كتابات فكرية

الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب عن جريمة تهجير العقول

 الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب عن جريمة تهجير العقول

يوميات البحث عن الحرية – جريمة تهجير العقول ومعيار انتصار العلم والأخلاق!

  • عبد العزيز البغدادي

الثلاثاء26 أغسطس 2025_

    إهداء إلى الاستاذ القدير زيد بن علي الوزير     

مثلما يتحقق توفر الركن المادي لأي جريمة بوجود فعل او امتناع ادى لارتكاب الجريمة، كذلك تكون جريمة تهجير العقول من وطنها من خلال ممارسات النظام وافعاله إما بصورة مباشرة وصريحة بعدم اتاحة الفرصة لكل من تتناسب قدراته وكفاءته بحرمان الوطن من توليه موقع ما جدير بتوليه في السلطة العامة بكل تفرعاتها.

  او بصورة سلبية من خلال الامتناع عن تمكين ذوي الكفاءات من العمل وحرمانهم من الوصول الى المواقع التي يستحقونها.

وفي العمل الخاص عدم تمكين القادرين ماديا وعلميا من تأسيس مؤسساتهم الخاصة سواء في مجال الإنتاج المادي أو العلمي أو المعرفي وتفصيل هذه المجالات واسع ومؤثر في خدمة التنمية والتقدم والازدهار.

و إني أكاد المح من قريب أو بعيد  يومؤ الي في استغراب قائلا : مهلا الا ترى ما يعانيه الشعب ممن يحكمه أولا ومن يعتدي عليه بكل أريحية ثانيا وبصورة جعلت ما تتحدث عنه بالنسبة لوضعه نوع من الترف !.

والإجابة على هذا الأخ ومن يرى رأيه:

ومتى كان العلم والمعرفة وكل ماله صلة بالعلم والتنمية ترفاً؟!.

كلما يعانيه الشعب إنما هو نتاج العداء الواضح والازلي بين الحاكم المستبد وبين العلم والعقل الذي يفترض توظيفه في خدمة الشعب واكتشاف طاقاته لاستثمارها في مصلحته.

إن عدم استيعاب ذوي القدرات والكفاءات داخل الوطن أو خارجه ليس حرمان لهم بقدر ما هو حرمان للوطن من قدراتهم وكفاءتهم، فالإنسان الموهوب والمؤهل أغلى ما تملكه الأوطان.

ولهذا تسعى الدول في حال تعرضها لأي تحدٍ أو عدوان من قبل دولة أخرى إلى وضع مخترعيها ومهندسيها وطياريها وكفاءتها النادرة في كل المجالات ومختلف التخصصات في إطار رعاية وتحت حماية خاصة أكثر من أي ثروة أخرى وتبعدهم عن أي خطر.

هذا يحدث في الدول التي وصلت إلى درجة من الرقي العلمي والمعرفي والاخلاقي والسياسي.

أما في البلدان التي تحكمها وتتحكم بها أنظمة استبدادية فإن أصحاب الكفاءات هم اول الضحايا في أي أزمة وفي حال التعرض لأي اعتداء.

ببساطة لأنه لا وئام بين المستبدين وبين العلماء، أقصد هنا علماء الهندسة والفيزياء والكيمياء والطب والفلسفة وغيرها من العلوم المفيدة وليس المضمضة والاستنشاق وأحكام النكاح والطلاق وعدة المطلقة.

وبعض المستبدين في حالة عداء مع كل صاحب علم وكفاءة ومعرفة خاصة إذا تبين أن لدى أي منهم حكمة وشجاعة في التعبير عن رأي ناقد يخالف توجهات النظام ولا يصمت عن تصرفات الحاكم المستبد المضرة بالمجتمع بل وبالحاكم نفسه لوكان يعقل!.

وبعضهم يتصرف تصرفات غير مسؤولة تؤدي الى نتائج تضر بالوطن وتعرض أمنه وحياة أبنائه للخطر ولا يستمع لمن يعبر عن رأيه حول هذه التصرفات بل ويتهم من يعترض بالخيانة والعمالة.

لا يدرك المستبد المعنى الحقيقي لمقولة: أن الحكمة ضالة المؤمن أو كيف يبحث عنها لدى من يمتلكها أيا كان توجهه ومستوى إيمانه!.

المؤمن الحقيقي هو من يقدر قيمة العلم ويسعى لمعرفة الحقيقة ويبحث عن الحكمة أنا وجدها يلتقطها.

ويعرف تماما قيمة الحكمة ودور الحاكم ومسؤوليته في البحث عنها والتقاطها.

وأن الحاكم ملزم في أداء الوظيفة العامة بالبحث عن الحكمة التي تجنب وطنه وشعبه الويلات وكيف يواجهها بعد اعداد عدة المواجهة.

أما في القضايا الخاصة فإن بحث الشخص العادي عن الحكمة مرتبط بتقدير مصلحته الخاصة وما يعود عليه بالخير أو يدرأً الشر الذي قد يصيبه هو ومن يهمه امره بصورة خاصة.

في العالم الكثير من النماذج الإنسانية التي تستحق الدراسة بعناية لمن يبحث عن الحكمة والعبرة.

من أبرز هذه النماذج النموذج الياباني:

بعد ان أدركت النخبة اليابانية الحاكمة عام 1868 بان بقاء حال اليابان على ما هي عليه يشكل خطرا يتمثل في الخضوع او القبول بالاستعمار وان المقاومة الحقيقية تتمثل في اتباع طريق العلم- التكنولوجيا – التنظيم فأرسلت بعثات طلابية الى كل من امريكا واوروبا بهدف نقل – التكنولوجيا- المعرفة- نظم الحكم الحديثة الى اليابان ومن هذه البعثات:

1- بعثه اواكورا (iwakura mission) 1871- 1873

ضمه حوالي 50 مسؤولا حكوميا- وطلابا بقياده النبيل الياباني ايوا كورا تومومي.

2- بعثات طلابيه مستقله او من طبقه الساموراي ارسل البعض الى هولندا وانجلترا لدراسة الطب- الهندسة- القانون -الاقتصاد-  الفنون العسكرية.

عاد الطلاب بعد تخرجهم ليصبحوا مهندسي النهضة اليابانية المشهودة اليوم ويؤسسوا نظام التعليم الحديث

مصانع – ومعاهد تقنية،

واستوردوا نماذج من اسس بناء الجيوش الغربية

نظم القانون- الإدارة

هذا ما ساعد اليابان خلال عقود قليلة الى ان تتحول الى قو عظمى متقدمة تقنيا هزمت روسيا في حرب 1905 وانتصرت على امريكا التي لجأت الى ارتكاب جريمتها المروعة في مدينتي هيروشيما ونكازاكي التي ستظل عار في تاريخها المليئ بالجرائم المستمرة حتى اليوم وآخرها دعمها للكيان الصهيوني فيما يقوم به من حرب إبادة في غزة.

اليابان لم تكن ماهي عليه اليوم الا بالعلم وبهزيمتها الاخلاقية لأمريكا بعد أن هزمتها عسكريا وكان بمقدورها ان تواصل القتال ولكنها غلَّبت الحكمة على العنتريات التي لا تجني من ورائها سوى المزيد من الضحايا!.

وبذلك حقق اليابانيون مقولتهم الشهيرة: نأخذ العلم من الغرب ونحتفظ بروح الشرق.

الجدار استطال

والفجر أجل موعده

وهذا دم البحر

صار رمادا

امواجه حجبتها قلوب الجناة

الطغاة

غادرت روح عالمنا المستباح

اقرأ أيضا:الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب لصوت الشورى عن مرض التوريث والحق في الثورة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى