صراع بسط النفوذ والوصاية على اليمن وآثاره على الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية
تكالبت بعضاً من الدول العربية وتألفت وأعلنت حرباً عدوانية قذرة وجائرة على الشعب اليمن الذي يعد أفقر الشعوب العربية.. وأيدت وساندت هذه الحرب العدوانية دول الاستكبار والاستعمار وقدمت لها الدعم اللوجستي والغطاء السياسي.. وتواطأت الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية ومجلس الأمن الدولي في هذا العدوان منذ قرابة عامين ونصف العام.
هذا التكالب والتحالف والإسناد والتواطؤ والعدوان على الشعب اليمني طال الشجر والحجر والبشر ولم يوفر لا طريق ولا مدرسة ولا مشفى ولا مصحة ولا منشأة.. وأدى إلى تهجير ونزوح كثير من المواطنين من مناطقهم ومنازلهم التي دمرتها طائرات العدوان دون مراعاة لأية جوانب إنسانية.
الحرب العدوانية الظالمة جاءت بهدف فرض الهيمنة والوصاية على الشعب اليمني الذي انخرط في حراك ثوري بحثاً عن استقلال وسيادة بلاده وقراره محاولاً إنها الإملاءات التي تفرض عليه من قبل كيانات مسخة عاشت ودأبت على إبقاء اليمن وشعبه تحت سيطرتها دون الالتفات إلى متطلباته التنموية، بل انها عملت على مدى عقود من الزمن تخريباً وافساداً لهذا البلد خوفاً من أن يحقق أي طفرة تنموية تساعده على تحسين المستوى الحياتي والمعيشي لمواطنيه وتنقل البلد من وضعه الفقير المفتقر لكل مقومات العيش والحياة.
ولأنها حرب قذرة وظالمة فقد أدت إلى تبعات إنسانية اقتصادية واجتماعية وصحية أثرت على حياة كل مواطن يمني وتسببت في تجويع الشعب اليمني بكامله.
فبإنتهاء شهر يوليو 2017م أكمل موظفو الجهاز الإداري للدولة في اليمن عاماً كاملاً دون أن يتقاضوا رواتبهم المتوقفة جراء الحرب العدوانية والصراع الدائر في البلاد.
ومن ضمن مؤامرات العدوان والمعتدين على بلادنا ما اقدم عليه المعتدون بالايعاز إلى أدوارهم في أواخر سبتمبر الماضي بنقل مقر البنك المركزي من العاصمة صنعاء الى عدن بحجة إن انصار الله يقومون بإهدار الاحتياطي الأجنبي، وهو الإجراء الذي أدى إلى عدم صرف مرتبات الموظفين.
وامتنعت ما سمي بـ”حكومة الفنادق / أو حكومة الرياض” عن إرسال رواتب الموظفين إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن توقف الرواتب فاقم انعدام الأمن الغذائي، إذ بات حوالي 7 ملايين شخص (من أصل 27.4 مليون نسمة) عرضة للمجاعة.
انعكست أزمة الرواتب على قطاعات مختلفة في اليمن، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية أن 30 ألف موظف في القطاع الصحي لم يتقاضوا رواتبهم، ما أسهم في تدهور حاد لخدمات الرعاية الصحية، فيما يعتبر قطاع التعليم أكثر المتضررين مع توقف المعلمين عن التدريس في عدد من المدن.
كما أعلنت الأمم المتحدة أنه ليس بمقدورها صرف رواتب هؤلاء الموظفين، ولجأت عبر صندوق الأمم المتحدة الإنمائي إلى تقديم مساعدات مالية تصل إلى 100 دولار شهرياً لكل موظف.
الحالة الإنسانية نتيجة عدم صرف المرتبات دفعت البنك الدولي في مايو الماضي إلى الإعلان أنه سيقوم بتحويلات نقدية لحوالي 1.5 مليون من الأسر الأشد فقراً (حوالي 8 ملايين يمني)، بهدف ضمان حصولها على الموارد المالية اللازمة لشراء الطعام، إضافة إلى توفير مكملات مغذية لمليون يمني آخر من الفئات الأشد احتياجاً، عبر منحتين بإجمالي 283 مليون دولار.
مؤخراً قالت الأمم المتحدة أنها لا تعلم أين تذهب إيرادات المحافظات الجنوبية اليمنية الواقعة تحت سيطرة ما تسميه “حكومة الرئيس المعترف به دولياً عبدربه منصور هادي”، منذ قيام الأخير بنقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر الماضي متسبباً بقطع مرتبات موظفي الدولة ومضاعفة الأزمة الإنسانية.
وجاء ذلك على لسان مدير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن “اوكل لوتسما” يوم أمس الثلاثاء، في مؤتمر صحفي عبر الأقمار الاصطناعية إلى الأمم المتحدة في نيويورك.
وقال “لوتسما” في الإحاطة “نحن نعلم أن البنك المركزي قد انتقل إلى عدن، ومن غير الواضح إلى أين تنتهي الإيرادات التي تحصل في محافظات اليمن الجنوبية وبيع أي نقد متبقٍ”. وأضاف “ليس من الواضح ما إذا كانت الأموال تذهب إلى البنك المركزي في عدن أو لحسابات الحكومة في الخارج، لكن ما هو واضح أنه أينما ذهبت تلك الأموال إلا أن المرتبات لم يتم دفعها من قبل الحكومة في عدن”.
ونقلاً لصورة ما هو حادث في اليمن أكد لوتسما “إن الأمم المتحدة تحتاج لوقف الحرب في اليمن لكي تتمكن من توفير المساعدات الإنسانية اللازمة في البلاد” مشيراً إلى “أن الأمم المتحدة تواجه عقبات لوجيستية عندما يتعلق الأمر بتيسير العمل بما في ذلك الحصول على التصريحات اللازمة من قبل التحالف لنقل وقود الطائرات إلى صنعاء وتسهيل عمل الرحلات الجوية”.
وتطرق لوتسما إلى ان القطاع الصحي قد انهار في اليمن نتيجة تدمير نصف المرافق الصحية كلياً أو جزئياً وعدم صرف مرتبات العاملين في هذا القطاع منذ نحو عام، وهذا يعني ان العديد منهم لا يعملون ما يجعل الرعاية الصحية غير متاحة في اليمن.
وفي جانب آخر أكدت الأمم المتحدة تفشي مرض التهاب السحايا في اليمن إضافة إلى وباء الكوليرا، في ظل تدهور مستمر للوضع الإنساني جراء انهيار النظام الصحي وشبكات المياه.
وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، أوك لوتسما: “خلال الأسبوعين الماضيين، نواجه، إضافة إلى وباء الكوليرا، تفشي التهاب السحايا، في أزمة تركب فوق أخرى”.
وأكد المسؤول الأممي تسجيل 400 ألف حالة يشتبه بإصابتها بالكوليرا وألف وتسعمائة حالة وفاة مرتبطة بالكوليرا في اليمن.
وأشار إلى أن انتشار الأمراض، بما فيها الكوليرا والتهاب السحايا، على نطاق واسع في اليمن، سببه انهيار النظام الصحي ونظام الإمداد بالمياه، جراء النزاع المسلح المتواصل منذ أكثر من سنتين.. وشبه اليمن بحافلة تتجه بأقصى سرعة إلى حافة الهاوية.
وشدد على أن إنقاذ البلاد يتطلب استيفاء شرطين أساسيين، أولهما، وقف الحرب، والثاني، معالجة المشاكل اللوجستية.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة الأخيرة، فإن 20 مليون يمني، أي قرابة 70% من سكان اليمن، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، ويعاني نحو مليونين من الأطفال من النقص الحاد في التغذية، في حين تجاوز عدد النازحين 3 ملايين.
من جانبه نشر موقع التلفزيون الألماني الرسمي ARD تقريراً حول اليمن بعنوان “إما الجوع والعطش أو الكوليرا”، حيث يشير إلى أنه وفيما توجد في بعض أحياء صنعاء ناقلات مياه صالحة للشرب توفرها منظمات الإغاثة غير أن المياه النظيفة لا تتوفر خارج المدن وكثير من مصادر المياه أصبحت ملوثة ولم يعد أمام الناس سوى الاختيار بين الموت من وباء الكوليرا أو الموت من العطش.
ويضيف التقرير أن من يصاب بعدوى الكوليرا في اليمن لا يجدون من يساعدهم لأن كثير من المستشفيات مغلقة في هذه الفترة فيما يقول روبيرتو سكايني، من منظمة أطباء بلا حدود في منطقة حيدان الواقعة شمال اليمن: “ليس هناك مال لدفع تكاليف العاملين في المستشفيات. ولا توجد أدوية في كل مكان، لقد دمرت الغارات الجوية المرافق الصحية”.
وينقل التقرير عن العاملة في مجال الإغاثة الألمانية لاريسا آليس قولها: “في الواقع، الوضع مأساوي ويتدهور بشدة يوماً بعد يوم. وما يثير رعبنا على وجه الخصوص هو حجم تفشي الوباء وانتشاره بسرعة”.
وأضافت آليس التي تعمل لدى منظمة أوكسفام الخيرية في اليمن، في مشروع النظافة ومياه الشرب اُشتبه في الثلاثة الأشهر الماضية بإصابة 400 ألف شخص بالوباء وهناك ما يقرب من 2000 حالة وفاة في كل أنحاء البلد.
ونحن نرى المرضى ملقون في أماكن وقوف السيارات أمام المستشفيات ونرى أقاربهم يمسكون بقرب تسريب السوائل (المغذيات) لإنقاذهم، لأنه لم يعد هناك متسع لهم داخل المستشفيات.
ويسلط التقرير الضوء على معاناة المرضى الذين يقررون زيارة إحدى العيادات، حيث يسافر المتضررين في المناطق الريفية في بعض الأحيان لعدة أيام من أجل الوصول لأقرب مركز طبي، ولكن الكثير من هؤلاء لا تتوفر لهم إمكانية السفر أبدا.
وفي هذا السياق تقول آليس: “فعلاً عليهم الاختيار ما بين هل آكل اليوم أو أدفع ما أملك للمواصلات لي ولأقربائي للوصول إلى أقرب مركز صحي”.
ويلفت التقرير إلى إحاطة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة، ستيفن أوبراين الذي قال: ”تستعر الحرب في البلد منذ أعوام. إذ يشن تحالف عسكري بقيادة السعودية منذ 2015 غارات جوية على مواقع تواجد من يسمونهم بـ“المتمردين الحوثيين” في اليمن ويدمر بتلك الغارات دائماً وأبداً المرافق الصحية أيضاً”.
وأضاف أوبراين سبعة ملايين يمني مهددون بالموت البطيء والمؤلم بسبب المرض والجوع ويعاني من بينهم 2,3 مليون طفل من سوء التغذية منهم 500 آلاف لا يتعدى سنهم الخمسة أعوام وهم في حالة خطر مميتة.
من جهتها حذرت منظمة “أنقذوا الأطفال” من أن أكثر من مليون طفل في اليمن عرضة أكثر من غيرهم ثلاثة أضعاف للموت إذا أصيبوا بالكوليرا، لأن أنظمة المناعة لديهم أضعفها سوء التغذية الحاد.
ويأتي تعليق المنظمة الخيرية في الوقت الذي بلغ فيه عدد اليمنيين المصابين بالكوليرا أكثر من 430 ألف شخص.
وتقول المنظمة إن 200.000 طفل يمني تحت سن الخامسة معرضون لخطر الموت الوشيك من الجوع، بعد مرور عامين على الحرب التي قادت البلاد إلى حافة المجاعة، وأدت إلى انهيار نظام الرعاية الصحية.
ووصفت “أنقذوا الأطفال” أطفال اليمن بأنهم “محاصرون في دائرة من الجوع والمرض”.
وقال تامر كيرلس، المدير القطري لمنظمة “أنقذوا الأطفال” في اليمن: “إن علاج الكوليرا سهل، لكن ما صعب الأمور هو القيود التي تفرضها الحرب على توفير إمدادات الدواء والغذاء، وتدمير المستشفيات والمستوصفات، ولم تُدفع رواتب العاملين الصحيين الحكوميين منذ ما يقرب من عام”.
وتوقعت منظمة اوكسفام ان يصل عدد المصابين بالكوليرا الى اكثر من 600 ألف شخص “اكبر عدد مسجل في اي بلد في عام واحد منذ بدء تفشي الوباء”، وهو ما يتجاوز عدد حالات هايتي في عام 2011.
وقالت منظمة انقذوا الاطفال إنها تدير حالياً 14 مركزاً لمعالجة الكوليرا وأكثر من 90 وحدة لمعالجة الجفاف في جميع أنحاء اليمن، لكنها توسعت في استجابتها، وترسل المزيد من الخبراء الصحيين إلى المناطق الأكثر تضرراً.
وقالت المؤسسة الخيرية ان تحاليل جديدة على مستوى المحافظات اليمنية كشفت ان اكثر من مليون طفل يعانون من سوء التغذية دون الخامسة من العمر بينهم 200 ألف يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد ويعيشون في البقع الساخنة للكوليرا.
م.م