جدل واسع حول تهديد مقبرة طه حسين بالإزالة..
صوت الشورى/متابعات
خلف جابرخلف جابر
جدل واسع بشأن قرار إزالة مقبرة عميد الأدب العربي، طه حسين.. كيف ردّت حفيدته؟ وكيف تفاعل المثقفون مع الخبر؟
ثلاث عتبات رخامية متهالكة تحملك إلى حوش المدفن الفسيح، إلا أن بوابة حديدية ضخمة تسد الطريق. بوابة سوداء مثل عسكري بقلب جامد، تستند إلى جدار حجري، نقش فوقه تعريف بصاحب المرقد: “طه حسين 1889-1973”.
كان من الممكن أن تستدعي صورة المدفن تاريخاً من الثقافة العربية، وعدداً من المعارك التي خاضها رجل مبصر لنرى مستقبل الثقافة في مصر، غير أن كلمة “إزالة” التي كتبت على المدفن بخط أحمر، أثارت جدلاً واسعاً بين المثقفين ترددت أصداؤه في مواقع التواصل الاجتماعي.
القصة ليست جديدة. قبل أشهر، تداولت صفحات مواقع التواصل صوراً أخرى، تبيّن المدفن وقد وضعت عليه علامة “x”، ما جعل البعض يستشف نية الدولة في إزالته، وذلك ضمن أعمال تنفيذ محور ياسر رزق، لكن المسؤولين أكدوا وقتها أن الأمر لا يتعدى كونه حصراً للمدافن، التي تقع ضمن نطاقها.
كلمة “إزالة” التي كتبت على الناحية الأخرى من الجدار، أعادت القضية إلى السطح مرة ثانية. فقد أضحى الأمر شبه مؤكد، في ظل غضب المثقفين والأدباء المصريين، وأيضاً صمت تام من المسؤولين. لكن، مؤخراً، أكدت مصادر في تصريحات صحفية “أن قراراً بإزالة قبر عميد الأدب العربي قد صدر بالفعل”.
غضب المثقفين.. وحسرة على طه حسين
انقسم الغاضبون من القرار الذي جاء “من أجل استكمال توسعة طرق ضمن مشروع تجريه الدولة المصرية لربط عدة محاور” إلى فريقين، أحدهما نظر إلى الصورة الكلية لمنطقة حي الخليفة، تحديداً قرافة سيدي عبد الله في منطقة التونسي بالقرب من مسجد ابن عطاء الله السكندري، لما تحتويه من مقابر لا تقل أهمية عن مدفن عميد الأدب العربي، والتي جاوز عمر بعضها مئات السنين، ما جعلها تعد أثراً، وأيضاً لقيمة طرازها المعماري الفريد.
آخرون همهم ما طال عميد الأدب العربي في رقدته، ومنهم خبيرة الآثار مونيكا هاني، التي قالت عبر صفحتها في “فيسبوك”، إنهم بجانب كلمة “إزالة” المكتوبة حديثاً على المقبرة، فقد “قطعوا المياه على الشجر اللي كانت زرعاه مدام سوزان”، كما نظر الدكتور خالد عزب، أستاذ الآثار الإسلامية، أبعد قليلاً، حيث اللوحة الرخامية التي كتبها الخطاط حسن خالد، بإبداع في الخط الكوفي، بناء على وصية الدكتور طه، متسائلاً: “هل نفقد ما تبقى من تراث مادي لطه حسين مع العام الـ 50 لوفاته؟”.
أكثر أديب عربي ترشيحاً لنوبل
الأزمة التي أثيرت جعلت البعض يتذكرون قيمة طه حسين ومكانته. فالطفل الذي ولد في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1889، في قرية “الكيلو” القريبة من مغاغة، إحدى مدن المنيا في الصعيد الأوسط المصري، فقد بصره إثر إصابته بالرمد في سن الرابعة، لكن ذلك لم يمنعه من أن يصبح أحد أهم المفكرين العرب، بل وصانع سرديتها النقدية من خلال الوقوف على تراثها وتفكيكه، ومحاولة استشراف مستقبلها الثقافي.
وقد ظهرت بذور التمرد لديه مبكراً، فبعدما نال قسطاً من الدراسة الدينية في جامع الأزهر، ونال شهادته التي تخوله التخصص في الجامعة، ضاق ذرعاً بعدم تطور الأساتذة والشيوخ وطرق التدريس وأساليبه، فكان أول المنتسبين إلى الجامعة المصرية التي فتحت أبوابها عام 1908.
درس في الجامعة العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعدداً من اللغات الشرقية، وظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية. ودأب هذا العمل حتى سنة 1914، وهي السنة التي نال فيها شهادة الدكتوراه، وكان موضوع الأطروحة هو: “ذكرى أبي العلاء”.
دخل “عميد الأدب العربي” صراعه مع القوى الظلامية مبكراً، فبعد أطروحته، اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف. فأمر شيخ الأزهر اللجنة الفاحصة بعدم منحه درجة العالمية، لكن ذلك لم يمنعه أن ينال شهادة الدكتوراه من الجامعة، كما أوفد في العام نفسه إلى مونبلييه بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة، فدرس في جامعتها الفرنسية وآدابها، وعلم النفس والتاريخ الحديث.
أفردت لمعارك طه حسين الأدبية كتباً، كما تسببت أفكاره في توجيه العديد من الاتهامات له، والتي وصلت إلى التكفير. كما كان لها إسهام في الدعوة إلى مجانية التعليم، وتحسب له الريادة في كثير من أشكال الإبداع. إذ كتب عدداً من الروايات، تحول بعضها إلى أفلام سينمائية. ويعد حسين أحد أكثر أدباء العرب ومفكريها ترشيحاً لجائزة نوبل، سواء من جهات عالمية ومحلية.
لو دفن في فرنسا لصار قبره مزاراً
ما آلت إليه مقبرة طه حسين، جعل الكثيرين من رواد مواقع التواصل يشيرون إلى ما كان سيلقاه طه حسين في حال دفن في فرنسا، أو لو لم يكن مصرياً من الأساس، مؤكدين أن قبره سيصبح مزاراً سياحياً.
هذا الحديث يحملنا إلى إلقاء الضوء على مقابر الأدباء الفرنسيين. فنجد أن فولتير، الفيلسوف والأديب الساخر، دفن في “مقبرة العظماء” بباريس، وليس وحده، بل معه جان جاك روسو، الذي يعد أحد أهم فلاسفة عصر التنوير، وغيره من الفلاسفة والأدباء والشعراء وأهل الفن والثقافة والعلوم.
ثمة مقبرة أخرى تعد الأشهر في العالم، بل والأكثر زيارة، هي مقبرة “بير لاشيز” في فرنسا، والتي يأتي إليها السياح من حول العالم، لا لشيء إلا لأنها تحتوي على قبور أعلام الحياة الفنية والأدبية والسياسية في فرنسا على مدار 200 سنة، ومن بينهم الأديب الإنكليزي أوسكار وايلد، وميغل أنخل أستورياس، الفائز بجائزة نوبل في الآداب وصولاً إلى بلزاك.. وغيرهم الكثير.
وفي الوقت الذي تكرّم دول العالم أدباءها أحياء وأمواتاً، نجد مصدراً رفيع المستوى يؤكد في تصريحات صحفية، أن مقابر الشخصيات المهمة في مصر ستنقل إلى المقابر البديلة في منطقة 15 مايو، معتبراً أن “رفض الناس قرارات الإزالة أو قبولها قناعات شخصية لا يتم اتخاذ قرارات على أساسها”. ثم،حاول البعض طرح تصورات بديلة تليق بقيمة طه حسين.
فقد قال الروائي يوسف زيدان، عبر صفحته في “فيسبوك”: “إذا لم يكن هناك بدٌّ من هدم مقبرة رجل مصر العظيم طه حسين لا محالة.. فيجب علينا فوراً نقل رفاته إلى مشهد أنيق الطراز، يُبنى في الحديقة المقابلة للباب الكبير لجامعة القاهرة. يجب علينا ذلك، فوراً، وإلا فإن الأمة التي لا تحترم رجالها الرواد المبدعين لن يحترمها أحدٌ في العالمين”.
أما الناقد حسين حمودة فكان له رأي آخر. إذ لا يرى جامعة القاهرة هي المكان المناسب لهذا الضريح، ولا لأي ضريح آخر. وقال في تصريحات لـ “الميادين الثقافية”: إذا تأكدت الأخبار عن إزالة ضريح طه حسين، فيجب أن تكون هناك فترة كافية قبل إزالته، بحيث يتسنى إنشاء ضريح جديد يليق بمقام طه حسين، وأن يتم تجهيز هذا الضريح تجهيزاً مناسباً، وأن يتضمن بعض مقتنياته، ليتحول إلى مزار دائم يحيي ذكرى طه حسين المتجددة، وهذا يستدعي أن يكون موقع هذا الضريح قريباً لتسهل زيارته”.
وتابع أستاذ الأدب العربي أنه زار ضريح طه حسين مرات عدة، وتوقف عند الحديث الشريف المكتوب على مقبرته: “اللَّهُم لَكَ أسْلَمْتُ وبِكَ آمنْتُ، وعليكَ توَكَّلْتُ، وإلَيكَ أنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ… “.. إلى آخر الحديث، مشيراً إلى أنه قد أعجب باختيار هذا الحديث الشريف الذي يعبر عن جوانب كثيرة في تجربة طه حسين، وينطلق من وعي بهذه التجربة.
واستطرد: “إذا كانت إزالة الضريح ضرورة لا يمكن تجنبها، ولا يمكن لأصحاب التخطيط العمراني أن يجدوا حلولاً لها.. فعندي رجاء في أن ينطلق تجهيز الضريح المناسب من هذا الوعي نفسه بتجربته، وبقيمة ما قدمه للثقافة العربية.. أما إذا كانت هناك حلول لهذا التخطيط فسوف يكون هذا رائعاً”.
ووسط حالة الغضب التي يشهدها الوسط الثقافي المصري، و التخبط بشأن مصير رفات عميد الأدب العربي، لم تخرج أي من الجهات المسؤولة ببيان قاطع، وإن ظهرت مؤخراً تصريحات للدكتورة مها عون، حفيدة طه حسين، أشارت فيها إلى أن نقل رفات جدها خارج مصر بات أمراً مطروحاً. المصدر: الميادين نت