وداعـا أنـبل الأصدقاء
كان رحيلا مبكرا وحزينا، وكأنما الموت يتعمد اختيار أعز الناس وأنبل الأصدقاء حتى نفقه حقيقة الفراق، وفداحة الخسران، وندرك إلى أي مدى أصبحت كثير من المقولات المأثورة حقيقة معاشة، بكل ما تحمله من أسى وألم.
” أحبب ما شئت فإنك مفارقه ” مقولة ما زلت أرددها منذ خطف الموت الكثير من الأقارب والأصدقاء والأساتذة الذين تركوا بصمة في حياتي وحياة الآخرين، إلا أن وقعها مع وداع العزيز الدكتور أحمد النهمي كان مرا وقاسيا.
لقد كان رحمة الله عليه شخصية أنموذجية من مختلف زواياها، إلا أن حضورها الإنساني كان طاغيا، وهو ما يجعلنا نبكيه ونبكي فيه المثل والقيم العليا التي غدت عملة نادرة في زمان تسوده المصلحة، ويعلو فيه النفاق، وتغدو فيه التفاهة بضاعة رائجة في بورصة ” حمران العيون “..!
وكأنه رجل من “الزمن الجميل”، صدقا وتواضعا، وغزارة في المعرفة، ونبلا في المواقف، وفهما لحقيقة ما يجب أن تكون عليه السياسة ورجل السياسة، وكان فوق ذلك شجاعا في قول الحق شعرا ونثرا، ومعطاء بإخلاص لما يعتقــده من رؤى وأفكار وقضايا.
تنقل بين الريف والمدينة وبين أكثر من عمل ووظيفة، ودرس الدكتوراة خارج اليمن، ولكنه لم يتغير إلا إلى الأحسن، وكلما ترقى في العلم كلما أفرط في التواضع والتخلق بالقيم الأصيلة التي ورثها عن أسرة كريمة، فكان خير عنوان لقبيلته، وللمدينة التي عاش فيها، ثم للجامعة التي أصبح أستاذا بها، وللحزب الذي غدا القيادي الأبرز فيه.
ليت شعري هل ضنت علينا الأرض به وبأمثاله..!، أم أن السماء قد ترجمت اشتياقها لعزيزنا الراحل، ففتحت له الأبواب لينعم بالخلود الأبدي إلى جوار الشهداء والصالحين والصديقين، وحسن أولئك رفيقا..
وليت شعري هل تجود علينا الأيام، فنقتفي أثره ، ونسير بسيرته، حتى نلقاه عند رب كريم، أم تقذف بنا الأقدار إلى خارج المسار وقد أضنانا السير ووحشة الطريق!!
وداعا يا أنبل الأصدقاء،
فما أدري كيف أنعيك..
وما كنت أحسب أني سوف أبكيك..
ولكن عزائي أنك رحلت ثابتا وصامدا إلى جوار الأحرار في مواجهة العدوان والحصار.
رحلت صادقا وصديقا.. حرا أبيا..
رحلت وقد كنت دوما صادحا بالكلمة الطيبة والموقف المسئول دون تكلف أو تزلف.
إنا لله وإنا إليه راجعون،
وحسبنا الله ونعم الوكيل.