دار الحجر.. أريحية البال وقيافة المكان
دار الحجر.. أريحية البال وقيافة المكان
بقلم الأستاذ/ محمد بن محمد عبدالله العرشي
دار الحجر هي دارٌ جميلةٌ ومشهورة، أقيمت على تلة من صخور الجرانيت في وادي ظهر من مديرية همدان في شـمال غرب العاصمة (صنعاء)، وسُميت بدار الحجر نسبةً إلى الصخرة (الحجرة) التي بنيت عليها، بناها في أواخر (القرن الثامن عشر الميلادي) العالم والشاعر “علي بن صالح العماري” (1149-1213 هجرية/ 1736-1798ميلادية)، فقد كان عالماً وأديباً وبليغاً شاعراً، واسع المعرفة، متعدد المواهب، برع في علوم الأدب وشارك في التفسير والحديث، وقد كان متفرداً بعلم الهندسة والفلك، وكتب الخط الفائق، استوزره “المهدي عباس”، ثم عمل مع ابنه “المنصور علي” الذي حكم في الفترة (1189-1224هجرية/ 1775-1809ميلادية)، وقد أوكل إليه مهمة الولاية في ريـمة والمخا ومناطق أخرى… وقد اشتهر بالهندسة المعمارية في كونه قد صمم للإمام “المنصور” ولغيره كثيراً من البيوت والدور، وبعدها أصبح مسؤولاً عن عمارات “المنصور”، وأهم المباني التي اشتهر بتصميمها، هي دار الحجر في وادي ظهر، والتي بقيت شامخة على مر العصور، وشهدت إضافات أهمها المفرج الحالي الذي أضافه الإمام “يحيى بن محمد بن حميد الدين”، وتستخدم حالياً كَمَعلَم سياحي، حيث فتحت أبوابها للزوار الذين يرغبون في مشاهدة هندستها المعمارية من الداخل.. مع العلم بأن هناك العديد من المراجع التاريخية التي تقول بأن دار الحجر يعود إلى العصور الحميرية وبالذات الطوابق السفلية منه.
وها هو رسمٌ لدار الحجر بريشة الفنان التشكيلي الكبير/ عادل الماوري الذي سجل الكثير من اللقطات الثقافية والتراثية بريشته الذهبية، والذي حاز على عدة جوائز تكريـمية.. وقد أهداني الشاعر الأستاذ/ حسن الشرفي قصيدةً عنوانها بـ(دَارُ الحَجَرْ) تقديراً لأخذي له لزيارة هذا الدار، يقول فيها:-
أيُّ فنٍّ هُنا بعيد الزمانِ
هُو فردُ النجوى ونحنُ اثنانِ
قال لي صاحبي تأمَّل، وَسَمْعِيْ
خارج السمع في يد اللاَّمكانِ
كنت في دهشتي أفتش عني
في مذاق الْبِنَا وذوق البانيْ
مَن يراني بين الزحام صُعوداً
وهُبوطاً؟ حتَّى أنا لا أراني
في عُيوني ما لم يَعُدْ في عُيوني
كُلُّ شيءٍ بدا جديد المعاني
كان “قصرُ الحمراءِ” بالأمس أحلى
ما بنفسـي، وها هو اليوم ثاني
جاء من قال لي أن الشـيء، عندي
كُلَّ شيءٍ في الأرض والإنسانِ
أين “بهو الأُسُود” من صخرةٍ ما
هي من مَرْمَرٍ ولا مَرْجَانِ
الحياةُ العذراء فيها وجودٌ
أزليٌّ في نحتِهَا الفتَّانِ
آهِ منِّي، تمكَّن العجزُ منِّي
قبل لُقيا صرحِ الخُلود اليماني
السنينُ الطِّوالُ مرَّت ونفسـي
تتمنَّى, وعيبُهَا في الأماني
ليتَهَا لم تكُن كذلك حتَّى
لا تراها بِسَلَّةِ النسيانِ
فُرصُ العُمر حين تذهبُ يبقى
لكَ منها مرارةِ الحرمانِ
فاهْتَبِلْهَا تُدركْ بأنَّكَ حيٌّ
في مضاميرِهَا وفي الفُرسانِ
يا صديقي، هذي بلادي وفيها
ألفُ عُمرٍ للفنِّ والفنَّانِ
بعد حينٍ آتٍ نكون حديثاً
في الممرَّاتِ السُّمر والحيطانِ
حين نأتي بها قصيدةَ عشقٍ
بمذاقات اللَّوز والرُّمَّانِ
وبصنعاء كُلِّها، وهي أحلى
ما رأتهُ أو ما ترى عينانِ
ما سَلَكْنَا الوادي إليها لننسى
كم بقينا من أجل صنعا نُعانيْ
“أُمَّ شمس الشُّموس” من قبل عادٍ
وأبابيل الفُرس والحُبشانِ
هذه دارُهَا، فإن شئت قالت
مَنْ هُنا في الكتاب و العنوانِ
وإذا شئتَ قُلتَ أنتَ، وأُصغي
فكلانا بعضُ انزياح المكانِ
يوم قال الرهان للأرض دُوري
دوَّرَتْنَا للجانبِ “البرَّاني”
ثُمَّ جاءت بنا “الحواصل” مَثْنَى
وفُراى لِمَا ترى في الرهانِ
يا صديقي، ما هذه الدارُ إلاَّ
نحنُ بين النُّقوش والألوانِ
وسيبقى المناخ فينا وفيها
لنُبوءات “قاتها الهمداني”
قال لي صمتُهَا المُدوِّي أمامي
ما أمامي من العيان البيانِ
ومشيئاتُ الله في الأرض ليستْ
من مشيئاتِ التاج والصولجانِ
ولأنَّ الأيَّام حُبلى بهذا
وبهذا كل قاصٍ ودانيْ
هذه دارهُم إذَنْ فَالتَمِسْهُمْ
في الأساس العَتيد والأركانِ