اخبار محليةكتابات فكريةنافذة على كتاب

أحمد محمد نعمان .. بين المقابلة والمذكرات والسيرة قراءة فكرية سياسية (4 ـ 4) أ + ب

أحمد محمد نعمان .. بين المقابلة والمذكرات والسيرة قراءة فكرية سياسية (4 ـ 4) أ + ب

  • قادري أحمد حيدر

الأربعاء 20أغسطس 2025_

أحمد محمد نعمان .. بين المقابلة والمذكرات والسيرة

قراءة فكرية سياسية

           -أ –

“حركة الأحرار” وصعود الحركة السياسية والوطنية التحررية اليمنية.

  مع نهاية النصف الأول من الخمسينيات وبداية النصف الثاني منها، وتحديداً من بعد صعود مدّ حركة التحرر الوطني العالمي، ودورها في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وانقسام العالم إلى معسكرين: رأسمالي واشتراكي، وتحديداً – تاريخياً – من بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م، والتطورات الداخلية في قلب هذه الثورة، وما اتخذته من إجراءات سياسية واقتصادية/ اجتماعية، وتأميمها لقناة السويس، وبناء السد العالي بعد ذلك، ودعمها حركات التحرر في المنطقة العربية وفي العالم، ودخول مصر عبد الناصر مع جواهر لال نهرو، وتيتو، في تشكيل مؤتمر عدم الانحياز “باندونغ”، والعدوان الثلاثي: الصهيوني، الفرنسي، البريطاني على مصر، والمقاومة الوطنية والقومية المصرية للعدوان، ودعم الشعوب العربية لمصر؛ كل ذلك فتح المنطقة العربية كلها على مرحلة سياسية وقومية تحررية جديدة، من سوريا إلى ثورة العراق 1958م، التي أسقطت “حلف بغداد”، إلى لبنان، إلى ثورة الجزائر وثورة اليمن، ووقوف مصر داعمة للثورة في الجزائر، ومشاركة فعلية مع عبد الناصر في قلب ثورة 26 سبتمبر 1962م.

  فمنذ العام 1956م، بدأت تظهر وتتشكل الخلايا الأولى لـ”حزب البعث العربي الاشتراكي” في جنوب اليمن، من حضرموت إلى عدن، وفي الشمال بدأ تشكّل البعث من العام 1958م، وظهرت التجمعات الماركسية المبكرة في عدن، و”الجبهة الوطنية المتحدة” عام 1955م، وفي العام 1959م ظهرت “حركة القوميين العرب” في الجنوب والشمال. حتى تشكيل “تنظيم الضباط الأحرار” في صنعاء، ديسمبر 1961م، ثم بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، تشكلت “الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل”، بعد أن بدأ يتراجع دور “الجمعية العدنية”، وبعدها تراجع دور ومكانة “حزب رابطة أبناء الجنوب العربي”، وبدأ الوهن يدب في جسد حركة الأحرار، والانشقاقات تنخر في قلب ما تبقى منه في صورة “الاتحاد اليمني”، في القاهرة تحديداً، وفي “الاتحاد اليمني” في عدن بدرجة أقل.

وقد أشار الشاعر/ الشهيد، محمد محمود الزبيري إلى ذلك بالتفصيل في كتيّبه: “نعمان الصانع الأول لحركة الأحرار”(1).

  بدأت معه “حركة الأحرار” تفقد بريقها الذي كان في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات والنصف الأول من الخمسينيات. وكان تأسيس “الاتحاد اليمني” في عدن، عام 1952م، برئاسة الأستاذ عبد القادر علوان، ثم بعد ذلك، بقيادة عبد الله علي الحكيمي، القادم من بريطانيا للاستقرار في عدن، بداية مرحلة جديدة في تاريخ المسار السياسي للأحرار اليمنيين، بعد أن سقط انقلاب 1948م، وإعدام قادة الانقلاب، ودخول من تبقى منهم إلى السجن.

 استمر بعدها نشاط “الاتحاد اليمني”، لفترة قصيرة بحكم اعتقال وسجن الحكيمي حتى اغتياله مسموماً. ثم كان تأسيس “الاتحاد اليمني” في القاهرة عام 1953م، بداية مع الزبيري، ثم بعد وصول الاستاذ، أحمد النعمان إلى القاهرة في أغسطس 1955م، ودوره الكبير في إنعاش نشاط ما تبقى من حركة الأحرار، في صورة “الاتحاد اليمني”، وتفعيل دوره الذي كان شبه مجمّد، وتتنازعه اتجاهات إمامية بعد سيطرة “المفوضية المتوكلية” عليه في القاهرة، وبعض الأسماء مثل الجناتي، والمقبلي، والخزان، ودخولهم في صراعات مع النعمان، الذي ترك له الزبيري القيادة بعد إعلانه استقالته، ومحاولة الأستاذ النعمان إعادة ترتيب بنية “الاتحاد اليمني” بعيداً عن الأسماء التي ارتبطت بالإمامة.

  ودخل “الاتحاد اليمني” تحت قيادة أحمد النعمان في حالة من الصراع المزدوج: مع بعض الأحرار الانتهازيين، ومع الطلاب المنتمين للأحزاب الجديدة: “بعث”، “حركة القوميين العرب”، ماركسيون وناصريون، بعد أن رأى رموز حركة الأحرار أن الأحزاب السياسية والوطنية اليمنية الجديدة (الصاعدة) ليست مؤهلة لتبني القضية اليمنية، وأنها أسيرة أحزابها القومية (في الخارج). وفي هذا القول/ الرأي شيء من الصحة النسبية، وليس كل الصحة.

وحديث الأستاذ أحمد النعمان النقدي لهذه الأحزاب، في المقابلة المسجلة بالصوت، جاء من موقع وموقف مختلف نوعياً عنها، فضلاً عن الصراعات داخل بنية تنظيم “الاتحاد اليمني” في عدن وفي القاهرة، خاصة بعد فشل انقلاب 1955م، على خصوصية دور ومكانة كل من الاتحادين، في عدن والقاهرة، والذي يحتاج إلى دراسة مستقلة لكل منهما.

  ثم الاختلاف مع آل الوزير الذين انشقوا في نفس الفترة مشكّلين حزبهم الخاص: حزب الشورى، أو “اتحاد القوى الشعبية”، ما يعني أن حركة الأحرار وصلت إلى بداية نهاية انفلاشها الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي.

  والأهم، أن ما تبقى من حركة الأحرار في صورة “الاتحاد اليمني” لم يكن واضحاً لديهم – كحركة أو اتحاد يمني – ماذا يريدون بالضبط، خاصة “الاتحاد اليمني” في القاهرة، وتحديداً من بعد فشل تجربتهم في انقلاب 1948م، ثم فشل انقلاب 1955م، حيث اختلفت رؤى ومواقف الأحرار منه: معه، ضده، وبين بين.. وجدت خلالها حركة الأحرار نفسها في حالة من الاسترخاء والفراغ السياسي امتدت من 1948م إلى 1955م، فترة خروج العديد منهم من السجون.

وجدت حركة الأحرار نفسها تحت تسمية “الاتحاد اليمني”، في القاهرة تحديداً وفي عدن، تعيش في خضم تحولات وتطورات فعل سياسي واجتماعي ووطني يمني وعربي جديد وصاعد، وبدون قاعدة اجتماعية حقيقية حاضنة لها، سوى ما تبقى من المهاجرين في مناطق هجراتهم المختلفة، وخاصة منذ بداية النصف الثاني من الخمسينيات.. وجدت قيادة الحركة/ الاتحاد نفسها تعيش شبه معزولة وعرضة لانشقاقات وانقسامات داخلية، وضعيفة الصلة بالتحولات التي تشهدها الساحة اليمنية والعربية، ودورها السياسي/ التاريخي يتراجع نسبياً ـ تدريجياً ـ لصالح قوى اجتماعية وفكرية وسياسية جديدة، مع تصاعد مد قوى حركة التحرر الوطنية اليمنية والعربية.

  صار معه الحديث عن إصلاح الإمامة من داخلها كلاماً من الماضي، خاصة بعد انقلاب عام 1955م، تحولت معه فكرة/ لعبة “ولاية العهد”، التي ارتفع رصيدها في سلوك وخطاب الأحرار التكتيكي، وهم داخل السجن، وبعد خروجهم من السجن، إلى لعبة، أو مزحة سمجة وثقيلة على الروح والعقل، وهي الفكرة/ اللعبة التي استمر الأحرار يلعبون عليها لشق بنية النظام الإمامي، في تعميق تعارضاته الداخلية، غير آبهين بالتحولات الأيديولوجية والسياسية والوطنية العاصفة من حولهم؛ وهنا تكمن أزمة، أو مشكلة حركة الأحرار.

بقي “الاتحاد اليمني” يشتغل سياسياً، في القاهرة بحركة بطيئة، ولم يخلُ النشاطـ ـ كما سبقت الإشارة ـ   من خلافات وانشقاقات سياسية وتنظيمية في داخله، أشار إليها بوضوح الأستاذ أحمد النعمان في مقابلته/ مذكراته في أكثر من موضع، كما أشار إليها الزبيري في كتيّبه “نعمان الصانع الأول لقضية الأحرار”.

  حقاً، لقد وصلت حركة الأحرار في صورتها القديمة (“حزب الأحرار” 1944م، “الجمعية اليمانية الكبرى” 1946م و”الاتحاد اليمني” في عدن وفي القاهرة) إلى منتهى وخاتمة دورهم كحزب، وكرؤية للإصلاح.

  كانت – عربياً – ثورة 23 يوليو 1952م، بداية الانطلاقة والعنوان السياسي والقومي البارز الذي كانت الحركة الطلابية في القاهرة، والحركة الوطنية اليمنية الصاعدة في الجنوب والشمال، جزءاً منه، وليس نشأة “تنظيم الضباط الأحرار” في ديسمبر 1961م، سوى آخر عناوينه، الآمرة بقلب صفحة حركة الأحرار اليمنيين.

  فنحن حين نشير إلى “حزب البعث العربي الاشتراكي” أو إلى “حركة القوميين العرب” وإلى الناصريين، أو تجمعات وتنظيمات اليسار الماركسي، إنما نشير إلى قوى اجتماعية وفكرية وسياسية جديدة ضد الاستبداد، وفي معاداة ومقاومة الاستعمار، قوى تعي وتدرك أهمية بناء وقيام الدولة الوطنية الحديثة، وبالنتيجة أهمية قضية فلسطين ومقاومة الصهيونية، كجزء أصيل في بنية مشروع وخطاب هذه الأحزاب والتنظيمات، وهو ما كان، قياساً لمضمون خطاب حركة الأحرار التي وصلت إلى نهاية المشوار، في صورة الخطاب الصادر عن حركة الأحرار، الذي يكاد يخلو من هذه المفاهيم والأفكار والمعاني والمضامين كرؤية ومنظومة سياسية كفاحية وطنية وقومية. توقف معه خطاب حركة الأحرار سياسياً عند سقف “ولاية العهد”، وقومياً عند حد جمع التبرعات لفلسطين دون رؤى لمقاومة الإستعمار والصهيونية تتبع عملية جمع التبرعات لصالح فلسطين. وهو قطعاً – جمع التبرعات – أمر طيب ونبيل يحسب للاستاذ، النعمان تحديداً، ولحركة الأحرار.

يمكنني القول: إن ثورة 23 يوليو 1952م، هي التي أعلنت بداية انطلاقة وصعود مد حركة التحرر الوطنية اليمنية والقومية العربية في كل المنطقة، وهي التي مدت يد المساعدة والعون والقوة لتيار المقاومة ضد استبداد الأنظمة الرجعية في المنطقة، وضد الاحتلال الاستعماري في أكثر من بلد عربي: الجزائر، اليمن الشمالي وجنوب اليمن ضد وفي مواجهة الاستعمار البريطاني، بعد ذلك.

وكان لصعود دور حركة الطلاب اليمنيين في القاهرة، ودخولهم معترك العمل السياسي والوطني، وعقدهم مؤتمرهم الطلابي اليمني الأول (شمال وجنوب) في 23 يوليو 1956م، وإعلانهم بيانهم السياسي الوطني اليمني الوحدوي الواضح حول اليمن “الطبيعية”، في تجاوز فكري وسياسي لرؤية وخطاب حركة الأحرار الفضفاض والعمومي، الموارب  حول الوحدة اليمنية، وحول مقاومة الاستعمار البريطاني، وحول مستقبل اليمن، شمالاً وجنوباً، على هذا الأساس، وحديثهم الصريح – الطلاب – عن الوحدة اليمنية التي تشمل اليمن الطبيعية؛ كان ذلك – في تقديري – هو بداية إعلان تراجع دور “حركة الأحرار” و”الاتحاد اليمني” في القاهرة وعدن، بدرجات متفاوتة فيما بين دور الاتحادين.

  ففي مقابلة مع الشاعر، والسفير، عبده عثمان محمد، عضو اللجنة التنفيذية للمؤتمر الدائم للطلبة اليمنيين في مصر، في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين، تحدث عن حالة ووضع حركة الأحرار قائلاً: “هذا التنظيم ـ يقصد الاتحاد اليمني للأحرار في القاهرة ـ لعب دوراً هاماً في الحركة الوطنية، إلا أنه في الآونة الأخيرة قد توقف نشاطه نسبياً، وأصبح لم يعد قادراً على استيعاب الجديد ومتطلباته، وهذا لا يقلل من دور رجاله”(2).أي أن ثمة ضعفاً وتراجعاً في دور تنظيم حركة الأحرار، مع بقاء دور ومكانة رجاله كأسماء سياسية ووطنية تاريخية.

  وجاء – لاحقاً – تشكيل “تنظيم الضباط الأحرار” السري في ديسمبر 1961م، بداية سياسية وتنظيمية لإعلان ذلك الأفول السياسي والتاريخي النهائي لحركة الأحرار، وهو ما رفض البعض القبول به والتكيف مع طبيعة ومنطق المرحلة الجديدة، على كل مصاعبها وتحدياتها وعثراتها التي رافقت تجربة حركة الأحرار في المرحلة الأخيرة، حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.

  إن ثورة 26 سبتمبر 1962م كانت تفاعلاتها واعتمالاتها الأيديولوجية والسياسية تتبلور وتتشكل وتختمر في أذهان وعقول شباب ثورة التحرر السياسي والاجتماعي والوطني اليمنية، ضمن أفق الرؤية الوطنية والتحررية القومية.

 وهنا أجد نفسي مضطراً للتدليل على ذلك، لإيراد نص أيديولوجي/ سياسي متقدم وعميق يطرح ويعكس صورة الخطاب البديل لخطاب حركة الأحرار، شكلاً ومضموناً، فكراً ولغة، وهو ما كتبه قائد تنظيم الضباط الأحرار ـ لاحقاً ـ علي عبد المغني، في صحيفة النصر الصادرة في العهد الإمامي في مدينة تعز، في 16 يناير 1958م، عدد رقم (168)، التي كان يرأس تحريرها السيد محمد بن حسين موسى، جاء في المقالة التالي:

“… باسم الحرية التي ثمنها الدماء، وباسم المدرسة الثانوية كلها، هيئة وطلاباً، أَتقدم وأتشرف بهذه الوقفة المشرفة كي أساهم الشعب المصري المتحرر احتفالاتهم الباهرة… في هذا اليوم تمر أمامنا أحداث الجريمة المنكرة التي ارتكبها الاستعمار الغاشم بعدوانه الوحشي على أراضي مصر العزيزة، قلب الأمة العربية المتحررة، وزعيمة الشرق الإسلامي كله، في هذا اليوم تمر أمامنا ذكرى العدوان الثلاثي بوحشيتها وقساوتها لنرى ما يضمره لنا الاستعمار الغربي الآثم من الحقد… إننا نحتفل احتفاء بذكرى انتصار القومية العربية، انتصار الروح على المادة، انتصار الإيمان بالحق والمبدأ على القوى الاستعمارية، إننا نحتفل بهذا العيد القومي الشامل، فإنما نحتفل بيوم الحرية والسيادة والاستقلال، لقد كانت المؤامرات السرية المشتركة تعني القضاء على مصر، على حكومة مصر الفتية، وعلى القومية العربية المشتعلة… كانت المؤامرة السرية الغادرة تنوي احتلال قناة السويس من جديد، كانت تعني أن تعيد العملاق العربي إلى قم الفناء “فرّق تسد”… لقد كان يريد “أيدن” و”مولييه” الأثمان إسقاط جمال عبد الناصر، وأرادوا أن ينفذوا الخطة بالضغط على شعب مصر الواعي حتى يثور على زعيمه المخلص، ويشكل جهازاً حكومياً جديداً يشرف عليه الاستعمار ويسيره لأغراضه الخسيسة وشهواته النازية، ولكنهم خدموا جمال عبد الناصر من حيث لا يشعرون، مسكين الأسد البريطاني لقد شاخ وتقدمت به السن، ودخل في طور التخريف (…), لقد أهرمته هزيمة بورسعيد، وأن هزيمة عدن المقبلة ستكون أدهى وأمر ـ لاحظوا قوله هزيمة عدن المقبلةـ الباحث ـ لقد فتحت مصر الباسلة أبواب الجهاد لكل الشعوب المستعمرة وخطت الخطوة الأولى في طريق التحرر”(3).

إن القائد الشهيد علي عبد المغني، في النص السالف، يتنبأ بثورة التحرير من عدن قبل قيامها بست سنوات، وفي خطابه نجده يقدم رؤية فكرية وسياسية ووطنية وقومية تحررية ضمن أفق سياسي تاريخي شامل. يلتقي مع خطاب الطلاب اليمنيين في القاهرة، ومع خطاب الحركة الوطنية اليمنية الصاعدة، وكأننا معه نقرأ واقع أزمتنا الوطنية والقومية الراهنة، خطاب اعتبر فيه جمال عبد الناصر قلب الأمة العربية، وقلب تحرير الشرق الإسلامي، مؤكداً على قيمة فعل المقاومة لدحر العدوان الاستعماري.

 إن النص السالف الطويل يكشف لنا الفارق النوعي؛ فكرياً وسياسياً وثقافياً، بل وحتى سيكلوجياً، بين خطاب رمز الضباط الأحرار، وبين خطاب حركة الأحرار في ذات التاريخ في الموقف من الثورة على النظام الإمامي الحميدي المتوكلي، وفي الموقف من الإستعمار.

  هذا فقط، لتقريب الصورة بين صعود خطاب، وأفول آخر.

  يذكر الأستاذ أحمد محمد نعمان في مذكراته المسجلة، قائلاً:

“كان من رأيي أن الثورة في اليمن أو أية حركة عنيفة ينبغي أن لا تقوم، وأنه يجب التعاون مع البدر لأنه متجاوب مع الأحرار ومع دعوتهم. فلا بد أن نجعله مرحلة من المراحل. وإذا تطور الوضع في اليمن وإذا اختار اليمن نظاماً غير هذا النظام فليعمل، لكن نحن أحوج ما نكون للبدر، ولا بد أن يكون وجوده ضرورة وطنية. وكان هذا رأي كثيرين من الإخوان الأحرار في الداخل المرتبطين بنا. وكان رأي فريق من المصريين أننا يجب أن نتعامل مع البدر، وأنه لا يوجد عنده تعصب أو تحجر: جعلتنا هذه العلاقات نُقدّر فيه دائماً هذا المعنى ونرتبط به من أجل مصلحة البلاد. وعندما رأيت أن الاتجاه ضده في مصر فهمت ذلك، وحاولت أن أخرج من مصر وأسافر إلى اليمن بعد موت الإمام أحمد لأكون إلى جانبه أُنبهه. وأبرقت له برقية أعزيه بأبيه وأهنئه بتولي الإمامة (…) ولكن كما يقولون “سبق السيف العذل”، هاجموه وأخرجوه ولامونا لأننا بعثنا له برقية، وأننا غير مرتاحين للثورة وقالوا إننا لسنا ثواراً”(4).

  إن النص السالف، الذي أوردناه على طوله من مذكرات الاستاذ، أحمد النعمان، يقول بجلاء ووضوح إن حركة الأحرار اليمنيين، حتى بطبعتها الأخيرة “الاتحاد اليمني” – في القاهرة تحديداً – قد وصلت إلى منتهاها وخاتمتها الفكرية والسياسية والتنظيمية. ومن هنا اختلاف حركة الأحرار وتناقضها مع رؤى وطروحات الأحزاب السياسية المعاصرة: البعث، وحركة القوميين العرب، والماركسيين، والناصريين. وهو ما يشير إليه تحديداً وكثيراً الأستاذ النعمان في مذكراته المسجلة.

  إن الأستاذ أحمد محمد نعمان، وهو الصادق العظيم مع نفسه ومع رؤيته، يكاد يكون الوحيد من حركة الأحرار الذي قدم كل ذلك البوح الصادق عن رؤيته وعن موقفه من الثورة، خاصة وهو يسجل مقابلته أو مذكراته بعد قيام الثورة وانتصارها بسبع سنوات (1969م). ولذلك لم يتنازل عن رؤيته وموقفه حتى بعد قيام الثورة وانتصارها في الشمال والجنوب.. بقي واستمر يتحدث عن ثورة 26 سبتمبر 1962م باعتبارها حدثًا مستعجلاً ومتطرفاً، كمن يستعجل الشيء قبل أوانه، ومن أنها ليست ثورة تغيير، بصرف النظر عن مآلها السياسي، وأنه ضد أي حركة عنفية ضد الإمامة، وأنه مع الإصلاح والتغيير التدريجي التاريخي.

لقد ظل الأحرار طيلة سنوات النصف الثاني من الخمسينيات، يراهنون على فكرة وقضية “ولاية العهد”, حتى عندما بدأ البعض من الأحرار الكبار، والمشائخ يتحدثون أحياناً ولماماً، عن الجمهورية، فإنها جمهورية بمضمون سياسي اجتماعي شبه إمامي: القبيلة، ومشائخها هم العمود الفقري لتلك الجمهورية، لأنهم كما يتصورون ـ أقصد المشائخ ـ هم البديل السياسي التاريخي للإمامة، وهو ما تحدث عنه البعض في عام “ثورة خولان”،١٩٥٩م، أنهم مع جمهورية شريطة أن يكون على رأس الدولة الجمهورية، أحد المشائخ الكبار، وينوبه واحداً من رموز الأحرار، وهو ما أشار إليه، الاستاذ، علي محمد عبده، في أحد أبحاثه(5).

  إن ما كان يتصوره ويعتقده الأستاذ النعمان، كما ورد في المقابلة/ المذكرات، هو استمرار الإمام البدر في الحكم، وتطور النظام السياسي الإمامي من داخل بنيته الداخلية، دون تدخل عنيف من الخارج، أي دون ثورة، وبالتالي دعم الإمام البدر ونصحه إلى الطريق الصحيح، “لأننا – كما يرى الأستاذ النعمان – أحوج ما نكون للبدر، وأن استمرار وجوده ضرورة وطنية (…) ولأنه لا يوجد عنده أي تعصب أو تحجر” (6).

  بعد مطالعتنا لهذا النص الأيديولوجي/ السياسي للأستاذ أحمد محمد النعمان، في مذكراته المسجلة، لا يسعنا القول – على اختلافنا معه فكرياً وسياسياً – سوى أنه أبرز الصادقين في التعبير عن رأيه، لم يُخاتل أو يُنافق، ولم يَخشَ قول رأيه، مع أنه سيصدم قطاعًا واسعًا من أبناء المجتمع اليمني في قوله إنه لم يكن مرتاحًا للثورة وقيامها.

  على أنه يمكنني القول إنه من أبرز وأسمى الوطنيين ومن الثوار الكبار، بل هو من الرموز الصانعة للوطنية اليمنية المعاصرة.

أي أن الأستاذ النعمان ليس من الطارئين على حركة التاريخ السياسي والوطني اليمني، مثل – على سبيل المثال – د. عبد الرحمن البيضاني، الذي فرضه السادات، والمخابرات المصرية قائداً على رأس الثورة اليمنية، قبل قيامها، وفتح له نافذة “صوت العرب”، كما فتحت له صفحات الصحف المصرية، لنشر كتاباته، ضداً على رأي ومواقف القيادات السياسية والوطنية التاريخية، في صورة النعمان، والزبيري، والذي استمر أكثر بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى للثورة، حتى حصوله على أرفع المناصب العليا في الدولة والحكومة.

  الشيء الذي أقدره وأراه شبه أكيد، ويعبر عن رأي القطاع الأوسع من اليمنيين، وخاصة من بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، هو أن اليمن واليمنيين تجاوزوا من سنوات طويلة مرحلة الإمامة الحميدية المتوكلية بجميع مسمياتها: يحيى، أحمد، البدر، و”ولاية العهد”، وكل منظومة الحكم الإمامي، سواء في أسرة بيت حميد الدين، أو غيرها من الأسر ضمن البيت السياسي الهاشمي الكبير.

إن الإمامة استمرت حاضرة وموجودة بالقوة وليس بالفعل، حسب تعبير أرسطو، أي بقوة الاستمرارية في التاريخ التخلفي، وليس بفعل الحاجة الموضوعية والذاتية والتاريخية لها في الواقع والحياة.

وبقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي فجرت الثورة في كل اليمن، شمالاً وجنوباً، وكان يمكن أن يصل مداها وأثرها الإيجابي إلى كل الجزيرة والخليج، لولا الحرب الرجعية والاستعمارية العدوانية على ثورة 26 سبتمبر، خوفاً من ذلك التمدد الانفجاري للثورة إلى كل المنطقة، وتحديداً إلى السعودية، راعية وحامية المصالح الاستعمارية في منطقتنا، التي بادرت من أول أسبوع وشهر بالعدوان على الثورة، وهو ما يدل على أن اليمنيين لم “يكونوا أحوج ما يكونوا للبدر”، وأن “وجود البدر” لم يكن أبداً “ضرورة وطنية”(7)، في التاريخ السياسي اليمني المعاصر.

يبقى ذلك هو رأي الأستاذ النعمان الخاص، وقد يكون رأي بعض من بقي من الأحرار، مع أنني لم أطلع كتابة – على الأقل حتى اليوم – على من يقول بهذا الرأي من الأحرار. فقط – حسب علمي – هو الأستاذ النعمان من جاهر به ودافع عنه، وكان صادقاً مع نفسه، وواضحاً مع فكره وتفكيره، في قول رأيه وما يعتقده، ولم يتراجع عنه، حتى بعد سبع سنوات من قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وانتصارها. وهو ما أشار إليه د. علي محمد زيد، المحرر والمراجع للكتاب/ المذكرات، حيث كتب عن أن النعمان “عبر بوضوح عن موقفه الحقيقي، مثلاً من قيام ثورة سبتمبر 1962م، حتى بعد أن انهزم خصومها، ولم يقم بأثر رجعي بإجراء جراحة تجميل لذلك الموقف” (8).

ولنترك التقييم الفكري والسياسي حول هذه المسألة/ القضية – وغيرها – للكتابة العلمية التاريخية، أي للبحث العلمي، الذي قطعاً، في صيرورة الزمن النقدي التاريخي، سيكون له رأي قد يكون مناقضاً ومختلفاً عن كل ما نكتبه نحن اليوم على طريق البحث عن الحقيقة. ذلك أن ما نقوله جميعاً بلغة اليقين الأيديولوجي، في كل ما نكتب، هو وجهة نظر على طريق البحث عن الحقيقة، متعددة الأبعاد والاتجاهات، التي بها يكتمل المعنى.

  جميعنا نتكلم بلغة وخطاب “المفرد بصيغة الجمع”، والمطلق، ونحن نقصد النسبي والتاريخي.

 أي أن ما يهمنا ويعنينا هو تثبيت رأينا، وتحقيق مصلحة جماعتنا/ حزبنا/ قبيلتنا/ طبقتنا.

الهوامش في الحلقة(ب) الثانية القادمة، والاخيرة

*** *** ***

 أحمد محمد نعمان .. بين المقابلة والمذكرات والسيرة

قراءة فكرية سياسية (4-4)

  • قادري أحمد حيدر

                      ـ ب ـ

ـ “حركة الأحرار” وصعود الحركة السياسية والوطنية التحررية اليمنية.

التاريخ السياسي اليمني المعاصر، يقول لنا إن ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م، جاءت بعد محاولات إصلاح عديدة للنظام السياسي/الاجتماعي الإمامي الحميدي المتوكلي، بداية من الوعظ الديني، والنصح والإرشاد، منذ نهاية الثلاثينيات إلى بداية النصف الثاني من الأربعينيات، ولم تكن حركة ١٩٤٨م الدستورية، سوى محاولة أخيرة لإصلاح نظام الحكم الإمامي، حتى كان انقلاب ١٩٥٥م، المشترك بين بعض إخوة الإمام، وكبار ضباط الجيش، دون الدخول في تفاصيل قضية الحوبان، حتى الدخول في لعبة “ولاية العهد”، وهي صناعة مشتركة ـ كذلك ـ بين الأحرار، والإمام أحمد من تحت الطاولة من قبل الإمام أحمد ، وجميعها لم تجد ولم تقد إلى شيء سوى تأكيد الاستمرار في الحكم بالطريقة القديمة، بل وأسوأ، في انتظار نتائج جديدة ومختلفة، دون جدوى. وجاءت ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م، تعبيراً عن إرادة قوى حية صاعدة.. تعبيراً عن إرادة شعبية بالتغيير وبالثورة، على طريق تحطيم النظام السياسي/الاجتماعي الإمامي، باعتبار الثورة الطريق الوحيد والأخير للإصلاح والتغيير، وهو ما كان.

ذلك أن رؤية الأحرار للتطور والتقدم الاجتماعي، كانت تكاد تكون رؤية مثالية ساكنة، رافضة للتغيير السياسي/الاجتماعي الثوري، وهذا الأمر ينطبق بدرجات متفاوتة، على معظم رجال حركة الأحرار، باستثناء شباب الأحرار: الفسيل، اللواء الأكوع، محمد أحمد نعمان، صالح الدَّحان اليساري، وعلي محمد عبده… وغيرهم، الذين نجدهم أكثر اقتراباً من الفكر التغييري الثوري، وبعضهم رفع شعار الجمهورية مبكراً.

ولذلك وجدوا أنفسهم بعد قيام الثورة وفي سياقها متصالحين إلى حد بعيد معها بدرجة أكبر وأعمق، بل وجزءاً أصيلاً من بنية النظام الثوري الجديد، مع ملاحظات حول هذه المسألة أو تلك القضية، مؤكدين على تعقيدات المشكلة اليمنية، في أزمتها التاريخية المستمرة، دون حل جذري حتى اليوم.

إن حركة الأحرار نشأت ووجدت، كحركة معارضة للإمامة، وانصبت جهودها الفكرية والسياسية والعملية/النضالية في هذا الاتجاه من المطالبة بحكومة ونظام ملك دستوري “إمامة ملكية دستورية”، حتى العمل في هذا الاتجاه من خلال فكرة “ولاية العهد”، ولم يتجاوز سقف حركة الأحرار هذا البعد والمحتوى والعمق من الرؤية، وكل ما عدا ذلك تفاصيل وهوامش على ذلك المتن، وبقيت كذلك حتى قيام ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م، وهنا علينا أن ندرك ونفهم أن مصطلح ومفهوم “حركة المعارضة اليمنية”، تحت قيادة وزعامة حركة الأحرار، تدخل ضمنه العناصر شبه الإقطاعية المستنيرة والمطالبة بالإصلاح من داخل الطبقة/الأسرة الإمامية المستنيرة، وهو ما تأكد في صورة التحاق سيف الحق إبراهيم بالحركة في عدن، وبعدها التحاق بيت الوزير على رأس قيادة حركة ١٩٤٨م، في سياق قيامها والإعلان عنها وهي بهذا المعنى والمفهوم في حينه، مطالبة بـ”إمامة ملكية دستورية”، بدلاً عن “الإمامة الوراثية”، خارج شروط المذهب الزيدي الهادوي. وفي أي سياق تجد اسم أو مصطلح “حركة المعارضة اليمنية”، فإن المقصود بذلك، هو حركة الأحرار في معارضتها للإمامة، لا أقل ولا أكثر.

وحول الأحرار، وثورة 26 سبتمبر 1962م، يكتب د. عبد العزيز المقالح في مقدمته لكتاب جار الله عمر، التالي:

“كان الأحرار الدستوريون في بلادنا يحلمون بنظام ملكي دستوري، إلا أن ثوار سبتمبر وأكتوبر كانوا أكثر طموحاً حين ارتفعت أحلامهم إلى النظام الجمهوري بوصفه التجسيد الكامل للنظام الدستوري غير الخاضع للتوريث والتأبيد” (7).

أي الموقف الرافض لإعادة إنتاج الإمامة، في صورة “ولاية العهد” للبدر، أو لغيره من الأسماء الإمامية، كما كان يفكر ويتصور الأحرار إلى قبيل قيام ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م.

فالزبيري، في روايته “واق الواق”، ١٩٦٠م/القاهرة، يقدم لنا نموذجه الأيديولوجي والسياسي التاريخي للحكم، ولنظام الحكم الذي يستمده من استعادته لصورة “مجالس الحكم” في دول اليمن القديم، بعد أن اختصر الشعب اليمني في كل البلاد اليمنية، في “حاشد” و”بكيل” باعتبارهما جناحي اليمن، وهو الذي طالب في مؤتمر “عمران” 1963م، الذي رأسه، بضرورة قيام ودعم تأسيس “جيش قبلي من (28 ألف قبيلي مسلح)”، في مقابل وموازاة جيش الدولة الرسمي (8). وهو ما تم رفضه، وكان أحد علائم ومؤشرات الصراع السياسي المبكر، في صورة ظاهرة، المؤتمرات القبلية الأولى، والذي ظهر لاحقاً، في رأس القيادة الجمهورية.

وهي، في تقديري، حركة ارتدادية للخلف، كما وردت في نصوص مؤتمر “خمر” ١٩٦٥م، في صورة “حزب الله”، وفي صورة مؤتمر ” الطائف “, ارتداد عما قدمه الأستاذ أحمد النعمان، والشهيد محمد محمود الزبيري، في دستور “مطالب الشعب” عام 1956م.

مع أن الأحرار حتى وهم يقدمون دستورهم في “مطالب الشعب” عام 1956م، وهي “المطالب” التي أراها في سياقها التاريخي،  وثيقة فكرية/سياسية تاريخية تقدمية بكل ما تحمله كلمة تقدمية من معنى، فإنهم لم يتحدثوا في “المطالب” صراحة وبوضوح وبالاسم عن الجمهورية. قالوا الكثير مما يعني نسف بنية الإمامة في الخطاب، كرؤية ونظام حكم، على أنهم تجنبوا النطق باسم وكلمة الجمهورية!!

ناهيك عن أن “مطالب الشعب”، على أهميتها الفكرية والسياسية والتاريخية، فإنها كتبت لا ليُبنى ويُراكم عليها معرفياً وفكرياً وسياسياً، بل ليقطع معها، ولتهمل وتوضع على الرف، لأنها كما يبدو تجاوزت السقف الأيديولوجي والسياسي لحركة الأحرار.

يمكنني القول: إن الأحرار اليمنيين، لم ينتقلوا بكليتهم؛ الذهنية والفكرية والسياسية والسيكولوجية، إلى المرحلة الجمهورية الجديدة، بقي الكثير ـ سيكولوجياً ـ الذي يشدهم ويربطهم بما كانوا عليه، ولذلك لم يتوافقوا ويتكيفوا مع القوى الاجتماعية والسياسية، والاتجاهات الأيديولوجية الجديدة بعد الثورة.

باختصار، وجدوا أنفسهم في تحالف سياسي مع كبار مشائخ القبائل ومع القوى الاجتماعية التقليدية (مشائخ الدين السياسي)، ومع كبار الضباط من أصحاب المصالح الصغيرة.

وهنا لعبت “التشكيلة الاجتماعية/الاقتصادية المتداخلة” والمعقدة، دوراً في صناعة وصياغة ذلك الفرز الاجتماعي/السياسي الذي ظهر في سياق الثورة.

إن ثورة 26 سبتمبر 1962م، وثورة 14 أكتوبر 1963م هما التجاوز الفكري والسياسي التاريخي، لرؤية وبرنامج حركة الأحرار التي وصلت إلى سدرة منتهاها بقيام الثورة اليمنية المعاصرة، في صيغة الجمهورية الواضحة في الشكل والمضمون، ولذلك استمروا يقاتلون بصبر استراتيجي، طيلة سنوات 62 ـ ١٩٦٨م، للحفاظ على روح وصيغة المعنى الجمهوري، والأهم محتوى النظام الجمهوري، الذي كانت هناك محاولات مستمرة ومستميتة للانقلاب عليه، من مؤتمر “جدة”,١٩٦٥م، بين الرئيس جمال عبدالناصر، والملك، فيصل، إلى مؤتمر ” حرض”, وصولاً إلى محاولة استبدال النظام الجمهوري، “بالدولة اليمنية الإسلامية”، وجزء هام وفاعل من حركة الأحرار أو بقايا حركة الأحرار، كانوا ضمن هذا الاتجاه والتوجه!!

وبهذا المعنى، كان لقيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر القول الفصل في كل ما كان يتصوره ويتوقعه بعض الأحرار، قبل شهر أو أسبوع من قيام الثورة وحتى بعد قيامها، صارت أو غدت معه كل تلك الرؤى والتصورات التي أشار إليها الأستاذ أحمد النعمان تدخل في عداد القول المستحيل.

أي أن ثورة 26 سبتمبر 1962م، بل وحتى من قبل قيامها بسنوات، كانت الحركة الطلابية اليمنية في مصر “اللجنة التنفيذية” للمؤتمر الدائم للطلاب، ومعها الحركة السياسية الوطنية اليمنية الصاعدة قد أسقطت – جميعها – نهائياً في رؤيتها وخطابها، فكرة وقضية المراهنة على إصلاح الإمامة من داخلها، كما كان يفكر فيها الأحرار، بما فيه فكرة أو لعبة “ولاية العهد” للبدر والمراهنة الرومانسية الحالمة على البدر. وفي هذا السياق وحول هذا المعنى تحدث السفير/الشاعر، عبده عثمان محمد حول المراهنة على البدر قائلاً: “إن قصور وعيه – البدر – لم يمكنه من إدراك ذلك فأعلن بما يسمى خطاب العرش بأنه سينهج سياسة والده الرشيدة، وتنكر لكل الوعود التي كان يعد بها، الأمر الذي دفع التنظيم إلى القيام أو بالأصح إلى تفجير ثورة 26 سبتمبر 1962م” (9).

ذلك أن البدر في تكوينه الذاتي/الشخصي ليس مجرد علاقات ذاتية، وعواطف شخصية عابرة تجاه هذا الاسم من الأحرار أو ذاك.

فولي العهد، البدر، والإمام بعد ذلك، هو في التحليل الأخير، انتماء سياسي/ اجتماعي/طبقي، وموقف أيديولوجي/ تاريخي، ونفسية اجتماعية/ثقافية، وقبل كل ذلك مصالح مادية وسياسية تتقدم وتسبق علاقاته الذاتية/الشخصية/الرومانسية الوجدانية العاطفية بهذا الاسم من الأحرار أو ذاك.

 هكذا يقول منطق الفكر والواقع والتاريخ والمصالح، ولذلك استمر البدر يقاتل من بعد هروبه من قصر البشائر، من أجل الإمامة، حتى سقطت جميع أوراقه الأيديولوجية والسياسية والمادية على مذبح المقاومة البطولية لشباب الثورة،

” المقاومة الشعبية”, أي أنه كان يقاتل ـ البدرـ  من أجل الحكم والملك والعرش، وليس ضد أعداء اليمن المصريين.

إن حركة الأحرار اليمنيين محاولة نبيلة لم تنجح للانتقال من الإمامة الاستبدادية “القروسطية” إلى الإمامة الدستورية.. انتصر الإمام، واستمرت الإمامة، وسقطت الفكرة الدستورية على نبالتها، في كل مراحل الحكم الإمامي الحميدي المتوكلي.

فقد جاء في مذكرات الأستاذ النعمان المسجَّلة التالي:

“عندما رأيت أن الاتجاه ضده في مصر – يقصد ضد البدر – فهمت ذلك، وحاولت أن أخرج من مصر وأسافر إلى اليمن بعد موت الإمام أحمد لأكون إلى جانبه أنبِّهه (…) ولكن كما يقولون: “سبق السيف العذل” (10).

حقاً، لقد “سبق السيف العذل”، كما قالها الأستاذ النعمان، وهي أن الكلمة النهائية الفاصلة كانت وصارت للشعب اليمني؛ الشعب الذي قرَّر وحسم أمره في إزالة استبداد “قروسطي”، امتد وطال لحوالي 1160 عاماً متقطعة في التاريخ السياسي، من الإرهاب السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي.

جعل اليمن في آخر سورة وآية من التخلف.

يكفي أن الأستاذ النعمان ورفاقه الأحرار، طيلة نيف وثلاثة عقود، لم يتمكنوا حتى من القدرة على قول النصح والوعظ الديني والإرشاد السياسي.

ومذكرات أو مقابلة/ سيرة الأستاذ أحمد النعمان تقول هذا المعنى في أكثر من موضع من مواضع الكتاب.

أتفهَّم أن المذكرات/ المقابلة سُجِّلت ورائحة السجن وطَعم التعذيب النفسي وأصوات الحرب ما تزال قائمة، وطبولها ما تزال أصداؤها ترنّ في عقل ونفس وروح الأستاذ/ النعمان.

على أنني لا أستطيع، كقارئ وسياسي وباحث يمني – أتكلم عن نفسي – أن أبرر أو أتفهَّم أن الإمام البدر كان يدافع لا من أجل الملك والحكم والعرش، بل “من أجل أن يحرر اليمن من عدوها!!” (11). وهي – في تقديري – قراءة سياسية/ ذاتية لا تاريخية، لا علاقة لها بالواقع، في صيرورته التقدمية الإنسانية، كما جسدتها ثورتا سبتمبر وأكتوبر.

ولا أعتقد أن هناك باحثاً محايداً مستقلاً – أتكلم كذلك عن حدود رؤيتي واطلاعي – يمكنه أن يتفهَّم خطاب الخصومة حين يصل إلى هذه الدرجة من الحدَّة، الذي تنضح به بعض سطور تداعيات الذاكرة، في المذكرات المسجَّلة بالصوت، ناهيك عن أن يبرِّرها. هذا هو انطباعي، بل رأيي الذي لا أفرضه على أحد.

النص السالف للأستاذ الجليل النعمان فيه الكثير من الذاتية والانفعالية (رد الفعل)، وفي تقديري، لو أن مادة المقابلة/ التسجيل – كما سبق أن أشرت – عُرضت عليه بعد أشهر أو حتى سنوات من تفريغها، لكان له – في تقديري – رأي آخر فيها… في إعادة النظر فيها، تعديلاً وإضافة وحذفاً. أقصد كرؤية وتأويل، وليس كأحداث ووقائع.

هكذا يقول منطق الموقف من قراءة سُجِّلت، وما تزال رائحة القهر، وطَعم العنف والحرب قائمة، “وصعدة” تسقط فوق “رتب العمداء”، (سقطت صعدة على العمداء)، حسب تعبير الشاعر الذهباني، وظلال الحرب الكئيبة تطغى على صفحة التفكير عند الجميع، خاصة وأن التسجيل الصوتي لم يُعَد النظر فيه، لتنقيحه وتصويب بعض أخطاء وعثرات التسجيل، وتداعيات ذاكرة القول الشفاهي، وهو ما كان مطلوباً في مثل هكذا حالة.

“وحسب رأي فريدريك إنجلز (…)، أنه كلما طالت المسافة الزمنية بين لحظة وقوع حادث ما، والكتابة عنه بغية تحليله من أبعاده المختلفة، كان التشخيص أدق. لم يكن إنجلز يقصد بالضرورة وقائع التاريخ البعيدة، وإنما تلك التي وقعت في العصر الذي يعيشه الباحث، أو المحلل، والقصد هنا، هو أن المسارعة إلى تشخيص حدث ما لحظة حدوثه (…) والأهم عدم الانتظار حتى تتبين تداعياته، والنتائج المترتبة عليه، ما يتطلب وقتاً، نقول: مثل هذه المسارعة إلى التشخيص عرضة أكثر للوقوع في سوء التقدير، إن لجهة المبالغة في حجم الحدث، أو العكس التقليل من أهميته” (12).

فما بالكم ونحن أمام تداعيات حدث جلل، فيه بُعد ذاتي إنساني، فيه سجن وتعذيب روحي ونفسي، طال حياة من يتحدث عن الحدث، في واقع مسافة زمنية قصيرة، وما تزال ذاكرة عنف السجن وتداعياته عالقة ولصيقة في أنف وفم الكلام في شفتيه، وفي صميم وجدانه المقهور والمتعب.

فرح البعض في سبق النشر غطى على مضمون ما سينشر، وعلى ما فيه من نواقص ذاتية وفنية، نص أظهر الأستاذ النعمان في حالة انفعالية حادَّة.. وأبرز في المقابل الرئيس جمال عبد الناصر كعدو للثورة اليمنية، مع أنه أحد أقطابها ورموزها البارزة، بقدر ما حاول النص إبراز وإظهار عدو الثورة وعدو الشعب اليمني كبطل، ولو على استحياء (13).

بمثل ما أظهرت ما تسمى “المصالحة”، بعد أحداث 23/24 أغسطس 1968م، عبد الرقيب عبد الوهاب نعمان، وأبطال الثورة الشباب كمتمردين حاولوا تدمير صنعاء وقصف القصر الجمهوري، في مقابل الإماميين والملكيين، الذين عادوا كفاتحين إلى صنعاء وإلى قمة السلطة.

وهي “المصالحة”، التي تمَّت “تحت إشراف الملك فيصل” (14)، العدو اللدود للثورة اليمنية في الشمال والجنوب.

إن رموز وقادة حركة الأحرار ـ أغلبيتهم ـ لم يكونوا في صميم وعمق رؤيتهم الأيديولوجية/ السياسية مع تجربة ثورة 23 يوليو 1952م، فهم قطعاً ضد إجراءات الإصلاح الزراعي (15)، وضد التأميمات، وضد فكرة الاشتراكية، وضد قضايا ومواقف عديدة اتخذتها ثورة 23 يوليو 1952م، وهي أفكار وقضايا لا يمكنهم القبول بها في اليمن ـ أقصد القوى التقليدية ـ تحت أي شرط أو ضغط، وهي لم تكن مطروحة أصلاً في التجربة الثورية اليمنية، وإن كان البعض يتوق ويحلم بتنفيذها يمنياً، ولكنهم يتحسبون خوفاً من ردَّة فعل القوى السياسية والاجتماعية التقليدية، الذين تحالف بقايا الأحرار معهم.

وهنا نجدهم يلتقون ويتوحدون مع شبه الإقطاع السياسي/ المشيخي القبلي، ومع الضباط المشائخ، ومع القوى السياسية الاجتماعية الإسلامية، ومن هنا وحدة تراصهم وتحالفهم ضد السلال، وشباب الثورة،

 ” المقاومة الشعبية”, القريبين في رؤيتهم من تجربة الثورة المصرية.

فقد وقف القاضي عبدالرحمن الإرياني مبكراً، ضد حركة جماهيرية شعبية ثورية محدودة، تحركت تلقائياً وعفوياً وبصورة محدودة ضد رموز شبه الإقطاع المشيخي القبلي في بعض الأرياف، وضد مشائخ كبار كانوا تاريخياً في صف الإمامة، حيث تم سجن أو احتجاز البعض منهم، من قبل الثوار ، وحُجزت بعض أراضيهم في بعض الحركات والهَبّات الجماهيرية في بعض المناطق المحدودة (تعز، وإب)، التي كان عنف وبطش هؤلاء المشائخ بالرعية والفلاحين فوق الحد، وتدخل القاضي الإرياني معلناً احتجاجه ورفضه من موقعه كوزير للعدل ضد هذه الإجراءات المحدودة، كي لا تتسع وتتحول إلى ظاهرة.

ولذلك تم كسرها وقمعها في مهدها، وتم معاقبة وسجن من قاموا بهذه الإجراءات، حتى عودة هؤلاء المشائخ، وشبه الإقطاع السياسي في بعض الأرياف، وبقوة أكبر، مدعومين بقوة السلطة، بصورة أكبر من العنف والبطش. وموقف القاضي الإرياني ذلك، يتفق مع رؤية وموقف التحالف السياسي الذين وجدوا أنفسهم في قلبه.

وهنا يكمن الفارق الأيديولوجي والسياسي النوعي بين حركة الأحرار، والمشائخ، والقوى السياسية الاجتماعية التقليدية، وبين شباب الثورة وتنظيماتهم السياسية والفكرية المعاصرة.

هي لحظة تباين واختلاف فارقة، فكرية وسياسية، بما لا ينفي أو يلغي الدور السياسي والوطني التاريخي الكبير لحركة الأحرار في تاريخها السياسي المعاصر.

إن حركة الأحرار في نشأتها وصعودها السياسي التاريخي، غير حركة الأحرار مع وصولها إلى سدرة منتهى دورها السياسي قبيل قيام الثورة مباشرة، وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وفي سياق مجرى العملية الثورية وما جرى فيها من تطورات ومن صراعات سياسية داخل جبهة قوى الثورة (القيادة الجمهورية)، ومع قوى العدوان الملكية والرجعية والاستعمارية، التي فتحت أكثر من أربعين جبهة عسكرية ضد ثورة 26 سبتمبر.

قطعاً، أنا لست مع حالة القتل/ الإعدام التي حدثت لبعض الرموز السياسية والفكرية “الهاشمية”، في سياق العملية الثورية السبتمبرية، خاصة ممن ليس لهم عداوة حقيقية مع الثورة، كما أنني لا أتفق على تجريد بيت حميد الدين بالمطلق من الجنسية ومن حق المواطنة.

أقول هذا كباحث وقارئ بعد مرور أكثر من ستة عقود على قيام الثورة، ولا أعرف كيف كان سيكون موقفي في حينه، من كل ما تم في مجرى العملية الثورية، وفي سياق الحرب العدوانية على ثورة 26 سبتمبر 1962م.

أي أنني أتكلم وأكتب اليوم عن ذلك الحدث، أولاً، من موقعي كباحث، وليس مشاركاً فعالاً في الحدث، وثانياً، أنني أكتب وأنا على مسافة زمنية كبيرة من زمن وقوع الحدث، أكثر من ستة عقود، وليس والحدث مستمرة مفاعيله وتداعياته على الأرض.

نحن أمام شعب، في غالبيته العظمى، وبكل فئاته الاجتماعية والسياسية والثقافية والوطنية، حُرم طيلة قرون غابرة ودامية من حقه في المواطنة، بل ومن حقه في الجواز كعنوان للهوية اليمنية، وعنوان لحضور معنى الدولة في واقع الممارسة، كان اليمني يهاجر وليس بيده ما يثبت هويته اليمنية، وينتحل أسماء كثيرة إلا اسمه الحقيقي، واستمر هذا الحرمان والعزلة والجمود حتى ستينيات القرن الماضي؛ بقي خلالها كل الشعب اليمني كقطيع/ عبداً للسيد الإمام، واجب الطاعة دينياً وسياسياً، لم تستطع معه حتى النخبة المفكرة من الأحرار اليمنيين التحلل منه، وهو ما يشير إليه صراحة وبوضوح الأستاذ أحمد النعمان في مذكراته، والذي لا يتسع المقام للتفصيل فيه.

يمكنني القول باختصار مكثَّف:

 إن حركة الأحرار اليمنيين إنما وُجدت وتأسس دورها وكل معنى وجودها، على فكرة وقضية المواطنة (الرعوي والفلاح والتاجر المهاجر)، بحثاً عن العدالة: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، في إزالة الظلم الاجتماعي، وتجاوز/ نفي الجمود والركود والعزلة، في صورة ركام التخلف “القروسطي”، الذي استمر يلاحقنا لقرون سحيقة، وإلى بداية ستينيات القرن الماضي، بل وحتى اليوم.

ومن هنا لا أستبعد أن تقوم وتكون هناك عمليات رد فعل قاسية، وغير قانونية، وغير “وطنية”، تجاه أسماء من المكون الهاشمي الكريم، وحتى من غيره من الرموز القحطانية، مثل ما حدث مع الأستاذ، القاضي، قاسم الثور، وهي – في تقديري – أعمال جاءت وكانت عبارة عن رد فعل، في سياق عملية ثورية كانت تواجه عدواناً داخلياً وخارجياً.

هو أمر قد لا يكون طبيعياً ولا مقبولاً ولا مشروعاً من خلال التفكير العقلاني النقدي المجرّد في التاريخ، على أنها إجراءات قد تكون مفهومة سياسياً وواقعياً وتاريخياً، في سياق عملية ثورية ضد استبداد تاريخي.

والقراءة الواقعية النقدية التاريخية تقول هذا المعنى، بعيداً عن الأحكام الأيديولوجية والسياسية، التي تطل علينا بأثر رجعي بين حين وآخر في قراءة التاريخ.

ختاماً، أقول: كل الشكر للدكتور فرانسوا بورغا، مدير المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، ولمديرة مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية، نادية ماريا الشيخ، جميل الشكر وعظيم الثناء، على جهدهما الطيب، وعنايتهما واهتمامهما بتبني نشر هذه الوثيقة؛ الفكرية الثقافية السياسية، في صورة هذا الكتاب، الذي أجده إضافة نوعية للمكتبة اليمنية.

الهوامش:

1 ـ محمد محمود الزبيري: (نعمان الصانع الأول لقضية الأحرار)، الاتحاد اليمني، مطبعة الجماهير، 27/6/1961، ص14–23–24–25.

2 ـ عبده عثمان محمد: مقابلة، أجراها الأستاذ عبدالله الرديني، مجلة الكلمة/ صنعاء، العدد (48)، سبتمبر–أكتوبر 1978م، ص22.

3 ـ قادري أحمد حيدر: (ثورة 26 سبتمبر 1962م، بين كتابة التاريخ وتحولات السلطة والثورة) 1962–1970م، ط(1)، يوليو 2004م، مركز الدراسات والبحوث اليمني/ صنعاء، ص25، هامش رقم (36).

4 ـ كتاب مذكرات أحمد محمد نعمان: (سيرة حياته الثقافية والسياسية)، مراجعة وتحرير: د. علي محمد زيد، تقديم: فرانسوا بورغا، نادية ماريا الشيخ، ط(1)، 2003م، مكتبة مدبولي، ص194–195.

5 ـ مذكرات أحمد محمد نعمان: نفس المصدر، ص195.

6 ـ مذكرات أحمد محمد نعمان: نفس المصدر، ص194–195.

7 ـ د. علي محمد زيد: من تقديمه لكتاب: (مذكرات أحمد محمد نعمان)، ص10.

8 ـ جار الله عمر: (كفاح الإنسان في سبيل الديمقراطية)، إصدار منتدى الشهيد جار الله عمر، 2014م، من مقدمة د. عبد العزيز المقالح، ص4.

9 ـ انظر حول ذلك: د. أحمد القصير: (التحديث في اليمن والتداخل بين الدولة والقبيلة)، ط(1)، 2006م، دار العالم الثالث/ القاهرة، ص28–29–31.

10 ـ عبده عثمان محمد: مجلة الكلمة/ صنعاء، العدد (48)، سبتمبر–أكتوبر 1978م، مقابلة أجراها الأستاذ/ عبدالله الرديني، ص13.

11 ـ مذكرات أحمد محمد نعمان: نفس المصدر، ص195.

12 ـ د. حسن مدن: (صحيفة الخليج الإماراتية، بتاريخ 30/3/2024).

13 ـ مذكرات أحمد محمد نعمان: حيث يورد الأستاذ نعمان حديثاً دار بينه وبين الإمام البدر، بعد سنوات طويلة من ثورة سبتمبر وسقوط الإمامة، جاء فيه التالي:

“قلت له في أول لقاء: من أحرز نفسه من عدوه فذاك قتل عدوه، إن عبدالناصر قُتل يوم نجوت أنت. فقد أجهز عليك وركَّز على قتلك وعلى أن ينسف القصر عليك ـ يقصد ليلة 26 سبتمبر، يوم ضرب الثوار قصر البشائر ـ (…)، وظللت ثلاث سنين تقاتله وتجدع أنفه. ماذا تريد بعد هذا؟ فإن بقي شيء فاجعله من أجل اليمن، واجعل اليمنيين يشعرون أنك لم تقاتل من أجل أن تصبح ملكاً أو لتأخذ عرشاً أو لتحكم، إنما من أجل أن تحرر اليمن من عدوك وعدوها”. نفس المصدر، ص195.

14 ـ د. أحمد صالح الصياد: (السلطة والمعارضة في اليمن المعاصر)، ط(1)، 1992م، دار الصداقة، بيروت، ص360.

15 ـ يشير د. أحمد الصياد: “أن د. عبدالرحمن البيضاني صرّح أن الحكومة ليست بحاجة إلى تحديد ملكية الأراضي الزراعية، ولا إلى إصدار قانون إصلاح زراعي. لأن الملاَّكين الكبار ـ حسب قوله ـ كانوا من أعضاء العائلة المالكة أو من الأشخاص المقرَّبين منها، وقد تمت مصادرة أملاكهم بعد الثورة مباشرة”.

أحمد صالح الصياد: نفس المصدر، ص282.

علماً أن البيضاني كان ضد توزيع الفائض من أراضي الدولة الزراعية على الفلاحين، بحكم موقفه الأيديولوجي/ السياسي من قضية الإصلاح الزراعي، والتأميمات في مصر،  وضد أي إجراء مشابه في اليمن، وهو ما تقوله جملة كتاباته الأيديولوجية المتشددة اللاحقة حول هذه القضية/ القضايا.

اقرأ أيضا للكاتب:أحمد محمد نعمان .. بين المقابلة والمذكرات والسيرة (4 ـ 4)

اقرأ أيضا: يوميات البحث عن الحرية مرض التوريث والحق في الثورة!

اقرأ أيضا:الجمهوريات الوراثية: من ثورات الشعوب إلى مؤامرات العائلات (قراءة في مقال القاضي عبد العزيز البغدادي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى