كتابات فكرية

هل انتصرت غزة؟

هل انتصرت غزة؟

  • د. عبد الله خليفة الشايجي

الاثنين20يناير2025_ أثار قبول إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار الجدل بمراحله الثلاث لوقف حرب إبادة إسرائيل على غزة بعد مفاوضات مضنية ووساطة قادتها قطر ومصر وإدارة بايدن ومبعوث ترامب للشرق الأوسط مؤخراً، برغم تعنت وتنصل ومراوغات نتنياهو وزمرته المتطرفة بعرقلة الوساطات بإسناد بايدن وإدارته الداعمة والمهادنة على مدى خمسة عشر شهراً.

لم يمارس بايدن الضغوط المطلوبة على نتنياهو لوقف الحرب، برغم نفوذه على الطرف الإسرائيلي. وهذا ما فاقم الأوضاع وعقّد مساعي الوساطات. إلا أن الطرف القطري بذل جهوداً مضنية، برغم تعرض قطر كما أكد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن «لمزايدات وابتزاز رخيص ضد دور قطر في الوساطة…ولم يقدم منتقدو وساطة قطر شيئاً لوقف القصف على أهل غزة».

الملفت رضوخ نتنياهو لشروط الاتفاق برغم استقالة وزير الأمن الداخلي بن غفير لرفضه الاتفاق ـ ودون أن يحقق المطالب الثلاثة المعلنة التي أعلنها في اليوم الأول من الحرب. الهدف الأول لنتنياهو ووزير حربه هو القضاء على حماس ثم تراجع الهدف للقضاء على قدراتها. فاخر نتنياهو وزمرته بعنجهية وغرور أخرق بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 ـ »لن تكون هناك حماس، سنقضي عليها»! ليتقزم هدفه ويصرّح في 14 يناير 2025 ـ »ننتظر رد حماس وسنعلن عن الصفقة». أما الهدف الثاني من الحرب التي لم تحقق أهدافها، إطلاق سراح الرهائن والهدف الثالث تحييد غزة بأن لا تكون مصدر تهديد مستقبلي لأمن إسرائيل. أما الهدف الحقيقي غير المعلن فكان التطهير العرقي والترحيل الدائم والعودة لبناء المستوطنات… فيما تستمر إسرائيل بقصف المدنيين، وترد المقاومة في غزة حتى الساعات الأخيرة قبل دخول وقف النار حيز التنفيذ.

واضح تفاعل وتداخل عدة عوامل، أبرزها ضغط وتهديد ترامب وإرسال مبعوثه كان له دور حاسم في إجبار نتنياهو على قبول بنود اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى بين حماس وإسرائيل على ثلاث مراحل بدأ تطبيق المرحلة الأولى أمس الأحد قبل يوم من تسلم ترامب الرئاسة.

الملفت رضوخ وقبول نتنياهو بنفس شروط الاتفاق، المقدم من الرئيس بايدن في مايو الماضي، والذي استمر برفضه!! وهذا ما أكده الرئيس بايدن بأن له الفضل بالتوصل للاتفاق. وعندما سُئل عن فضل دور ترامب ـ أجاب «هل هذه مزحة»! وأضاف: إدارة ترامب ستنفذ بنود ومراحل الاتفاق الثلاث بدءا من المرحلة الأولى لمدة 42 يوما.

قبول نتنياهو بشروط الاتفاق بعد رفضها يؤكد أيضا أنه وحكومته من عرقلوا الاتفاق على مدى ثمانية أشهر، كان يمكن إنقاذ أراوح أكثر من 10 آلاف فسلطيني بريء

قبول نتنياهو بشروط الاتفاق بعد رفضها يؤكد أيضا أنه وحكومته من عرقلوا الاتفاق على مدى ثمانية أشهر، كان يمكن إنقاذ أراوح أكثر من 10 آلاف فسلطيني بريء. وسقطت فرية اتهام نتنياهو وزمرته وتبنيها من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية بأن حماس من تتعنت وتعرقل وترفض اتفاق وقف إطلاق النار. بينما الواقع أعلنت حماس عن قبولها!

كما تعنت نتنياهو ورفض تطبيق قرار مجلس الأمن 2735 بوقف إطلاق النار قدمته الولايات المتحدة. وصدر بموافقة 14 دولة وامتناع روسيا، في مايو الماضي، وكانت الولايات المتحدة استخدمت الفيتو 4 مرات رفضا لوقف الحرب والخامسة لمنع منح فلسطين عضوية كاملة. حتى أن الرئيس بايدن طالب بوقف الحرب ولكن دون ضغط حقيقي على نتنياهو!

برغم توقيع الاتفاق في الدوحة ومصادقة المجلس الوزاري المصغر والأغلبية الساحقة من الوزراء في الحكومة على الاتفاق الذي تسبب باستقالة وزير الأمن الوطني بن غفير. وبدأ تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن بين الطرفين صباح أمس الأحد بوقف العلميات الإسرائيلية، وإطلاق سراح حوالي 2000 أسير فلسطيني 290 منهم محكومون بمؤبدات مقابل إفراج حماس عن 33 رهينة. لكن تستمر قوات الاحتلال بالقصف والقتل الممنهج ونسف المباني حتى دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في مرحلته الأولى لمدة 42 يوما.

لكن يبقى التحدي هل ستلتزم إسرائيل ببنود الاتفاق في مراحله الثلاث خاصة وأن وزراء من حزب الليكود أعلنوا رداً على اتهامات بن غفير أن الاتفاق يسمح لإسرائيل بالعودة للحرب! لكن أطراف الوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة هم الضامنون لوقف إطلاق النار وتنفيذ بنود الاتفاق بشكل كامل. خاصة وأن ترامب لا يرغب بحروب خارجية تستنزف وقته وتشغله عن الصراعات داخل أمريكا المنقسمة بين مكوناتها.

حفلت مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية على الفضائيات الإخبارية في عالمنا العربي بنقاش محتدم هو من يدعون: كيف يُسمى ذلك انتصاراً لحماس والقضية الفلسطينية برغم الكلفة والفاتورة الهائلة من الدمار واستشهاد أكثر من 50 ألفا، 70 في المئة منهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 100 ألف آخرين وتدمير 70 في المئة من منازل غزة بشكل كلي أو غير صالح للسكن وتدمير البنى التحتية والخدمات من مستشفيات ومدارس وجامعات ومساجد ومراكز رعاية وغيرها؟! وهذه السردية يتبناها من يروجون للسردية الإسرائيلية ومن يريدون معاقبة حماس وإقصاءها من المشهد السياسي لليوم التالي ومن سيحكم ويدير شؤون غزة!

أما السردية المضادة فتؤكد مهما كان حجم التضحيات والمآسي والخسائر والدمار، لكن المقاومة وأهالي غزة صمدوا وناضلوا أمام وحشية الإبادة الإسرائيلية الممنهجة، وألحقوا بالجيش الذي لا يُقهر أكبر خسائر بالجنود والعتاد في أطول حرب تُجبر إسرائيل على خوضها بتاريخ احتلالها على مدى 470 يوماً ومعه السقوط الأخلاقي!

من المتعارف عليه في الحروب غير المتناظرة، عندما يفشل القوي بتحقيق أهدافه، ويمنع الضعيف انتصار القوي… ينتصر الضعيف ويخسر القوي!

القدس العربي

د. عبد الله خليفة الشايجي _ أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

اقرأ أيضا:أبو عبيدة يوجه التحية لأخوة السلاح والصمود إخوان الصدق في اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى