المال واللوبي السعوديان يتحكمان في قرارات الكونغرس الأمريكي
منذ أكثر من 3 أعوام والكونغرس الأمريكي يبحث في الأطر القانونية لوقف تصدير الأسلحة للسعودية التي تستخدمها لقتل المدنيين اليمنيين في حربها المتواصلة منذ أكثر من 3 أعوام.
في مايو 2017 ، أصبح السعوديون متوترين على نحو متزايد ، لأنهم كانوا يعتمدون بشكل كبير على الدعم العسكري الأمريكي والقنابل الأمريكية لهزيمة القوات اليمنية (حركة أنصار الله) في اليمن بعد عامين من الحرب التي لم تفلح في إخضاع اليمنيين وإجبارهم على رفع راية الاستسلام لولي العهد السعودي الذي سعى منذ وصوله إلى وزارة الحرب في بلاده لفتح جبهة مع اليمن باعتباره بلداً ضعيفاً يسهل معه تحقيق نصر يفاخر به عند وصوله إلى عرش المملكة، لكن الرياح جرت لما لا يشتهيه الأمير السعودي الشاب وسفنه، بعد تحرك مجلس الشيوخ الأمريكي لوقف الدعم العسكري الأمريكي للرياض.
مشروع القرار الأمريكي الجديد المدرج في أروقة الكونغرس يحظى وبشكل لافت بدعم كلا الحزبين الأمريكيين (الجمهوري والديمقراطي) وينصّ بشكل لا لبس فيه على قطع المساعدات العسكرية للنظام السعودي والتوقف عن بيع القنابل الأمريكية للرياض، ما يعدّ دليلاً على انخراط الجيش الأمريكي وسلاح الجو بشكل خاص في دعم وإسناد القوات السعودية خلال قصفها للأراضي اليمنية وبالتالي الانخراط بشكل مباشر بقتل المدنيين اليمنيين، وعلى الرغم من هذا الاقتراح، فإن الحكومة السعودية لديها السلاح الوحيد المطلوب للحفاظ على هذه القنابل والمساعدات الأخرى، وهو المال المقدّم لمجموعات الضغط (اللوبي) المكلفة بالضغط على الإدارة الأمريكية لعدم الاستجابة لمثل تلك القوانين.
وفي هذا السياق يكشف مقال جديد لموقع هافينغتون بوست أن الحكومة السعودية تتعاقد مع وكلاء الضغط بشكل كبير، وهم بدورهم يساعدونها عملياً على إقناع أعضاء الكونغرس والرئيس بتجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والضحايا المدنيين في اليمن، وبحسب الموقع فإن الرياض استطاعت توظيف أكثر من 24 جماعة وشركة علاقات عامة في أمريكا من بينها شركة المحاماة وجماعة الضغط Brownstein Hyatt Farber Schreck في واشنطن التي حصلت على نحو نصف مليون دولار من الحكومة السعودية في 2017 والتي بدورها تواصلت مع مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ أكثر من 20 مرة بشأن مشروع القانون ذاك، ومن بينهم رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ السيناتور تيم سكوت (النائب الجمهوري عن ولاية ساوثكارولينا) في 16 مايو/أيار 2017، الذي وصلته تبرعات بقيمة ألفي دولار للجنة العمل السياسي التابعة للسيناتور في اليوم نفسه الذي صوت فيه سكوت إلى جانب أغلبية زملائه من أعضاء مجلس الشيوخ لمصلحة السماح للسعوديين بالحصول على قذائفهم، وبعد عام، أُفِيد بأنَّ نوع القذائف الذي سُمِح ببيعها في تلك الصفقة قد استخدِم في غارات جوية أسفرت عن مقتل مدنيين في اليمن.
وبالعودة إلى بداية تشكيل هذا اللوبي السعودي في أمريكا تظهر السجلات أن أول نشاط لهذا اللوبي بدأ بالظهور بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عندما كانت صورة السعودية قاتمة جداً في الشارع الأمريكي كون أن 15 من أصل 19 من الخاطفين الانتحاريين للطائرات في 11 أيلول كانوا مواطنين سعوديين، بالتالي لم يكن من المفاجئ ثوران الرأي العام الأمريكي على السعودية، وردّاً على ذلك، أنفق الأمراء السعوديون نحو 100 مليون دولار على مدار العقد التالي لتحسين نظرة الرأي العام تلك، والحفاظ على نفوذهم في العاصمة الأمريكية.
ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اعتبر السعوديون أن الفرصة كبيرة أمامهم باعتبار أن التعامل مع رجل أعمال كترامب يعشق المال سيكون أسهل من التعامل مع سابقه بارك أوباما، وعليه فقد أطلق اللوبي السعودي حملةً قوية لاستمالة كل من الرئيس المنتخب حديثاً والكونغرس الذي يقوده الجمهوريون، وهو بالطبع ما يُكلِّف أموالاً طائلة يجب أن تصرف على شركات الضغط، حيث قدّرت تلك الأموال بحوالي 27.3 مليون دولار في عام 2017 بعد أن كانت 10 ملايين دولار خلال عام 2016، وقامت السعودية بتوقيع 45 عقداً مختلفاً في عام 2017 مع شركات مُسجَّلة بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب، وأكثر من 100 شخص مُسجَّلين كعملاء أجانب سعوديين في أمريكا، وقد أثبتوا أنَّهم نشطون للغاية ويعملون بلا كلل لتشكيل التصوُّرات المتعلِّقة بالسعودية وأمرائها وسياساتها، وبالأخص حربها المروعة في اليمن، كما يعملون في الوقت ذاته على ضمان استمرار تدفق الأسلحة والدعم العسكري الأمريكي للسعودية، وتواصل عملاء السعودية أكثر من 300 مرة خلال عام 2017 مع أعضاء الكونغرس ومسؤولين في وزارة الخارجية من أجل هذه القضايا، وكان لافتاً أن أكثر من ثلث أعضاء الكونغرس الذين جرى التواصل معهم من جانب عملاء السعودية حصلوا على تبرعات لحملاتهم من عميل أجنبي.
وفي عام 2018 تواصل عمل اللوبي السعودي داخل أمريكا وهو الآن يعمل بشراسة كبيرة للتصدي لإجراء من مجلس النواب من شأنه إنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن، ويطالب بتجاهل مقتل أكثر من 10 آلاف مدني في اليمن بنيران أمريكية وسعودية وتجاهل تفشي الأمراض والمجاعة في هذا البلد العربي الفقير وبتجاهل حرب مدوية منذ 3 أعوام أدّت إلى عودة تنظيم القاعدة إلى شبه الجزيرة العربية، واستمرار تدفق الأسلحة الأمريكية للرياض بدلاً من تدفق المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني.