرائيلية، لا ينفصل عن حالة الغموض المحيطة بسياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه اليمن. فبينما تهاجم إسرائيل اليمن ضمن عملية “الراية السوداء”، تتجنب واشنطن الانخراط المباشر، وتكتفي بالتعهد بـ”حماية حرية الملاحة”، دون خطوات فعلية على الأرض.

بل إن ما تكشفه مصادر في الخارجية الأميركية ووسائل إعلام مثل قناة “العربية”، يُظهر بوضوح أن واشنطن تراجعت خطوات واسعة عن الملف اليمني، وخفّضت فرقها الدبلوماسية والعسكرية المكلّفة به، بل علقت جزءاً كبيراً من مساعداتها، ما يعني أن اليمن لم يعد في رأس أولوياتها الاستراتيجية.

صنعاء: المبادرة في يد اليمنيين

في المقابل، فرضت صنعاء نفسها كطرف إقليمي صاعد في معادلة الردع، بعد أن نجحت عملياتها في البحر الأحمر في إغراق سفن تجارية مرتبطة بـ”إسرائيل” مثل سفينتي Magic Seas وEternity C، كما أكدت مجلّة “Lloyd’s List” المتخصصة بالملاحة البحرية.

الرئيس اليمني مهدي المشاط صرّح بوضوح:

“حرية الملاحة مضمونة للجميع باستثناء إسرائيل ومن يدعمها”،

في إشارة مباشرة إلى أن الردع البحري مستمر ومؤسَّس على منطق واضح، لا على قرارات انفعالية.

بل إن اليمن أعلن التزامه بمواثيق القانون الدولي، واعتبر عملياته استجابة شرعية لمواجهة الإبادة في غزة، التي أسفرت حتى الآن عن أكثر من 195 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وفق مصادر حقوقية، بينهم آلاف الأطفال والنساء، في ظل تجاهل دولي تام لأوامر محكمة العدل الدولية بوقف المجازر.

الهيمنة الغربية تتراجع… والفراغ يملؤه الخصوم

تأملات السياسيين والعسكريين في تل أبيب وواشنطن تصطدم بواقع صارخ:

كل الجهود لإيذاء الحوثيين لم تنجح في وقف عملياتهم،

كما نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤولين إسرائيليين.

في هذه الأثناء، تزداد المخاوف الخليجية، خاصة لدى القوى المرتبطة بالرياض وأبو ظبي، من أن يقود الانكفاء الأميركي إلى مواجهة مفتوحة بين اليمن و”إسرائيل”، خصوصاً في ظل عجز تلك القوى عن التأثير في الميدان أو احتواء التصعيد.

حتى حكومة عدن التي حاولت طرح مبادرة لتقاسم عائدات النفط مع صنعاء، اصطدمت بجدار الرفض الأميركي، الذي سعى – عبر سفيره ستيفن فاجن – إلى تكريس الجمود لا إنهاء الصراع، حفاظاً على توازن هشّ يخدم مصالح واشنطن لا مصالح اليمنيين.

نهاية مرحلة: القصف لا يغيّر موازين القوة

الولايات المتحدة، كما تؤكد مصادر مطّلعة، باتت مقتنعة بأن القصف الجوي لا يغير موازين القوى في اليمن، وأن حركة “أنصار الله” تمكنت من فرض معادلة جديدة تمنحها حرية المناورة وامتلاك زمام المبادرة، سواء في البحر أو في الجو.

هذا الإدراك الأميركي لا يعني بالضرورة القبول الكامل بهذه المعادلة، لكنّه اعتراف ضمني بأنّ هيمنة النار الغربية لم تعد قادرة على حسم المعارك التي باتت تُدار من “الأسفل”، لا من السماء.

الخاتمة: عندما تتكلم صنعاء… تصمت واشنطن

إنّ ما نراه اليوم ليس مجرد تحول عسكري أو ميداني، بل ارتباك استراتيجي في مركز الثقل العالمي. حين تتوقف حاملة طائرات أميركية أمام زوارق يمنية، ويغرق الغرب في لجان التحقيق والتبرير، فهذا يعني أن زمناً جديداً قد بدأ.

وفي حين يدين الغرب مقتل 3 بحارة في البحر الأحمر، ويغض الطرف عن مئات آلاف الضحايا الفلسطينيين في غزة، يتبيّن للعالم من جديد أن هناك قوى لا تتحدث إلا بلغة واحدة: لغة النار حين تنطفئ لغة العدالة.

المراجع والمصادر الموثوقة:

Visegrad Post, “Red Sea Military Failures”, 2025

Lloyd’s List Maritime, July 2025 reports

هآرتس الإسرائيلية، تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين، يوليو 2025

وكالة سبأ اليمنية، تصريحات الرئيس مهدي المشاط

قناة “العربية”، تصريحات أميركية رسمية حول تقليص الحضور الأميركي

وزارة الخارجية الأميركية، بيان تامي بروس، 9 يوليو 2025

بيانات رسمية من وكالة UN OCHA ومحكمة العدل الدولية بخصوص غزة

اقرأ أيضا:طـريق_القـــدس .. نظام القـتل الأمريكي الرجيم في غـــزة

الصورة للسفينة “ماجيك سيز” التي حاولت كسر الحضر اليمني على إسرائيل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى