مقترحات لمعالجة الاختلالات في إجراءات التحكيم
مقترحات لمعالجة الاختلالات في إجراءات التحكيم
بقلم/ عبدالرحمن علي علي الزبيب
“على لجنة التحكيم إيداع أصل الحكم والقرارات التي تصدرها في موضوع النزاع مع اتفاق التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة خلال الثلاثين يوماً التالية لإصدار الحكم ، ويحرر كاتب المحكمة محضراً بهذا الإيداع ويحق لأطراف التحكيم الحصول على نسخ منه”
ما ورد أعلاه هو نص المادة (50) من قانون التحكيم اليمني رقم (22) لسنة 1992م والذي أوضح بجلاء ووضوح تام وجوبية إيداع المحكمين حكم التحكيم ومرفقاته إلى المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوم من تاريخ إصداره ولكن ؟
في الواقع يتم التطويل في إجراءات إيداع حكم التحكيم خلال الفترة القانونية المذكورة وقد يستمر أطراف النزاع في ملاحقة المحكمين أشهر وسنوات لإيداع حكم التحكيم مما يتسبب في التطويل في الإجراءات ويفقد التحكيم أهم مميزاته وهو سرعة الإجراءات وبالرغم من وضوح النص القانوني إلا انه في الواقع نلاحظ عدم الالتزام به وكذلك عدم التزام محاكم الاستئناف بتطبيق ذلك النص فبعض المحاكم لا تقبل إيداع حكم التحكيم إذا كانت الفترة بين الإيداع وبين الصدور أكثر من شهر وبعضها تقبل الإيداع وتحكم ببطلانه لمخالفته للقانون وبعض المحاكم لا تلتفت إلى ذلك ولا تعتبر مخالفة ذلك النص القانوني يبطل حكم التحكيم وتصدر المحكمة المختصة قرارها بتنفيذ حكم التحكيم رغم مخالفتة حكم التحكيم للمادة القانونية المذكورة .
وهذا يستلزم على المحكمة العليا دراسة النص القانوني وإنزال تعميم بعدم قبول إيداع أحكام التحكيم التي يتم إيداعها بعد الفترة القانونية المحددة في قانون التحكيم ( ثلاثين يوم من تاريخ صدوره ) لتوحيد الإجراءات ولضبط المحكمين وإلزامهم بالإيداع خلال الفترة القانونية وعدم التهرب أو المماطلة.
ما أوضحناه سالفا هو نموذج فقط لمعيقات تحقيق العدالة عبر بوابة التحكيم التي يفترض بها أن تكون بوابة سريعة ومستعجلة للوصول الى الحق أكثر سرعة من إجراءات القضاء ولكن في الواقع أن هناك اختلالات جسيمة في التحكيم ولا تتوقف الاختلالات في هذه النقطة حصراً فقط بل هناك نقاط كثيرة ومتعددة أعاقت الوصول للعدالة الناجزة عبر التحكيم وأفرغت التحكيم من جوهره وهدفه في تسريع الوصول إلى الحق بسرعة كون التحكيم قضاء خاص وطريقه خاصة من طرق التقاضي للوصول للحق والذي عرفه قانون التحكيم بأن التحكيم : (اختيار الطرفين برضائهما شخصاً آخر أو أكثر للحكم بينهما ، دون المحكمة المختصة ، فيما يقوم بينهما من خلافات أو نزاعات .)
ولهذا فان التحكيم وسيلة تقاضي خاصة تهدف إلى الاستعجال والسرعة للوصول للحق كون أطراف النزاع من يختاروا المحكمين برضائهم للحكم بينهم وكانت هناك خلال العقود الماضية مراكز تحكيم تجاري وغيرها وتوقفت معظمها أو ضعف دورها رغم أهميتها وأهمية إعادة أحياء مراكز تحكيم نموذجية تلتزم بقانون التحكيم وتسرع في إجراءات الفصل في النزاعات خلال فترة زمنية بسيطة دون تطويل لتشجيع القطاع الخاص والمواطنين لولوج التحكيم للوصول إلى حقوقهم بدلا من أثقال كاهل القضاء بقضاياهم واستعادة ثقة المجتمع في التحكيم كوسيلة إيجابية وسريعة للفصل في النزاعات والحفاظ على تماسك المجتمع بتحكيم وإجراءات نموذجية وواضحة وإيجابية خالية من أي اختلالات.
كون الواقع للأسف الشديد يكشف اختلالات جسيمة أعاقت الهدف من التحكيم وجوهرة كوسيلة سريعة وعاجلة للوصول إلى الحق ومن ضمن المشاكل التي تعيق الوصول الى العدالة عبر التحكيم التالي :
- عدم تزمين التحكيم
بمطالعة قانون التحكيم لم نجد نص قانوني يزمن فترة التحكيم لذلك تستمر بعض النزاعات في إطار التحكيم لسنوات طويلة دون إنهاؤها وإصدار حكم تحكيم فيها رغم وضوح الحق فيها .
ولمعالجة ذلك :
نقترح أن يتم تحديد سقف أعلى للتحكيم يستلزم أن يتم إصدار حكم التحكيم خلاله أو يكون التحكيم باطل إذا تجاوز الفترة الزمنية المحددة ونقترح بأن لا تزيد فترة التحكيم من تاريخ توقيع الأطراف لوثيقة التحكيم حتى صدور حكم التحكيم وإيداعه المحكمة المختصة سنة واحدة فقط بحيث إذا تجاوز المحكمين أو لجنة التحكيم فترة السنة دون إصدار وإيداع حكم التحكيم يكون التحكيم باطل .
- عدم تحديد أجرة المحكمين وأوقات دفعها:
من أهم المشاكل التي تعيق التحكيم وترهق أطراف النزاع هو عدم تحديد أجرة المحكمين ليفرضوا ما يرونه دون ضوابط ودون تحديد فترة تسليم أجرة المحكمين حيث يطلب بعض المحكمين أجرتهم مبالغ كبيرة مقدما وبعد فترة من التحكيم يتم التخلي عن التحكيم دون إعادة أجرة التحكيم .
ولمعالجة ذلك نقترح :
تحديد سقف أعلى لأجرة المحكمين بحيث لا يزيد عن الرسوم القضائية الرسمية وبحسب القضية المنظورة لدى المحكمين فإذا كان نزاع تجاري محدد كم الرسوم وإذا كان شخصي قسمة تركة مثلا فالرسوم فقط ألف ريال وهكذا يستلزم أن يكون السقف الأعلى لأجرة المحكمين بما لا يزيد عن الرسوم القضائية الرسمية حتى لو اتفق الأطراف على مبلغ أعلى فلا يستحقوا إلا أجرة لا تتجاوز الرسوم القضائية ومن حق أي من أطراف النزاع الاعتراض وطلب استعادة ما زاد حتى لو تم دفعه باعتبار التحكيم من وسائل التصالح والصلح بين الناس بإجراءات سريعة موجزة وبتكاليف أقل من الرسوم القضائية الرسمية.
كما يفترض أن لا يتم دفع أي ريال للمحكمين أجرة التحكيم إلا بعد إصدار الحكم وإيداعه حتى لا تضيع أموال الناس بالباطل ويدفعوا أجرة تحكيم مقدما ثم يتعطل التحكيم وأن يكون الدفع على دفعتين :
الدفعة الأولى : نصف أجرة التحكيم يتم دفعها عقب إصدار حكم التحكيم وإيداعه خلال الفترة القانونية ويتم تسليم الأجرة للمحكمة المختصة ليتم دفعها للمحكمين عبرها.
الدفعة الثانية : النصف الأخير من أجرة التحكيم يتم دفعها بعد استكمال تنفيذ حكم التحكيم وتمكين كل طرف من حقه حيث تقوم المحكمة المختصة باستلام اجرة المحكمين من أطراف النزاع ودفعها لهم بعد استكمال التنفيذ بحيث إذا تم إلغاء حكم التحكيم بسبب اختلالات في التحكيم تسقط الدفعة الثانية من أجرة المحكمين.
- 3- تحكيم القضاة
من أهم معيقات التحكيم عندما يكون المحكم قاضيا كون التحكيم هو قضاء خاص وهذا يتعارض مع وظيفة وعمل القاضي كقاضي في محكمة أو جهة وبالرغم من قانون التحكيم قد نص على عدم جوازية تحكيم القضاة إلا أن الواقع أن معظم أحكام التحكيم يكون المحكمين فيها قضاه بالمخالفة للقانون حيث نصت المادة (11) من قانون التحكيم على :
( لا يجوز للقاضي أن يكون محكماً في قضية منظورة أمامه حتى ولو طلب منه الخصوم أنفسهم ذلك ، ولا يحق للقضاة أن يتفقوا على إحالة القضايا إلى بعضهم البعض للتحكيم فيها سواءً بصورة مباشرة أو غير مباشرة)
وبمطالعة نص المادة المذكورة يتضح لنا عدم جوازيه تحكيم القضاة لتناقض وتعارض ذلك مع عملهم القضائي كون التحكيم قضاء خاص ولا يجوز الجمع بين العام والخاص وبإمكان القاضي الذي يرغب في أن يكون محكم أن يقدم استقالته من العمل القضائي الرسمي ويتفرغ للتحكيم والقضاء الخاص كون تحكيم القضاة يشغلهم عن عملهم وعن دراسة ملفات القضايا المنظورة لديهم وغيابهم المتكرر عن جلسات المحاكمة بسبب انشغالهم بقضاياهم الخاصة المحكمين فيها كما أنه عندما يكون القاضي محكم يكون من الصعوبة رفع دعوى بطلان في حكم التحكيم الذي يصدره ويلاقي أطراف النزاع صعوبة في دعوى البطلان المرفوعة على حكم التحكيم الذي أصدره قاضي حتى لو تخلله اختلالات ومخالفات للقانون كون من ينظر حكم التحكيم في المحكمة المختصة زميل للقاضي الذي أصدره كما أن بعض القضاة المحكمين قد يتدخلون بشكل غير مباشر لدى قضاه المحاكم المختصة لتتجاوز عن أي مخالفات تم ارتكابها في حكم التحكيم .
ولمعالجة ذلك نقترح :
إصدار تعميم من مجلس القضاء الأعلى لمنع القضاة من أن يكونوا محكمين في أي قضايا سواء في قضايا منظورة لديهم أو غير منظورة لديهم وحتى غير المنظورة لدى القضاء كون ذلك يتعارض مع عملهم في القضاء الرسمي كون التحكيم قضاء خاص ولا يجوز الجمع بين العام والخاص وعند إيداع حكم التحكيم يتم التأكد بان المحكم أو احد أعضاء لجنة التحكيم ليس قاضي وتشييك ذلك عبر قاعدة بيانات القضاة ويتم رفض إيداع حكم التحكيم إذا كان المحكم أو احد أعضاء لجنة التحكيم قاضي مالم يتقدم بما يفيد استقالته من القضاء قبل تحكيمه.
- تسليم اتفاق التحكيم وجميع محاضر جلسات التحكيم وأصول الوثائق للمحكمة المختصة وتمكين الأطراف من صورة منها فور تسليمها او تحريرها.
من أهم المشاكل في التحكيم أن يقوم المحكمين بإخفاء وثيقة التحكيم ومحاضر جلسات التحكيم وجميع الوثائق المسلمة للمحكمين عن أطراف النزاع مما يتسبب ذلك في تعطيل التحكيم وتغيير المحاضر وضياع الوثائق ودخول أطراف النزاع في نزاع آخر مع المحكمين لاستعادة وثائقهم وتمكينهم من صورة وثيقة التحكيم ومحاضر الجلسات وغيرها .
ولمعالجة ذلك نقترح :
إلزام المحكمين بإيداع وثيقة التحكيم وأصول الوثائق ومحاضر جلسات التحكيم وتقارير الخبراء وأي وثائق أخرى إيداعها للمحكمة المختصة وفتح ملف تحكيم لدى المحكمة المختصة يتم فيها إيداع كافة الوثائق المتعلقة بالنزاع فور تحريرها وتمكين أطراف النزاع من صورة منها أما أصول الوثائق من بصائر وفصول وغيرها من الأصول يمتنع على المحكمين استلامها بل يتم الزام من لديه تلك الوثائق لإيداع أصولها للمحكمة المختصة وإحضار صورة طبق الأصل منها للمحكمين فقط وإذا ادعى احد الأطراف زوريتها يتم إحالة الأصل عبر المحكمة المختصة الى الأدلة الجنائية لفحصها ورفع تقرير بها ويحفظ أصل التقرير بالمحكمة المختصة ويرفق صورة منه للمحكمين وتمكين أطراف النزاع من صوره من الوثائق والتقارير.
- عدم استلام العدال والضمانات للمحكمين وايداعها للمحكمة المختصة
من المشاكل الذي تعتري التحكيم هو استلام المحكمين عدال او ممتلكات وضمانات عينية أو نقدية او سيارات وغيرها للمحكمين ويدخل في بعض الأحيان أطراف النزاع في مشاكل ونزاعات مع المحكمين على تلك المبالغ والممتلكات.
ولمعالجة ذلك نقترح :
منع المحكمين من استلام أي عدالات او ضمانات نقدية أو عينية من أطراف التحكيم ويتم تسليمها للمحكمة المختصة وارفاق صورة لها ووثائق استلام المحكمة لها بملف التحكيم بالمحكمة المختصة وتسليم نسخة منها للمحكمين ولأطراف التحكيم.
- ضعف تأهيل المحكمين
من معيقات التحكيم هو ضعف قدرات ومهارات المحكمين في القيام بدورهم كمحكمين حيث بإمكان أي شخص أن يكون محكم وغير مقصور في فئة محددة إذا توافرت الشروط العادية فيهم ومنها أن لا يكون المحكم طرف في النزاع او من أقارب احد أطراف النزاع والشروط العادية الأخرى فتح التحكيم على مصراعيه للجميع يتسبب في تراكم اختلالات في التحكيم والأحكام الصادرة من أولئك المحكمين .
ولمعالجة ذلك نقترح :
إصدار وزارة العدل دليل المحكمين وتسليمها لأي شخص يتضمن الدليل الشروط والإجراءات القانونية للتحكيم لكي يتحاشى المحكم مخالفتها والحد من إلغاء أحكام التحكيم بسبب مخالفتها لقانون التحكيم ويستلزم ان يكون الدليل بسيط وواضح للجميع لإيصال المعلومات الهامة بسرعة وسهولة ولتفعيل التحكيم كوسيلة سريعة ومستعجلة للوصول الى الحق .
وفي الأخير :
نؤكد على أهمية تفعيل التحكيم باعتباره وسيلة جيدة وسريعة للوصول إلى الحق وللتخفيف من القضايا المنظورة لدى القضاء والحد من النزاعات في المجتمع والذي لن يتحقق ذلك إلا بمعالجة الاختلالات التي تعيق التحكيم والمخالفات القانونية الذي تعطل جوهر وهدف التحكيم من قضاء خاص ومستعجل للوصول السريع للحق الى وسيلة طويلة لضياع الحقوق واقحام أطراف التحكيم في نزاعات مع المحكمين بسبب قصور في قانون التحكيم وقصور في فهم ما تضمنه قانون التحكيم وما طرحناه في هذه الدراسة الموجزة من تشخيص لأهم المشاكل والاختلالات التي تعيق التحكيم ومقترحات الحلول والمعالجات التي تهدف لتفعيل التحكيم والحد من المخالفة والاختلالات وبإجراءات واضحة وصريحة تسرع الفصل في النزاعات بالتحكيم وتحد من أي مخالفات أو اختلالات قد تفتح نزاعات أخرى والذي نأمل أن يتم استيعابها والعمل عل تنفيذها في الواقع حتى لا يتحول التحكيم الى محطة إجراءات طويلة ومطاطة لتطويل التقاضي في النزاعات وتثقل كاهل القضاء العام بمشاكل القضاء الخاص ( التحكيم ).
ونؤكد بان التحكيم طريق للعدالة يعيقها الخلل والتطويل ومقترحات للمعالجة والتفعيل.
عبدالرحمن علي علي الزبيب
اعلامي مستقل ومستشار قانوني
اقرأ أيضا:عبد الرحمن الزبيب يقدم دراسة لتطوير مهنة المحاماة