اخبار محليةكتابات فكرية

اليمن بين التهديدات المركّبة وخيارات المواجهة الاستراتيجية

اليمن بين التهديدات المركّبة وخيارات المواجهة الاستراتيجية

  • بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الخميس 13 نوفمبر 2025-

بدأت قبل أيام المحكمة الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة صنعاء جلسات محاكمة شبكة تجسسية واسعة النطاق تتبع غرفة عمليات مشتركة بين المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي والمخابرات السعودية، في واحدة من أخطر القضايا الأمنية التي تكشف عن طبيعة الحرب الخفية على اليمن.

القضية، التي تضم 21 متهماً، تتعلق بالتخابر مع دول أجنبية معادية للجمهورية اليمنية، واستخدام وسائل اتصالات مشفّرة وكاميرات سرية، وتزويد العدو بمعلومات حساسة عن تحركات القيادات اليمنية والمواقع العسكرية، ما أدى إلى استهداف مواقع حيوية داخل البلاد.

وبحسب لائحة الاتهام، فإن إدارة هذه الشبكة كانت تتم من غرفة عمليات داخل الأراضي السعودية، بإشراف مباشر من ضباط أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين، وبتمويل منتظم عبر وسطاء محليين.

تحليل الموقف: اليمن في مواجهة حرب استخباراتية متعددة المستويات

ما كشفت عنه التحقيقات لا يمكن اعتباره حادثة معزولة، بل يمثل مرحلة متقدمة من الحرب الاستخباراتية ضد اليمن. إذ يجري استهداف البنية المعلوماتية والمؤسساتية للدولة اليمنية، ومحاولة ضرب قدراتها الأمنية والسيادية من الداخل، في إطار استراتيجية إقليمية تتقاطع فيها مصالح واشنطن، تل أبيب، والرياض.

الوقائع تبيّن أن الهدف يتجاوز جمع المعلومات إلى إعادة هندسة البيئة الأمنية اليمنية لتصبح أكثر هشاشة أمام النفوذ الخارجي، بما يسمح للخصوم بتحديد بؤر القوة والضغط عليها في اللحظات الحرجة.

الإجراءات العاجلة والاستراتيجية المطلوبة

1. تحصين البنية الأمنية والمؤسسية:

تدقيق شامل في ملفات الموظفين بالمواقع الحساسة (الموانئ، الاتصالات، الدفاع، المؤسسات السيادية)، وتفعيل منظومة الفحص الأمني والتتبع المالي.

2. تعزيز الدفاعات السيبرانية:

إنشاء مركز وطني للأمن السيبراني، واستقدام خبراء في تحليل الإشارات والاختراقات الرقمية.

التحقيقات كشفت عن استخدام برامج بث مباشر وأجهزة إرسال متطورة لربط الخلايا بمراكز التحكم.

3. تطوير جهاز استخبارات مضاد محترف:

توحيد الجهود بين الأجهزة الأمنية والنيابة العامة والقضاء، مع ضمان الإشراف القضائي لحماية المسار القانوني للملف.

4. تدويل الملف استخباريًا وقانونيًا:

رفع شكاوى رسمية إلى الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ضد الدول المتورطة، لخلق ضغط دبلوماسي دولي وفضح الانتهاكات.

5. إدارة وعي المجتمع:

إعلام وطني منضبط يوضح خطورة الحرب الاستخباراتية دون بث الذعر، ويشجع المواطنين على الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة.

كيف تواجه اليمن هذا التجسس عمليًا؟

مسح شامل للبنية التقنية: فحص كل الأجهزة الإلكترونية المرتبطة بالجهات الحكومية واستعادة البيانات المحذوفة.

محاكمات شفافة: تقديم المتهمين للعدالة وفق القانون، مع نشر خلاصات رسمية للأدلة دون المساس بسرية الأمن القومي.

تحرك دبلوماسي استباقي: مطالبة الدول المعنية برد رسمي عبر القنوات الدبلوماسية واستخدام المنابر الدولية لفضح تورطها.

تقليل الاعتماد على المعلومات المركزية: اعتماد مبدأ «الحاجة إلى المعرفة» في تداول المعلومات الحساسة داخل المؤسسات.

السيناريوهات المحتملة داخليًا

🔹 1. تعزيز الأمن الداخلي وتقوية الدولة:

احتمال مرتفع — سيطرة أمنية أكبر، وتكثيف التحقيقات ضد الخلايا النائمة.

🔹 2. توسع صلاحيات الأجهزة الأمنية:

احتمال متوسط إلى مرتفع — خطر استخدام الملف لتقييد الحريات العامة بذريعة الأمن القومي.

🔹 3. توتر سياسي داخلي وانقسامات:

احتمال متوسط — احتمال توظيف القضية في تصفية حسابات داخلية.

🔹 4. استقرار مؤقت مع بقاء الثغرات:

احتمال متوسط — نجاحات مرحلية دون معالجة الجذور البنيوية للاختراق.

🔹 5. إصلاح مؤسسي واستخباراتي حقيقي:

احتمال منخفض إلى متوسط — يتطلب إرادة سياسية وتعاونًا مؤسسيًا طويل الأمد.

السيناريوهات المحتملة خارجيًا

🔹 1. ضغط دبلوماسي ونفي رسمي:

دول التحالف والاستخبارات المتهمة ستسعى لنفي الاتهامات والتقليل من شأنها.

🔹 2. تصعيد استخباراتي أو عمليات محدودة:

احتمال متوسط — قد تلجأ بعض الأطراف لهجمات سيبرانية أو استهداف محدود لتقليل أثر الفضيحة.

🔹 3. حرب إعلامية مضادة:

احتمال مرتفع — ستحاول الأطراف الخارجية شيطنة صنعاء والتشكيك في مصداقية الأدلة.

🔹 4. إعادة تشكيل التحالفات الأمنية في المنطقة:

احتمال متوسط — دول الخليج قد تعيد النظر في تنسيقها الأمني والعسكري بعد هذا التطور.

استجابات الأطراف الخارجية المتوقعة

الولايات المتحدة

نفي رسمي أولي وتجنّب التصعيد المباشر.

احتمال ضبط الأضرار دبلوماسيًا مع تعزيز الوجود الاستخباراتي البحري في البحر الأحمر.

بريطانيا

نبرة حذرة ودعوة إلى تحقيق مستقل.

معالجة الملف استخباراتيًا دون مواجهة علنية.

الاحتلال الصهيوني 

نفي رسمي، مع استمرار النشاط الاستخباري والعمليات الخفية في البحر الأحمر.

شنّ حملة إعلامية لتبرير أنشطتها بـ”الأمن الوقائي”.

السعودية

نفي رسمي أو إعلان تحقيق داخلي شكلي.

تعزيز التنسيق الأمني مع الحلفاء الغربيين لتقليل الضرر الدبلوماسي.

توصيات ختامية لصنّاع القرار اليمنيين

1. إدارة الملف بذكاء استراتيجي لا بعاطفة سياسية.

2. تفعيل المسار القانوني والدبلوماسي الدولي لردع تكرار الاختراق.

3. تأسيس وحدة استخبارات مضادة مستقلة ومهنية.

4. تحصين المجتمع من الاختراق عبر الوعي والإعلام والتعليم.

5. إبقاء الملف في إطار الدولة  و الاستفادة منه على جميع المستويات

📚 المصادر:

الإعلام القضائي اليمني، 9 نوفمبر 2025.

تقارير وزارة الداخلية اليمنية، 2024–2025.

تحليل مراكز دراسات الأمن الإقليمي (SIPRI – ICCT – مركز صنعاء للدراسات).

وثائق محاكمات سابقة منشورة عبر وكالة سبأ الرسمية.

اقرأ أيضا: صنعاء تكشف عمق حرب الظل: محاكمة شبكة تجسس تديرها غرفة عمليات ثلاثية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى