كتابات فكرية

كربلاء .. ثورة الحسين وامتدادها في الوعي الإسلامي والسياسي المعاصر

كربلاء .. ثورة الحسين وامتدادها في الوعي الإسلامي والسياسي المعاصر

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الأحد6يوليو2025_

حين نذكر الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، فإننا لا نستعيد ذكرى معركة عسكرية تقليدية، بل نُحيي حدثًا إنسانيًا وحضاريًا شكل منعطفًا روحيًا وسياسيًا في تاريخ الإسلام. لقد كانت كربلاء ـ في دلالتها العميقة ـ مواجهة بين منطق القوة وقوة المنطق، بين الحكم الوراثي الجبري والقيادة الراشدة القائمة على القيم. ولم تكن ثورة الحسين حدثًا عابرًا، بل منهجًا إصلاحيًا متجددًا، تُلهم به الشعوب الحرة متى ما أرادت كسر قيود الطغيان.

خلفية الثورة: انهيار الشرعية وتغوّل السلطة

في أعقاب استشهاد الإمام علي عليه السلام وتنازل الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية بن أبي سفيان عن الحكم سنة 41هـ، دخلت الأمة مرحلة خطرة من التحول السياسي القهري الذي رسّخ نموذج الحكم الوراثي، وهو ما رفضه الحسن لكنه قبله اضطرارًا وفق شروط صلح موثقة، أهمها: ألا يورّث معاوية الخلافة من بعده، وألا يُعتدى على أهل البيت (ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص140؛ الطبرسي، إعلام الورى، ص243).

إلا أن معاوية نقض تلك الشروط فورًا بقوله الشهير:

“كل شرط اشترطه الحسن بن علي فهو تحت قدمي هاتين.”

(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج16، ص46)

هذا الانقلاب السياسي بلغ ذروته عندما تم فرض يزيد بن معاوية وليًا للعهد، وهو الذي عُرف بفسقه وجهله، مما شكل تهديدًا مباشرًا لرسالة الإسلام الأخلاقية والتشريعية.

ثورة الحسين: مشروع إصلاحي أم موقف انتحاري؟

خرج الإمام الحسين عليه السلام من مكة يوم 8 ذو الحجة سنة 60هـ، رافضًا بيعة يزيد قائلاً:

“إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.”

(الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص33)

لقد كان يعلم تمامًا أن ميزان القوى العسكري ليس لصالحه، لكنه سعى إلى إعادة توجيه البوصلة الأخلاقية والشرعية للأمة، فاستشهاده لم يكن هزيمة، بل نقطة انبعاث لضمير الأمة.

ولذلك لم يكن الحسين شخصًا، بل كان مشروعًا ووعيًا ورسالةً ممتدة عبر العصور، كما عبرت زينب الكبرى عليها السلام في مجلس يزيد حين قالت:

“ما رأيتُ إلا جميلًا”، في توصيفها لملحمة الاستشهاد.

(ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص124)

البعد الاجتماعي والسياسي لكربلاء

ثورة الإمام الحسين لم تكن فقط ثورة دينية، بل شكلت نواة فكرية للحركات المقاومة في العالم الإسلامي. إذ أعادت تعريف مفاهيم الطاعة والخضوع في ظل الاستبداد، وأسست لفكرة أن “الشرعية لا تُؤخذ بالقهر بل بالحق”، وأن الإمامة والخلافة لا تنفصل عن الأخلاق والدين والعدل.

لقد فضحت الثورة الحسينية النظام الأموي ليس فقط من حيث التسلط، بل أيضًا من حيث التزييف الثقافي للإسلام. إذ سعت الدولة الأموية إلى تصنيع وعي إسلامي مهادن للطغاة، وهو ما رفضه الحسين بدمه، ليعيد للإسلام صورته النقية.

من كربلاء إلى القدس: امتداد المفاهيم

في إسقاطات معاصرة، تتجلى كربلاء في مقاومة الشعب الفلسطيني، وفي مواجهة الاحتلال الصهيوني، حيث يتكرر المشهد: طغيان عالمي، وخذلان رسمي، وبطولة فردية أو شعبية. وكما واجه الحسين “يزيد الأمة”، فإن أحرار فلسطين واليمن ولبنان والعراق وإيران اليوم يواجهون “يزيد العصر” المدجج بالدبابات والدعم الغربي.

إن كربلاء ليست مجرد ذكرى، بل خريطة طريق لمشروع مقاومة لا يموت، كما يتجلى في كلمات القائد الشهيد قاسم سليماني، والسيد حسن نصر الله، والسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حيث أكدوا أن “النهج الحسيني هو عقيدة مقاومة وصمود”.

الدرس الأخلاقي والنهضوي من عاشوراء

1. رفض الاستسلام والوقوف مع الحق مهما كانت العواقب.

2. تقديس كرامة الإنسان فوق السلطة والبيعة القهرية.

3. فهم السياسة كأداة لتحقيق العدالة، لا وسيلة للغلبة.

4. تحرير الدين من سطوة السلاطين.

كما قال الدكتور علي شريعتي:

“الحسين ليس شخصًا مات قبل ألف عام، بل هو كل إنسان يرفض الذل في أي زمان.”

 خاتمة

كربلاء لم تكن النهاية، بل كانت البداية لتاريخ من الثورات المبدئية والنهضات الفكرية، ولهذا خُلِّد اسم الحسين، بينما محيت أسماء قاتليه من ضمير الأمة. لقد قدّم الإمام الحسين نموذجًا خالدًا: أن الدم حين يُسفك من أجل القيم، يبقى حيًا في شرايين الشعوب.

إن استيعاب الدروس السياسية والاجتماعية من كربلاء بات ضرورة حيوية لأمتنا، كي ننهض من جديد على أساس الوعي، لا التكرار؛ وعلى أساس العدل، لا الطاعة العمياء.

 مصادر علمية موثوقة:

1. الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص33–119.

2. ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص140–221.

3. الطبرسي، إعلام الورى، ص243.

4. ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص124.

5. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج16، ص46.

6. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص461.

اقرأ أيضا:في رحاب مقال ” مفهوم الشراكة في العلاقة بين القاضي والمحامي” للقاضي عبد العزيز البغدادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى