سبتمبر بين جمهوريتين
سبتمبر بين جمهوريتين
بقلم / لطف لطف قشاشة
مع أني اعتقد أن أحداث 1962/9/26 م ماهي إلا انقلاب فاشل اغرق اليمنيين في صراعات وتدخلات إقليمية ودولية حالت دون أن ينعموا بحكم جمهوري راسخ قائم على مبادئ الديمقراطية والسيادة والاستقلال إلا أنني سأتجاوز قناعاتي الشخصية وأتعاطى مع حركة سياسية وجماهيرية مسيرة تعتبر تلك الأحداث بأنها ثورة بكل معانيها التغييرية، لا انقلاب فاقم في مآسي الأمة وادخلها في مستنقع العمالة والارتهان للإقليم وللقوى الغربية من ورائه ..
وكما هي قناعتي لأحداث 1962 م لدي أيضا قناعات لأحداث 2014/9/21 م التي أطاحت بالخارطة السياسية العتيقة التي ظلت تحكم البلاد لستة عقود والتي أعلنت عنوانها العام ( حرية واستقلال ) كعنوان لأهداف تسعى لتحقيقها حتى تتخلص من موروث ستة عقود من العبودية والارتهان في القرار السيادي للخارج ،إلا من لحظة زمنية تصحيحية فارقة قادها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ما لبثت إن وئدت في مهدها بعد اغتياله ..
ما اعتقده وأؤمن به حول أحداث 2014 م أننا بالفعل وضعنا اللبنة الأولى لليمن أرضا وإنسانا في صرح الحرية والاستقلال كشعار قابل للتحقق والديمومة والانتصار ..
ما قبل 2014/9 م كانت جمهورية 1962/9 م قد وصلت للتلاشي في جوهر شعاراتها البراقة وأصبحت بالفعل منتهية الصلاحية بالمطلق والدليل أنها حكمت على حريتها واستقلالها وجمهوريتها بالفناء عندما قبلت بالدور الكامل الصريح المباشر للسعودية ومن يقف ورائها من الغرب وأمريكا بان تحدد ملامح النظام وإدارته التي لا تسمح بأي هامش للقرار المستقل الداخلي مطلقا والدليل المبادرة الخليجية سيئة المضمون والانقلاب على اتفاقية السلم والشراكة وصولا إلى رفض مخرجات الحوار الوطني ( حوار موفمبيك ) بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الاقتراب لحل يمني توافقي يعالج اغلب قضاياه المزمنة التي دمرت الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي والسياسي للبلد برمته ..
جاءت ثورة الحرية والاستقلال 2014 كضرورة إنقاذية ملحة كان لا بد منها للخروج إلى بر الأمان إلا أن القوى الإقليمية والدولية التي تحكمت في القرار السيادي لليمن منذ عام 1962 وعندما استشعرت صدق القرار والهدف والتوجه نحو الحرية والاستقلال تدخلت وكعادتها لتعيد هيمنتها من جديد بالعدوان المباشر العسكري والسياسي والاقتصادي في إشارة واضحة أننا بالفعل نقف أمام ثورة حرية واستقلال حقيقي خرج من هيمنة تلك الدول ما دفعها لشن عدوانها البربري على اليمن الجديد وثورته الوليدة الصادقة ..
العناوين التي أطلقها تحالف العدوان ومن يقف ورائه كانت تضليلية وتلاشت أمام وعي الجمهور اليمني التواق للحرية والاستقلال حتى بانت الصورة الوقحة لأهداف ذلك العدوان البربري غير السوي والتي أراد من خلال عدوانه إعادة اليمن إلى ما قبل ثورة الحرية والاستقلال كحديقة خلفية لهم يسيطرون من خلال استلاب قرارنا السيادي على مقدرات وحقوق اليمنيين ..
ثورة 2014/9/21 رغم أنها لم تعط لها الفرصة الكافية لإثبات صدق توجهها نحو الحرية والاستقلال إلا أنها استطاعت أن تنجح في ردع وهزيمة المعتدين ونجحت في إثبات أهلية قيادتها الثورية والسياسية في المضي قدما نحو يمن مستقل في قراره وسيادته وان قراره نابع من إرادته الحرة بعيدا عن الاملاءات الخارجية من أي جهة كانت ..
ما يميز ثورة الحرية والاستقلال هذه أنها نابعة من مضامين الهوية الإيمانية اليمنية لذلك ظهرت مواقفها الشجاعة الرافضة للتطبيع مع الغدة السرطانية وانطلقت تحث الخطى وتعلن الموقف تلو الموقف بان القضية الفلسطينية هي من أول أولويات الشعب اليمني رغم جراحات ومآسي العدوان البربري الغاشم وحصاره التجويعي للشعب اليمني وهذه المواقف المعلنة هي تعبير آخر عن صدق توجهها نحو الحرية والاستقلال في القرار كون المحيط الإقليمي والدولي يسير في اتجاه تقوية حضور ومكانة إسرائيل في المنطقة حتى تبقى مصالح الامبريالية الغربية والص هي ونية العالمية مصانة وحينما وجد الغرب هذا الموقف الثابت والمبدئي تجاه قضية المسلمين الأولى علم انه سيفقد الكثير من مصالحه في المنطقة خاصة بعدما توالت خسائره بالهزائم التي منيت بها أمريكا والغرب في أفغانستان والعراق وسوريا وبعدما تعاظم دور ووجود محور الممانعة وامتلك القرار والقدرة في إلحاق تلك الهزائم بهم ..
اليوم يجب أن نقف بإجلال وإكبار أمام هذه الثورة المجيدة التي نقلتنا كشعب يمني كان بلا هدف ولا قرار إلى شعب يمتلك القرار ويصنع المعجزات والتحولات الداخلية والمحيطة رغم أن سنوات ثورته قليلة وواجهت وتواجه هذا العدوان الكوني إلا إن ثبات مواقفها وإصرارها على المضي في تحقيق أهدافها مهما كانت التحديات ومهما كانت التضحيات ليدلل على أننا نمضي بخطئ ثابتة وقوية لنكون رقما صعبا في المعادلة الإقليمية والدولية ..
المطلوب التفافا واسعا ودعما غير محدود اليوم للقيادة الثورية والسياسية من قبل الشعب اليمني حتى وهو يعاني من ويلات الحرب والحصار لان نهاية المعركة الحاسمة قد اقتربت ونتائجها ستصب في صالح اليمنيين بلا محالة فالنصر صبر ساعة والقادم مبشر بالخير وما مضى لن يعود وسيتحقق بالفعل ( لن ترى الدنيا على ارضي وصيا ) وسيعلم الشعب اليمني أن 21 سبتمبر جمهورية واقعية وان 26 سبتمبر ما كانت إلا وهما عاش اليمنيون ستة عقود وهم يظنون أنهم ينعمون في كنف جمهورية ومن قرح يقرح واتضح اليوم أن الوهم اندحر والنور انتشر ..
ولن نقول ( جمهورية ومن قرح يقرح ) ولكن نقول ( جمهورية والجميع يفرح ) ..
والله من وراء القصد