صنعاء وعدن بين معادلة الصمود والتبعية: قراءة تحليلية في الواقع اليمني الراهن

صنعاء وعدن بين معادلة الصمود والتبعية: قراءة تحليلية في الواقع اليمني الراهن
بقلم الدكتور: عبد الرحمن المؤلف
الاثنين 18اغسطس 2025_
تتجلى في التجربة اليمنية المعاصرة معادلة تاريخية صعبة؛ معادلةٌ تفصل بين خيار الصمود الوطني وخيار الارتهان للتبعية الخارجية. إنّ الحق ـ كما يظهر في مسيرة الأمم ـ لا يُقاس بالتصريحات ولا الاعترافات الدولية، بل يُقاس بالفعل المقاوم والتضحيات، وبالإرادة التي تتحدى قوى الهيمنة العالمية.
صنعاء.. إدارة الصمود تحت النار
منذ بداية العدوان على اليمن عام 2015، شكلت صنعاء مركز القرار السياسي والعسكري المقاوم، وواجهت أعتى قوى التحالف بقيادة الولايات المتحدة والسعودية، مدعومة بدول غربية وإقليمية. ورغم الحصار الخانق، استطاعت القيادة في صنعاء أن تحافظ على مؤسسات الدولة الأساسية، وأن تدير شؤون المجتمع بموارد محدودة.
تظهر مؤشرات تقارير الأمم المتحدة (UN OCHA, 2024) أنّ المناطق الخاضعة لسلطة صنعاء شهدت مستوى من الاستقرار الأمني والإداري أعلى من المناطق الجنوبية، على الرغم من الكلفة الإنسانية للحرب. كما ربطت دراسات بحثية (Bonn International Center for Conversion, 2023) بين نموذج الإدارة في صنعاء وبين ما يُسمى بـ”قدرة الصمود تحت الضغط”، حيث تتشكل القيادة الوطنية كفاعل مستقل في بيئة عدائية دولية.
عدن.. ورقة في يد القوى الخارجية
في المقابل، تحولت عدن والمناطق الجنوبية إلى ساحة صراع إقليمي ودولي. فالمشهد هناك يتسم بالفوضى وغياب الدولة المركزية، حيث تتوزع السيطرة بين قوات مدعومة إماراتياً وأخرى سعودية، إضافة إلى ميليشيات محلية. ويشير تقرير مجموعة الأزمات الدولية (ICG, 2023) إلى أن عدن تحولت إلى “مسرح نفوذ إقليمي متنازع”، الأمر الذي يعرقل التنمية ويقوض الاستقرار.
كما أنّ غياب المشاريع التنموية الحقيقية في عدن، وارتباط القرارات بمصالح سفارات أجنبية، يكشف بوضوح معضلة “التبعية السياسية” التي حذّر منها علماء السياسة باعتبارها إحدى أبرز أدوات إعادة إنتاج الهيمنة في الدول الهشة (Keohane & Nye, 2020).
معادلة التاريخ: الصمود أم الارتهان؟
تاريخياً، أثبتت التجارب أن المجتمعات التي ترفض نصرة الحق وتتماهى مع المستكبرين تخسر موقعها ومكانتها، بينما تبرز أمم أخرى تحمل مشعل المقاومة. ولعل التجربة الإسلامية الأولى في مكة والمدينة تقدم درساً بليغاً: فمكة ـ برفضها الحق ـ فقدت شرف النصرة، بينما حملت المدينة مشعل الحضارة الإسلامية.
صنعاء اليوم، وفق هذا المنطق التاريخي، تكتب فصلها في معادلة البقاء، فهي تبني مشروعاً سيادياً وطنياً، في حين أن عدن تُدار كـ”ورقة” في أيدي القوى العظمى والإقليمية، دون استقلالية أو مشروع وطني جامع.
خلاصة
الفرق بين صنعاء وعدن ليس جغرافياً فقط، بل هو انعكاس لمعركة الهوية والسيادة:
صنعاء: سيادة، إدارة وطنية، مشروع مقاوم.
عدن: تبعية، فوضى داخلية، صراعات بالوكالة.
ولأن الشرعية لا تُمنح من سفارات أو عواصم خارجية، بل تُنتزع من إرادة الشعوب، فإن المستقبل سيحسمه الوعي الجمعي والقدرة على مواجهة التحديات بالاعتماد على الذات. فالمعادلة التاريخية الصارمة لا تعترف إلا بمن يملك مشروع البقاء.
اقرأ أيضا:تظاهرات في إسبانيا تدعم غزة وتشكر الشعب اليمني
