تطبيع عسكري ينطق بعلاقات سعودية إماراتية مع إسرائيل
لم يتوقّع خبراء العلاقات العربية-الإسرائيلية وأكثرهم تفاؤلاً أن تقفز العلاقات السعودية والإماراتية مع “إسرائيل” إلى مراكز متقدّمة في ظرف زمني متسارعٍ، وصولاً إلى مرحلة “التحالف الكامل”.
فقد كشف موقع “الخليج أونلاين”، في 9 مارس الماضي، تفاصيل أول لقاء سري جمع مسؤولين سعوديين وإسرائيليين في القاهرة، ما كان إلا جزءاً من مخطَّط تسير عليه دول عربية لتوطيد علاقتها مع دولة الاحتلال في مجالات عدّة.
وفي منتصف مايو الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينيامين نتنياهو: إن “هناك تطوّرات إيجابية غير معروفة للرأي العام تتضمّن تطوّر العلاقات مع الدول العربية”.
تصريحات نتنياهو كانت بمنزلة ترجمة حقيقية وخُلاصة لكل ما يجري داخل الغرف المغلقة بين مسؤولين من دول عربية وإسرائيليين.
وليس صدفة أن تبثّ قناة “العربية”، الأسبوع الماضي، فيلماً وثائقياً تروّج فيه لـ”حق” الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والذي جاء بعد أسابيع قليله من الكشف عن تفاصيل لقاء سرّي جمع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ونتنياهو بالأردن.
وسبق ذلك تصريح من مسؤول بحريني بأن “المنامة ستكون أول دولة خليجية تعلن عن علاقات دبلوماسية مع إسرائيل”، وسط حديث متكرّر عن زيارات سرية لوفود عربية إلى “تل أبيب”.
الهدف العسكري
العلاقات العربية-الإسرائيلية تجاوزت حدود التفاهمات السياسية ووصلت إلى مرحلة تبادل الخبرات العسكرية وشراء الأسلحة، حسبما كشف مسؤول فلسطيني رفيع في السلطة لـ”الخليج أونلاين”.
وأكّد المصدر، الذي فضّل عدم كشف اسمه، أن وفداً عربياً ضمّ مسؤولين سعوديين وإماراتيين أمنيّين وعسكريين قد زار “تل أبيب”، مطلع يوليو الجاري، وأجرى لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين تتعلّق بالجانب العسكري.
وأوضح أن “زيارة الوفد العربي كانت لهدف عسكري بحت”، وتم التطرّق خلال الزيارة إلى “العديد من الملفّات العسكرية، أبرزها شراء الأسلحة والاتّفاق على تبادل الخبرات”.
وهذه الزيارة استمرّت 4 أيام، قبل أن يغادر عبر مطار “بن غوريون”، في 5 يوليو الجاري، وفق المسؤول الفلسطيني، الذي أشار إلى أنها “قد تكون الأجرأ في تاريخ علاقات الدول العربية، وعلى وجه الخصوص السعودية والإماراتية، مع دولة الاحتلال”.
وأضاف: “يبدو أن العلاقات العربية-الإسرائيلية دخلت مرحلة في غاية الأهمية، تجاوزت في تفاصيلها العقبات السياسية وحتى الاقتصادية ووصلت إلى المرحلة العسكرية”.
واعتبر المسؤول الرفيع في السلطة الفلسطينية أن ذلك “يؤكّد أن دولة الاحتلال لم تعد عدواً، بل أصبحت قوة معترفاً بها في المنطقة، ويجيز إقامة التحالف معها”.
وتأتي هذه التطوّرات المتلاحقة تزامناً مع رواج الحديث عن “صفقة القرن”، التي يحاول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تنفيذها في الشرق الأوسط لـ”إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.
والصفقة دعمتها دول عربية من بينها السعودية ومصر، بحسب وسائل إعلام عبرية، في وقت يواصل الفلسطينيون التعبير عن قلقهم إزاء ضياع قضيّتهم.
وكان وزير استخبارات الاحتلال، يسرائيل كاتس، دعا ولي العهد السعودي إلى زيارة “إسرائيل”؛ على اعتباره زعيماً للعالم العربي، بحسب صحيفة “إيلاف” السعودية.
وتعقيباً على الزيارة، أكّد الخبير في الشأن الإسرائيلي، محمد مصلح، أن المنطقة كلها مقبلة على مرحلة انفتاح غير مسبوقة مع دولة الاحتلال، وسيكون فيها الاتفاقات العسكرية إضافة للسياسية والأمنية عنوان بارز.
وأضاف لـ”الخليج أونلاين”: إن “العلاقات الإماراتية والسعودية شهدت تطوّرات كبيرة ومهمّة مع إسرائيل، الأمر الذي دفع بتغيير كل القواعد بعد أن تحوّلت تلك العلاقات من سرية إلى علنيّة وأمام الجميع”.
وبسؤاله عن الأسباب، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي: إن “مصالح القيادة العربية الشابّة مرتبطة بأمريكا وإسرائيل، وهناك تهديد مبطّن بغطاء الخوف من النفوذ الإيراني بتغيير أوضاع الخليج”.
واستطرد مصلح: “لذلك بدأ التوجه لإقامة علاقات إستراتيجية مع إسرائيل وإدخالها كعامل في الأمن القومي في المنطقة لمنع أي تحوّل وتصاعد للقوى الإقليمية”.
ولفت إلى أن الخطورة تأتي في سياق تصفية القضية الفلسطينية، مضيفاً: إن “السعودية في الماضي قدّمت فلسطين للإسرائيليين وطناً، واليوم تجسّدها في علاقات ومصالح واستراتيجيات”، بحسب تعبيره.
وقال إن السعودية تحاول “تغيير حقائق وتاريخ يعكس الحالة الاستعمارية الفكرية والاقتصادية للدول الخليجية وارتباطها بالمستعمر”، متوقّعاً أن تشهد المنطقة انفتاحاً وعلاقات إستراتيجية كبيرة مع الاحتلال.
وأشار إلى أن النظام المصري الحالي، برئاسة عبد الفتاح السيسي، ليس بعيداً عن المشهد الحاصل؛ فالقاهرة تؤدّي دوراً كبيراً في تغيير العلاقات مع “إسرائيل”.
واعتبر أن “حالة عدم الاستقرار وصناعة الجماعات المتطرّفة أحد أدوات إدخال إسرائيل في تحالفات عسكرية مع النظام العربي والاستقرار مقابل الاعتراف بإسرائيل”.
وكذلك “إنهاء ملف الصراع فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية لمصلحة محاربة ملف إيران النووي ونفوذها وتصفية فصائل المقاومة، إن لم تستجب للمطالب العربية”، كما يقول مصلح.
ورسمياً ترتبط “إسرائيل” بعلاقات دبلوماسية فقط مع الأردن ومصر، لكن الفترة الأخيرة شهدت تقارباً غير مسبوق من جهة السعودية والإمارات والبحرين، الذين يسيرون في طريق التطبيع العلني مع الاحتلال.
وتحرص “إسرائيل” بشكل دائم على إخفاء أسماء الدول العربية التي تُقيم علاقات سياسية واقتصادية أو أمنيّة معها؛ خوفاً من المواقف الشعبية والرسمية الرافضة للاحتلال.