يوميات البحث عن الحرية .. محاوله لفهم الديمقراطية!

يوميات البحث عن الحرية .. محاوله لفهم الديمقراطية!
- عبد العزيز البغدادي
الاثنين 24 نوفمبر 2025-
نتيجة تدني مستوى الوعي في بلداننا العربية وما يطلق عليها العالم الاسلامي، مع أن ذلك يضر بالعلاقة مع ما يسمى الأقليات لان لكل مواطن الحق في وطن لا يكون فيه رقما مهملا أو تابعاً لمجرد كونه ينتمي إلى أقلية ما.
الوطن يقوى بكل أبنائه الذين لا يطحنهم التمييز أو أي نوع من العصبية.
وعلاقة الشعوب بالأديان علاقة شخصية وليست علاقة مؤسساتية يديرها المتغلب بالقوة والانتماء الديني أو المذهبي او أي انتماء!
هذه المنطقة أيها الاخوة يجري هندسة اسم جديد لها بعد ان صنع لها مسمى الارهاب بغرض استخدامه شماعة للتدخل المباشر في شئونها تحت عنوان الحرب على الارهاب كما صرح بذلك الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بداية عقب احداث 11 سبتمبر 2001مباشرة حيث قال: الآن بدأت عملية الحرب على الارهاب ولكن لا ندري متى تنتهي.
كان يردد هذا التصريح بينما تردد كل قنوات العالم الفيلم السينمائي دقيق التصوير لمشهد البرجين الذين غاب عنهما كل من ينتمي للديانة اليهودية يوم الحادث كما رددت كثير من المصادر الموثوقة.
التقطت التصوير الحي جميع وكالات الانباء بخلفياتها الاستخباراتية التابعة لصناع الارهاب ومستثمريه كما لو انها كانت على موعد حضور حفل!
اي انهم صنعوا لأنفسهم المبرر للتدخل المستمر في هذه المنطقة وبدء الحرب المفتوحة ضدها وسلب أهلها أي قدر من الحق في المشاركة في صنع القرار ممن لا يرون فيها سوى مناطق ريع وبقرة حلوب يتفننون في نهبها والتلاعب بسياساتها عبر من يوهمونهم بأنهم ملوك وزعماء وقادة يتوارثون الملك والزعامة بإشراف صناع الإرهاب والحرب عليه وهذا ما يجري منذ ذلك اليوم المشئوم!
أما الملوك والرؤساء والزعماء وقادة التوريث فإنهم وبكل استهتار يعتبرون شعوبهم مجرد رعاع او قطعان يتم تحريكها حسب الحاجة خدمة لرؤساء دول تحمل اسم الدول العظمى.
وحينما تتأمل ممارساتهم تحار في معنى العظمة وما وصل اليه مفهوم الانسانية من انحطاط ووحشية وصفات اخرى تجدها واضحة في ملامح ترامب الرئيس الأمريكي المثير للسخرية والجدل.
ومن يريد التأكد من هذه الصفات يمكنه مشاهدة تصرفاته وهو يقابل من يطلق عليهم الملوك او الرؤساء العرب بالذات!
وطالما هو رئيس أكبر وأعظم دولة في عالم اليوم وصل إلى راس السلطة عبر الانتخابات المباشرة فالأمر لا يتعلق بشخصه وانما بالمنظومة السياسية والقانونية والمجتمعية والاقتصادية التي اوصلته الى هذا الموقع الخطير واعطته أوسع صلاحيات يحصل عليها رئيس في اي دولة في العالم!
هذا الملمح الواقعي قد يدعم من يشككون في جدوى الديمقراطية ممن يختزلونها في صندوق الانتخاب!
وبين هؤلاء المختزلين وبين من يرى ان الديمقراطية منظومة متكاملة تتداخل فيها عوامل كثيرة تشكل البناء المتين للنظام الديمقراطي الحقيقي الذي يخدم الانسان وينمي قدراته ويحفظ حقوقه الانسانية وكرامته ويعتمد على تنمية وعي الانسان بأهمية تمسكه بحريته!.
هذا البناء الديمقراطي الحقيقي والفعلي يعتمد على التربية والتعليم من اولى مراحلها وعلى مدى الحياة.
وهو بناء ينمو مع الانسان وبالإنسان ومن اجل الانسان.
اي ان اساس بناء الديمقراطية يبدا مع الاهتمام بالطفل في البيت ثم المدرسة وكيفية اعداده اعدادا يبدأ بغرس مفهوم الحرية في ذهنه وعقله ووعيه واحساسه وليس بغرس مفاهيم او عصبيات جاهزة.
مبادئ الديمقراطية تعلمه ضرورة احترام الاخر بعزة وكرامة وتفاهم وتعريفه بمن هو الآخر وليس بإرضاعه وتلقينه التعصب والكراهية للمخالف وتعبئته بثقافة العنف اللفظي والمادي والجسدي!
وبالإنسان كذلك تنمو الديمقراطية اي انها لا تولد او تستورد كأي بضاعة كاملة الاوصاف والصفات والخصائص والعناصر، ولكنها تنمو بتنميتها من خلال تعليم الناس بدءا من المدرسة كيف يختار الطلاب رئيس الفصل وينتخبوا اللجان الاجتماعية والثقافية والرياضية داخل المدرسة او الكلية على ان يكون اختيارا حرا ويكون لمن اختارهم حق مراجعة تصرفات من اختاروهم، والعمل على استبدالهم ان لم يحسنوا اداء ما انتخبوا من اجل القيام به وجعل ذلك نموذجا لما هو أشمل في الحياة.
ومن خلال العملية الانتخابية يتعلم الجميع كيف يقبلون التغيير ويستفيدوا من الاخطاء، وقد شهدنا بعض البوادر في هذا الاتجاه في مراحل سابقة في الكليات العسكرية والامنية والمدارس الثانوية وفي بدايات الدراسة الجامعية.
الا ان هذه البدايات وئدت باكرا لوجود ما يشبه الدولة العميقة داخل السلطات المعادية للديمقراطية!
وتسير الدولة العميقة قوى الاستبداد، وما تزال مكوناتها باقية بل ان الوضع في حالة الانقسام المريع الذي تشهده اليمن اليوم قد تعقد أكثر وانتقل مركز قيادة هذه الدولة العميقة بل وبقايا الدولة عموما الى خارج الوطن.
وإعادة الأمور إلى نصابها بحاجة إلى ثورة حقيقية وليس إلى شعارات ثورية!
ومما تقوم به الدولة العميقة الموزعة على المنقسمين الذين حولوا الوطن إلى شظايا مما تقوم به تغذية الجدل الواسع الذي يشكك في قدرة المجتمع اليمن بل وكل المجتمعات التي ما تزال درجة وعيها متدنية وأنها غير مؤهلة لحسن الاختيار حسب زعم هؤلاء!
والسؤال الذي يدحض هذه الحجة أو المقولة الواهية هو: كيف بدأت الديمقراطية في البلدان التي تحسب اليوم في عداد الدول الديمقراطية بل وفي طليعتها؟
وهل ولدت هذه الدول ديمقراطية كاملة الاوصاف ام انها بالديمقراطية تتعلم الديمقراطية وتنمي القدرة على المشاركه في الحكم بمعناه الواسع والشامل؟
ومن يشككون في جدوى الديمقراطية يرون ان الدول المتخلفة لا يصلح لها الا ما يطلقون عليه (المستبد العادل) ولا ندري كيف يكون المستبد عادلا؟
انه لغز من صنع المستبدين أنفسهم؛
فالمستبد لا ينمي سوى الجهل ويعتمد عليه في البقاء في السلطة فكيف نجعل ضعف الوعي سببا في الحرمان من الديمقراطية أليس هذا خدمة للمستبد والاستبداد؟
اما المؤمنون بالديمقراطية فيعتمدون على العلم في بناء وعي المجتمعات بأهمية الديمقراطية وتنميتها وتطويرها لأنهم يدركون جمال ان يكونوا جزءاً من المجتمع وقبح ادعاء حقهم في أن يكونوا حكام عليه بالوراثة اعتمادا على الاوهام والخزعبلات!
لذلك فالأحرار يعملون دائما على رفع مستوى الوعي بأهمية التمسك بالحرية كأساس متين وقوي لبناء الديمقراطية الغير قابلة للاهتزاز والتلاعب من قبل قوى الاستبداد في الداخل والخارج وما صندوق الانتخاب سوى النتيجة التي يفرز من خلاله ما يكشف عن مستوى وعي الناس الذين اوجدوا الديمقراطية عبر كفاح طويل ضد ممارسات المستبدين بكل خلفياتهم اي سواء منهم مستخدمي الدين أو المتاجرين به او غيرهم من الاتجاهات والأيدولوجيات المختلفة!
وكما يقال: الاسلام حجة على المسلمين وليس المسلمون حجة على الاسلام، كذلك الديمقراطية حجة على الديمقراطيين وليس تزوير الانتخابات حجة على الديمقراطية كمنظومة متكاملة!
ان كل الدمار والاعاقة التي تعانيها الدول المتخلفة انما تنبع من القوى الداخلية والاقليمية والدولية المتحالفة للوقوف ضد توطين النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يعني الشراكة في البحث عن وسائل التنمية وامتلاك اسبابها وفي مقدمة ذلك اعطاء العلم مكانته الاساسية في كل ما يؤدي الى التغيير المستمر نحو إنعاش الحياة والسير بها نحو الافضل دائما وهو مقياس نجاح الدول او فشلها!
اقول لمن يعشقون الظلام
دعوا كل اوهامكم
دعوها تمر الى حتفها
فقد حان دفن الخرافات
دعوا بؤس كل الدعاوى
كي يعيش الجميع
قولوا نعم للسلام
نعم للوئام
ولا ألف لا للنفاق
وللظلم والارتهان.
اقرأ أيضا للكتب: الأستاذ البغدادي يكتب عن العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي

