أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (19)


أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (19)
سلبيات الحركة الإسلامية المعاصرة
بقلم : عزيز بن طارش سعدان
{قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ}
(سورة آل عمران – آية ١٦٥)
نستطيع تلخيص هذه السلبيات بإيجاز وتركيز فيما يلي:
إن عدم القيام بدراسة عميقة ومستوفاة لأسلوب العمل الإسلامي في المجتمع المكي قد هيأ المناخ المواتي لوقوع أخطاء وسلبيات في أسلوب العمل الإسلامي المعاصر. ففي المجتمع المكي تم بناء الإنسان المسلم القوي الخالص لله، الواعي لما يريد غاية ومحيطاً ووسائل ونهجاً، العارف بأعداء عقيدته، المنضبط في الصف كالبنيان المرصوص، لا يترك ثغرة ينفذ منها عدو، كـ«بلال» أحد أحد، وهو يرفع أصبعه في شموخ وكأنما كان يرفع المستضعفين في الأرض نحو الأعالي، ويومئ – بإيمان مبصر – حركته هذه إلى تحرير الإنسان من عبودية المخاليق أياً كانت.والمسلم الذي سمت في مناخه الفكري روح (سمية قائدة موكب الشهداء يوم القيامة، وزوجها «ياسر» إلى الرفيق الأعلى، غير عابئين بألوان التعذيب الفاجر، وهما يعلنان للدنيا حتى الأبد: أن النصر هو لفكرة الإيمان الربانية التي لا تقهر ويعلنان تجدد الحياة الحقة وبعثها على الأرض.. وكان موعد البطولة الإيمانية هذه، هو الجنة على حد تعبير الرسول الكريم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة». وتلك هي اللبنات التي بني منها الصرح الإنساني الجديد، حيث تكافل المجتمع الإسلامي داخل ذلك البناء الذي لا عوج فيه ولا نشاز.. وحيث تآزر وتعاون وتضامن حقاً وصدقاً، وقولاً وفعلاً، كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. وقد مثل الفرد المسلم في هذا المجتمع أعلى درجات الانضباط والصبر والتلقي عن الله وإمامة رسوله الأمين يربيهم بمنهجه وبقيادته.
(*) هذا البحث من «محاضرة ألقيناها على مؤتمر ضم نخبة من العاملين للإسلام التقوا في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، تحت عنوان:«نظرة على الحركة الإسلامية)، وقد سجلناه هنا بتصرف.(انتهى)ومن الإنصاف والتوازن أن نشير إلى بعض العيوب والسلبيات في هذه الصحوة. ولكن الصحوة عموما فيها الخير الكثير، والعيوب التي فيها ليست في جملتها، بل في طوائف ممن ينسبون للصحوة؛ لكن نظراً لأن هذه المظاهر وهذه العيوب قد تؤثر تأثيراً سلبياً في مسيرة الصحوة ،وهذا لا يعني أن الصحوة فيها عيوب كلي وإنما العيوب توجد داخل الصحوة ذاتها أو في طوائف أو جماعات أو أفراد ممن يوجدون داخل هذه الصحوة وهنالك العديد من البلدان الذي انظموا تحت لواء الصحوة الإسلامية ولقلة معرفتهم بالنهج الإسلامي الصحيح وهي قلة التجربة، وإن كثرت فيها العواطف وقامت على الفكر والثقافة، لكنها لم تقم على العقيدة السليمة ولم تقم على الرأي الراشد. وفي بلاد العالم الثالث، ينهضون، وإن لم ينهضوا يقاومون، وتنتفض قلوبهم بروح الثورة والسخط على الأوضاع، ويتملكهم الأمل في مستقبل يتغيَّر فيه مجتمعهم وإنسانهم إلى الأفضل إلَّا العالم الإسلامي، فكل شيء فيه هامد خامد، وكل شيء فيه مُبعثَر ومنقسم، وكل روح فيه منطفئة مكدودة، أمَّا الأمل، قُصارى الأمل، ففي أن يدوم الحال، ولا يطرأ «مكروه» يقلب الأوضاع ويعكر الهادئ ويُغيِّر المستقر. وفي الحقيقة فنحن ندعي الإسلام ولا نعمل به، ونقرأ القرآن ولا نطبق أحكامه، ونزعم حب الرسول -صلى الله عليه وسلم -ولا نتبع سنته، ونسجل في دساتيرنا أن دين الدولة هـو الإسلام، ولكننا لا نعطيه حقه في الحكم والتشريع والتوجيه. لقد ضاق الشباب ذرعا بنفاقنا وتناقضنا، فمضى وحده في الطريق إلى الإسلام دون عون منا، فقد وجد الآباء له مثبطين، والعلماء عنه مشغولين، والحكام له مناوئين، والموجهين به ساخرين ولكننا اليوم ملزمين بأن نبني ونعد إعدادا للجماعة الصالحة لتكون بمنزلة القاعدة الطليعية للدعوة، وإن مرحلة البداية والانطلاق في تاريخ الدعوة تُعد من أهم المراحل الأساسية التي تواجهها الدعوات، ولا بد من التخطيط لها بما يتناسب مع الأهداف والظروف المحيطة بها. فإذا أُخذ بنظر الاعتبار المهمة والمسؤولية المتعلقة بالجانب التغييري بأبعاده الفكرية والاجتماعية في مجتمع جاهلي يؤمن بأرباب متفرقة، وعلاقاته قائمة على أساس الاستعباد والرق، وسيادة (الملأ) الذين ارتبطت مصالحهم واستمرار سلطانهم بعبادة الأوثان وتقديسها.ولا شك أن الدعوة الإسلامية مرت بمرحلة ما سُمي بالعهد المكي، وكان الأمر الموجه للمسلمين في ذلك العهد هو الفعل من (الطاعات) مع الصبر والكف عن القتال. إنها من أعظم الأيام على الفئة المسلمة تلك التي واجهت قريشا، ومنهم من هاجر ومنهم من بقي، ولكن تحت دائرة العذاب دون أن يرحمهم أحد من البشر. ولا تزال تلك الكلمات من ذلك الرجل الضعيف في جسده والقوي في إيمانه وهو تحت التعذيب: “أحد أحد”، وظلت هذه الكلمات تصعد إلى السماء وبقيت صامدة حتى يومنا هذا، يحفظها كل مسلم. إنها كلمات من رجل صادق في إيمانه وصادق في إتباعه الحق، وإن الأبطال كانوا صامدين. وعلى المسلمين أن يتعلموا من العهد المكي دروسه ومواقفه، فإن بعض صور هذا العهد تتكرر بين زمان وآخر، ومكان وآخر ومن حكمة الله تعالى أن مرت الدعوة الإسلامية بمراحل عدة لكي يجد فيها المسلمون على اختلاف أحوالهم قدوة حسنة. وصدق الله القائل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. إن الإيمان الصادق هو النجاة لكل مسلم، ولو كان الإيمان الصادق برب السماوات والأرض لكانت الدعوة إلى الإسلام باقية في مكة، ولكن الدعوة عالمية، مؤسسوها فئة قليلة في مكة. إن الاتجاه الصادق لتلك الفئة هو إيمانهم بدخولهم الجنة التي وعد الله بها كل من صدق في دعوته وفي إيمانه الصادق.وكان الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهو يمر على تعذيب أتباعه يشجعهم بقوله: “صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة”. واتجهت روح سمية إلى خالقها أمام جبابرة قريش، ولكنها ظلت مجاهدة إلى آخر حياتها، وعلمتنا الصبر في الفكر المعاصر الذي نحن نكتب فيه، وهو خط طويل إلى عالمية الدعوة الإسلامية. إنها دعوة إلى الخير للبشرية لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.تفسير القرطبي: معنى الآية قوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – رحمة لجميع الناس، فمن آمن واتبعه نجا، ومن خالف نهجه كان في نار جهنم. ورسالته رحمة لجميع العالمين، إن كان في اتباعه مؤمنهم وكافرهم. فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة. وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله.إن مفكرنا الكريم كان من دعاة الإسلام في العلن، ويكتب عن الإسلام ومنهجيته، وكان يسعى لتوضيح كل الخطوات المنشودة والوقائع التي تواجه المسلمين المعاصرين، وداعمًا للصحوة الإسلامية. يبتع في حلقة جديدة.
اقرأ أيضا:أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (18)
