الكلكتابات فكرية

ليست هذه يا قوم من الوطنية في شيء!!

اليمن أكبر من وطنيتكم أيها المدعون لها ، والجاثمون تحت ظلها ريثما تحققون مصالحكم الذاتية وعلى حساب هذا الوطن، كفاكم تزلفاً باصطناع حبكم لهذا الوطن ، هلا تركتموه ونزعتم عنه تلك الوطنية المدعاة ، فهو في غنى عنها ، وليس بحاجة لما تتخفون وراءة من وطنية جوفاء ، هي أقرب إلى الكذب والافتراء ، اللذين تخدعون أنفسكم بهما ، وسرعان ما تصدقوه وتلصقونه بنفوسكم المريضة .

كل أطراف الصراع داخل اليمن وخارجه يدعون الوطنية ، ويتحاربون ويتقاتلون تحت اسم الوطنية والدين ، لم نعد نعلم من هو الوطني ومن هو غير الوطني.

مسمى الوطنية انتشر بين الأمم و الشعوب على اختلاف الأجناس و الأديان و المذاهب  و ترى الناس يتجاذبونها و يصطبغون بلونها، و إن كانوا يعملون على نقيضها، يتغنون بنشيدها و يتمجدون بذكرها و إن كانوا منها براء.

وإذا هم جردوا منها يموتون كمدا و إن كانوا منها متجردين، يشيدون المباني الخاصة، فيقولون لعمارة الوطن، يلهثون وراء المصالح الشخصية الضيقة  فيزعمون أنه لإعلاء شأن الوطن، يعلنون في أكثر من مكان ويرفعون أصواتهم فيموهون أن ذلك من أجل الوطن، يجمعون الأموال تحت أي مسمى وطني ويتذرعون انها جمعت لفائدة المشروع الخيري الوطني .

كأنما الوطن بيت مهجور متداعي الجدران، و الوطنية، فؤوس و معاول، تقتنى لهدمه و اكتساحه، ليست هذه يا قوم من الوطنية في شيء، فإذا فتحنا لأنفسنا باب الدعاوى و لم نتقيد بعرف اللغة و حدود الشرع و آداب الاجتماع، ساغ لنا أن ندعي كل شيء و لا نقف عند حد، و إذا ذاك نعيش و نحن هائمون في أودية من الحيرة و الفوضى، لا ضابط و لا نظام و لا قانون.

ليست الوطنية الجهل بتاريخ البلاد، ومجد البلاد، و عظماء البلاد، ولسان البلاد، و دين البلاد، و آداب البلاد.

ليست الوطنية التفاخر بتاريخ الغير و مجده، و عظمائه و لسانه، ودينه و آدابه، ليست الوطنية في تعديل القوام وتحسين الهندام و الجري وراء المصالح الشخصية الضيقة الآنية، إنما الوطنية قبس من نور يقذفه الله في النفس فيشع بها الدماغ و ترسل أشعة نورها إلى القلب فتحرك حرارتها الأعضاء، وتنير تلك الأشعة الساطعة أمامها سبيل العمل.

إنما الوطنية أن يسعى الإنسان قدر جهده لجلب الخير العميم لوطنه و دفع الضر عنه بمقتضى العقل و الحكمة و الشرع و القانون.

إن الوطنية أن تفنى في مصلحة العموم مصلحة الذات و يضحي هذه لأجل تلك.

إن الوطنية أن يشقى الإنسان ليسعد وطنه، ويذل ليعز، و يفقر ليستغنى، و يموت ليحيى هذا الوطن .

تلك هي الوطنية التي على أساسها تشيد دعائم العمران إذا نفخ روحها في الشعب و غذى  بها جسم الأمة و ما عداها فدعاوى فارغة، لاحظ لها من الوطنية إلا ما للزبد من المنفعة.

الوطني لا يبالي إذا خدم وطنه إن أصيب في ماله أو نفسه أو عرضه لأجله، بل لا يزيده ذلك إلا تنشيطا و تشجيعا و إقداما و ثباتا و تجلدا لما يعلم من أنه ما أصيب بما أصيب به إلا لإصابته شاكلة الرأي وكبد الحقيقة، فما دام لم يمس بشيء لأجله فما زال لم يعترف بوجوده و لا بشيء من الأثر في عمله و أي شيء ألذ من نجاحه في عمله، هذه نفسية الوطني الحقيقي، و أنى لنا نحن من مثل هذا الصدق   و الوفاء !.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى