الأستاذ البغدادي يكتب عن العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي

الأستاذ البغدادي يكتب عن العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي
يوميات البحث عن الحرية .. في العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي
(8) – كفالة حق المتهم في توكيل محام.
عبد العزيز البغدادي
الاثنين 17 نوفمبر 2025-
من المبادئ الاساسية التي تقع في المرتبة الاولى بين المبادئ التي تنظم العلاقة الجدلية بين القاضي والمحامي: حق المتهم في الدفاع عن نفسه،
هذا الحق الاصيل نص عليه الدستور اليمني بصورة مباشرة واضحة في المواد 40 الى 51 من الدستور وبصورة غير مباشرة في جميع مواد الباب الثاني من الدستور ايضاً.
وتمحورت النصوص ذات العلاقة بالحريات في الدستور اليمني المعمول به، وفي قانون الاجراءات الجزائية على حق المتهم في ان يكون له محام منذ لحظة القبض عليه.
وحقه في الامتناع عن الكلام في القضية حال القبض عليه الا بوجود محاميه، بل وشددت على هذا الحق في جميع مراحل السير في اجراءات تحريك القضية الجنائية.
ومعنى النص على حق المتهم في ان يوكل محاميا التأكيد الدستوري والقانوني على ضمان حقه في الدفاع عن نفسه وفق الاصول القانونية التي يتقنها المحامي الذي اعطاه الدستور والقانون المكانة اللائقة بمن يمارس هذه (المهنة الكريمة عند من يكرمها، وقد أصبحت في العالم المتقدم ذات مكانة عالية بالفعل وليس بالكلام والخطابة).
مكانتها موصوفة وسط منظومة الدفاع القانوني والاجتماعي في اي مجتمع ديمقراطي حر!
من منطلق كون الحرية والعدالة داخل اي مجتمع داخل هذه المجتمعات تعكس مستوى حرص السلطات المختصة على اداء وظيفة العدالة بشفافية انطلاقا من كون العمل العام كل العمل العام لابد ان يدار بروح الشراكة المجتمعية التي تميز الدولة المحترمة عن غيرها!
ولهذا الحرص أثره الواضح في بث روح الاطمئنان لدى كل مواطن وكل اسرة في المجتمع.
لان مباغتة المواطنين في منازلهم او اماكن عملهم او تواجدهم واحتجازهم لأدنى شبهة أو سبب والتكتم على اماكن تواجدهم وحتى دون تحديد التهم الموجهة إليهم بحجة الحفاظ على امن الدولة، وأحيانا للبحث عن كيفية تلفيق التهم لهم، ومثل هذه الاساليب ليست سوى أقبح صور التعدي على الدولة؛
ومما يؤدي الى إثارة البلبلة في اوساط المجتمع وبث الخوف بين افراده وهو ما يخالف مهام الدول وواجباتها جملة وتفصيلا!
إن اللجوء الى العدالة يجب ان يبقى كما هو في كل القوانين والشرائع – حق لكل مواطن فهو من يملك هذا الحق ويملك بالتالي حق التنازل عنه في اي مرحلة تكون عليها الدعوى وسواء كان ذلك في القضايا الجنائية او غيرها،
ومن ذلك: الحق في تحريك القضايا التي قيد القانون تحريكها بوجوب تقديم شكوى أو بلاغ في القضايا الجنائية اما القضايا المدنية فيرتبط تحريكها دائما بوجود الدعوى التي يلزم القاضي بالتقيد بما تضمنته بحيث يبطل الحكم إن تجاوزها.
ومحور المسالة تغليب الحق الخاص على العام، فإن تغلب الحق العام على الخاص في القضايا ذات الخطر العام لا حاجة الى شكوى او حتى بلاغ في المسائل الجنائية والبلاغ إنما هو على سبيل علم النيابة لتقوم بواجبها بالتحرك ولهذا فعدم وجود البلاغ في القضايا ذات الخطر العام لا يقيد النيابة عن التحرك في مواجهتها لان صفتها ثابتة بتمثيلها للحق العام دائما.
ومعيار التفريق في هذه المسائل معيار قانوني يرتبط بمدى عمومية الاثر على المجتمع، أو خصوصية ما الحقته الجريمة بالفرد من اصابة او ضرر مادي او معنوي تتطلب منه تقديم شكوى ودعوى بالحق الخاص والمدني.
واوجبت النصوص الدستورية والقانونية على رجال الضبط القضائي عند القبض على اي متهم تنبيهه بحقه في التمسك بالامتناع عن الادلاء باي اقوال في غياب محاميه كي لا تحسب عليه أقواله.
وعلى سبيل المثال نصت المادة 47 من الدستور على: (المسؤولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على نص (شرعي) او قانوني وكل متهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم قضائي بات ولا يجوز سن قانون يعاقب على اي افعال بأثر رجعي لصدوره).
ورغم ان هدف من ادخل كلمة شرعي التي وضعتها بين قوسين في نص المادة آنفة الذكر هدفه ارباك العدالة عند البحث عن النص الشرعي في كومة الخلافات الفقهية والمذهبية التي تغمر تراثنا الفقهي، الا ان الاصل هو النص القانوني لأنه لا يخالف الشرع اصلا كون القانون قد نوقش من قبل لجنة تقنين احكام الشريعة الاسلامية ولم يكن هناك ثمة داع لإيجاد مثل هذه الثغرات في الدستور!
اما المادة (48) من الدستور اليمني النافذ على ما يلي:
(أ)- تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وامنهم ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محكمة مختصة.
(ب)- لا يجوز القبض على اي شخص او تفتيشه او حجزه الا في حالة التلبس او بأمر توجبه ضرورة التحقيق وصيانة الامن يصدره القاضي او النيابة العامة وفقا لأحكام القانون.
كما لا يجوز مراقبة اي شخص او التحري عنه الا وفقا للقانون وكل انسان تقيد حريته باي قيد يجب ان تصان كرامته ويحضر التعذيب جسديا او نفسيا او معنويا ويحضر القسر على الاعتراف اثناء التحقيقات وللإنسان الذي تقيد حريته الحق في الامتناع عن الادلاء بأية اقوال الا بحضور محاميه ويُحضر حبس او حجز اي انسان في غير الاماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون، ويحرم التعذيب والمعاملة غير الانسانية عند القبض او اثناء فترة الاحتجاز او السجن.
(ج)- كل من يقبض عليه بصفة مؤقتة او بسبب الاشتباه في ارتكابه جريمة يجب ان يقدم الى القضاء خلال 24 ساعة من تاريخ القبض عليه على الاكثر، وعلى القاضي او النيابة العامة تبليغه بأسباب القبض واستجوابه وتمكينه من ابداء دفاعه واعتراضاته ويجب على الفور اصدار امر مسبب باستمرار القبض او الافراج عنه وفي كل الاحوال لا يجوز للنيابة العامة الاستمرار في الحجز لأكثر من سبعة ايام الا بأمر قضائي ويحدد القانون المدة القصوى للحبس الاحتياطي.
(د)- عند القبض على اي شخص لأي سبب يجب ان يخطر فورا من يختاره المقبوض عليه كما يجب ذلك عند صدور كل امر قضائي باستمرار الحجز فاذا تعذر على المقبوض عليه الاختيار وجب ابلاغ اقاربه او من يهمه الامر.
(ه)- يحدد القانون عقاب من يخالف احكام أي فقرة من فقرات هذه المادة كما يحدد التعويض المناسب عن الاضرار التي قد تلحق بالشخص من جراء المخالفة ويعتبر التعذيب الجسدي او النفسي عند القبض او الاحتجاز او السجن جريمة لا تسقط بالتقادم، ويعاقب عليها كل من يمارسها او يأمر بها او يشارك فيها.
ومن الاثار التي تترتب على مخالفة الدستور والقانون ان للنيابة صلاحيات ابطال اي اجراءات مخالفة للقانون يقوم بها رجال الضبط بكل تخصصاتهم سواء كانوا رجال امن عام او أمن سري (مخابرات) لان عضو النيابة يوجه الاتهام الى المتهم باسمه كوكيل للنائب العام، والقاضي يصدر الحكم باسمه ويتحمل مسؤوليته، وهذا التسلسل يعبر عن التكامل بين عمل جميع الهيئات ذات العلاقة بالعدالة وليس التنافر او الاستعلاء، والاستهداف والحَكَم دائما هو القانون والدستور!
ويجب على القاضي بالنتيجة العامة ان يطبق القانون في الحكم ببطلان اي اجراء او تصرف مخالف للقانون لان محور تطبيق العدالة دائما هو احترام مبدا سيادة القانون.
إن العلاقة بين القاضي وجميع الهيئات القضائية ومأموري الضبط القضائي وبين المحامي تحتاج الى مراجعة على ضوء الاحترام الكامل لمبدأ سيادة القانون.
وقد اصبحت هذه المراجعة ضرورة ملحة خاصة في ظل الانتهاكات التي تقوم بها بعض اجهزة الامن التي تتعامل مع القانون ومع القضاء وتوجيهاته القانونية بقدر غير مقبول من الاستهتار الذي لا ينم الا عن عدم احترام للعدالة.
والتعلل بالحرب والعدوان والظروف الاستثنائية غير مقبول، لأن للظروف الاستثنائية مدى زمني وموضوعي ولها قواعد لا تبيح استباحة الحريات، لأن الحرية أغلى ما يملكه الإنسان ووظيفة سلطات الدولة المسؤولة حمايتها وليس انتهاكها.
واي سلطة لا تحترم العدالة والحرية لا يمكن ان يكون لها صلة بالحلم ببناء الدولة لأن الدولة لا تعني الهنجمة ولا العنف بل تعني الحرص على حرية المواطن وكرامته وصون سيادة الوطن وأمنه واستقراره بالاستعانة بالمواطن وليس باستباحة حريته.
بل ان ذلك يشكل كارثة اخلاقية قد تؤدي الى تفجير غير محسوب العواقب للأوضاع وتفكيك للمنظومة المجتمعية الى جماعات مفترسة تستخدم قانون القوة بدلا عن قوة القانون.
وقانون القوة هو سبب رئيس لتشضي الدول مهما كانت قوتها، اما قوة القانون فهو المنطلق لبناء الدول العظمى، وعظمة الدول لا تقاس بما تمارسه على بقية الدول من بلطجة واستهتار بالحقوق وتدمير وخراب وحروب.
ويستوي المستهترون بالقانون بين من يفعل ذلك لأنه وصل الى مرحلة الغرور وبانه هو القانون وهو الدستور من منطلق فردي استبدادي شخصي او باسم اي منطق.
وبين من يدعي امتلاك الحق الالهي في السلطة، فهذا المدعي يتجرأ على الله وذاك يتجرأ على الناس وعلى العدالة والحرية كقيمة انسانية جعلت الحكماء يذهبون الى القول:
حاكم عادل كافر او يدعي الكفر خير من حاكم ظالم مؤمن او يدعي الايمان قيل ولم؟
وكان الجواب ببساطة: لان الحاكم العادل عدله للناس كافة وكفره له او عليه وحده، اما المؤمن الظالم او من يدعي الايمان فان ظلمه يعم الناس وإيمانه أو دعوى إيمانه يخصه وحده والله المستعان!
في الطريق إلى وطن
تصان الحقوق به
تغيب المسافة في ساحة
بين قلب يوزع حب الحياة
وعقل يذيب الصخور.
اقرأ أيضا للكاتب :الأستاذ البغدادي يكتب عن خطورة الانقسام على مستقبل اليمن

