نريد دولة مدنية ديمقراطية عادلة
د. أحمد صالح النهمي
منذ ثلاثينيات القرن الماضي كانت الدولة المدنية التي يتحقق في ظلالها العدل وتتجسد المساواة، ويحكم الشعب فيها نفسه بنفسه، هي الدولة التي ناضل وما يزال يناضل في سبيل تحقيقها مفكرو الطلائع النخبوية الثقافية والسياسية في اليمن، وما تزال هي الحلم الذي لم يتجاوز إطاره النظري في حركات التغيير الثورية التي شهدتها الساحة اليمنية منذ ثورة الدستور 1948م، ومرورا بثورتي سبتمبر وأكتوبر وما تلاهما من أحداث وحركات تغيير حتى اليوم، فيما ظل الاستبداد بالحكم واحتكار السلطة والثروة وإقصاء الآخر هي القواسم المشتركة بين السلطات المتعاقبة على حكم اليمن، باستثناء بعض الومضات المحدودة في تاريخ اليمن المعاصر .
في مؤتمر الحوار قدم الشهيد البروفيسور أحمد شرف الدين رؤية سياسية عن شكل الدولة المنشودة، محددا ملامحها بأنها الدولة المدنية التي يغيب فيها الخطاب الديني، في مواجهة الشعب، فالدين يكون للشعب، والدولة ينبغي أن يغيب عنها الخطاب الديني معللا ذلك بأننا جربنا الدولة الدينية على مئات السنين، وكانت الدولة عندما تتبنى الدين فإنها تتقمصه في صورة مذهب معين وتلغي المذاهب الأخرى فينتج ذلك صراعا…فيما الإسلام قراءات متعددة، ولذلك نقول الدين للشعب بتنوعاتهالمختلفة..والدولة تكون بعيدة عن الخطاب الديني ولكن من واجب الدولة أن ترعى الحقوق الدينية ….ألخ”.
لم يحتمل أعداء الحياة فكر الدكتور شرف الدين ورؤيته التقدمية في صياغة البرنامج النظري لبناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، ولم يحتمل تجار الحرب الدور الحيوي للشهيد في القضاء على أسباب الفرقة وتبديد دواعي الاقتتال بين الخصوم السياسيين الذي كان يحذر منه في كل خطاباته وحواراته، فسارعت أيادي الإجرام إلى اغتياله والتخلص منه قبل أن يخرج مشروعه التنويري التقدمي للناس، فيتشكل الوعي العام بهذا المشروع، ويصبح مطلبا جماهيريا لا نخبويا. قبل الشهيد شرف الدين وبعده طالت أيادي الغدر والخيانة، عددا من زملائه الحالمين بالدولة المدنية العادلة من العقول المفكرة التي ظنوا أن التخلص منهم يعني وأد ما يمتلكون من رؤى فكرية ومشاريع طنية وحس سياسي، يمكن أن تفضح مؤامرات العدو المتربص بالوطن من خارج الحدود، وتمنع الاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن الواحد .
لقد اعتقدوا أن التخلص من هذه العقول سيجعل الطريق ممهدة للسيطرة على اليمن وفرض من يريدون حكاما عليها، و أن الحرب لن تتجاوز أياما أو أسابيع يستعرضون فيها قواتهم المرعبة من الجو والبحر والبر، لكنهم فوجئوا بما لم يكن في الحسبان، فما يزالون منذ ما يقرب من عامين يدورون في حلقة مفرغة ويقترفون جرائم حرب يومية بحق المدنيين في ظل صمت وتواطؤ عربي وعالمي،وما يزال اليمنيون يسطرون ملاحم الدفاع عن الوطن، ويلقنون الغزاة دروسا قاسية في بسالة لا نظير لها تشهد بعظمة هذا الشعب وشجاعة أبنائه البواسل.
يوما ما ستنتهي الحرب، ويتوقف العدوان عن جرائمه، لكن حلم قيام الدولة المدنية الديمقراطية العادلة التي رفع لواءها مفكرو اليمن أصبحت اليوم مطلبا شعبيا، لا يمكن التنازل عنه بعد هذه التضحيات الكبيرة، ولا يمكن لأنظمة السعودية والخليج الرجعية التي شكلت عائقا كبيرا دون تحقيق هذا الحلم على مدار عقود من الزمن أن تقف اليوم دون تحقيق حلم اليمنيين ببناء دولتهم المدنية الديمقراطية العادلة.