الكلكتابات فكرية

ليبيا والحل السياسي

بإعلان أطراف الصراع في الداخل الليبي عن وقف إطلاق النار، وتهيئة البلاد لفعل سياسي عقلاني من المزمع أن يفضي إلى انتخابات رئاسية ونيابية، تكون الأزمة الليبية على مشارف الحل السياسي بعد نحو عشر سنوات من الاقتتال الدامي، وانقسام المجتمع، وتراجع دور مؤسسات الدولة، وانهيار خدماتها، مع تصاعد الأزمة الاقتصادية ومستويات الفقر بسبب تراجع إيرادات النفط ، واستحواذ المليشيات المسلحة المدعومة خارجيا على النصيب الأكبر من صادراته وعائداته.

وإذا كان من المبكر التفاؤل بمصير التفاهمات الأخيرة المعلنة من طرابلس وطبرق، وما صاحبها من ترحيب دولي وإقليمي، فإن المهم في هذا الحدث، أن معالم الحل السياسي باتت متاحة ومتوافق عليها، ما لم يتفجر الخلاف مجددا حول تفاصيلها، الأمر الذي يحتم على القوى الفاعلة في الداخل الليبي العمل الحثيث على دعم التوافق السياسي، واقتناص هذه الفرصة التي تأخرت كثيرا، وتفادي السيناريوهات الكارثية المحتمل حدوثها، بفعل الصراع الإقليمي والدولي حول تقاسم والنفوذ والمصالح في بلد يربض على بحيرة من النفط.

فالأزمة الليبية مثلها مثل بقية الأزمات في منطقتنا العربية التي شهدت ما يعرف بالربيع العربي، وما تلاه من ثورات مضادة أدت إلى التفكك والانقسام والفوضى، ما جعلها في حالة انكشاف خطير، فاقم من حدته حالة الصراع المسلح المدعوم خارجيا، وما أفضى إليه من تمكين دول العدوان والاحتلال من المواقع الاستراتيجية في كل من سوريا واليمن وليبيا، بما فيها مصافي وموانئ النفط.

وقد تابعنا، كيف أن القوى الدولية والإقليمية سارعت في الفترة الأخيرة إلى تأمين نفوذها ومصالحها في ليبيا، فجعلت من هذا البلد العربي مسرحا للتدخل العسكري المباشر، وللتلويح بالمزيد منه، وسط تهافت الأطراف الداخلية على استجلاب الغزو الخارجي، نكاية ببعضها البعض. وندرك جيدا أنه لولا أن الأطراف الخارجية وجدت نفسها في حالة المواجهة المباشرة، لما أمكن للتفاهمات الأخيرة أن ترى النور.

وهكذا، فإن التوازنات الدولية من حول ليبيا، تشكل اليوم ضمانا مهما لإعادة الاستقرار واستئناف بناء الدولة الليبية تحت إدارة موحدة، بينما الضمان الأكبر رهن الأطراف السياسية المتصارعة، وما تتطلبه الحلول السياسية من تنازلات لبعضها البعض، بعد أن كادت أن تبيع كل شيء للدول الطامعة والمتربصة. فإذا توفرت هذه الإرادة، وأمكن للمصالحة الوطنية أن تغدو واقعا معاشا، نكون أمام جملة من العوامل التي تسمح لصوت العقل أن يعمل من جديد، فيكون الفاعل الأهم والأول في تقرير مصير ليبيا حاضرا ومستقبلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى