في مواجهة الأرهاب… الحل الأمني لايكفي وحده.
في مواجهة الإرهاب
الحل الأمني لا يكفي وحده.
د. أحمد صالح النهمي
الإرهابي.. لم ينزل إلينا من كوكب الفضاء محملا بأفكاره العدائية تجاه مخالفيه، ولم تحوله حرارة الطقس بين عشية وضحاها من شخص معتدل إلى متطرف إرهابي ولكنه ضحية ثقافة دينية متطرفة ، وفكر ظلامي متخلف زرعته في عقله وفكره قوى متخلفة تحتكر زورا وبهتانا فهم النص الديني وتفسيره، وثقافة استبدادية غاشمة يحرسها نظام سياسي قاهر ويعمل على تغذية كلا الثقافتين وحمايتهما قوى استعمارية ومراكز نفوذ دولية تعمل على إنتاج هذه القنابل البشرية الموقوتة.
لا يمكن قراءة المشهد العربي الذي يعصف به الإرهاب في العراق وسوريا ومصر واليمن ولبنان إلى كثير من الدول الأخرى بمعزل عن غياب الديمقراطية الحقيقية وممارسة ثقافة العنف والإقصاء وفرض الاستبداد بأشكاله وصوره المختلفة من جهة، وسعي الدول التي تخشى من نجاح الديمقراطية في البلدان العربية إلى نشر ثقافة الإرهاب، وتغذية جماعاته، وإرباك المشهد في هذه الدول، وتأتي السعودية كمصدر لإيديولوجيات دينية، يسميها البعض “الإسلام النفطي”، في صدارة الدول التي تغذي الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي، وتدعمها بشكل غير مباشر، وأحيانا بشكل مباشر كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق، وقبل ذلك في أفغانستان والشيشان.
إن مواجهة قوى الإرهاب مكلفة جدا ولها تداعيات مستقبلية خطيرة لكنها تغدو شرا لا بد منه عندما يتمادى المتطرفون ويعيثون في الأرض فسادا، فيستحلون دماء الأبرياء بتفجير المساجد والكنائس وقطع الطرقات وترويع الآمنين والإضرار بمصالح الناس واقتصاد الدول، ورحم الله الإمام علي كرم الله وجهه، فقد تعاطى مع الخارجين عليه على مبدأ :”إن سكتوا تركناهم، وإن تكلموا حاججناهم، وإن أفسدوا قاتلناهم” وعندما أفسد الخوارج وأعرضوا عن الحوار وأحدثوا قتلا في الناس وتنكيلا قاتلهم في النهروان وفي غيرها، بيد أن الحل الأمني يحتاج إلى خطوات أخرى تتكامل فيما بينها لتشكل استراتيجية موحدة على طريق مواجهة التطرف والإرهاب وأهم هذه الخطوات من وجهة نظر الكاتب خطوتان رئيستان، تبدأ الخطوة الأولى بتجفيف منابع ثقافة الإرهاب وكشف القوى الخارجية والداخلية التي تعمل على رعايتها وتمويلها وتشكل الغطاء الإعلامي لها، وإصلاح المؤسسات التعليمية وإشراف الدولة المباشر على كل أشكال التعليم سواء في المدارس والجامعات أو في المساجد والزوايا بحيث تعمل هذه المؤسسات التعليمية على تعزيز ثقافة حب الحياة وقبول الآخر واحترام حريته التي لا تضر بمصالح الآخرين ونشر مبادئ التسامح والحق والخير والجمال…وغيرها .
أما الخطوة الثانية فتتمثل في إصلاح الأنظمة السائدة بحيث تتحول شكلا ومضمونا إلى أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم في التعبير عن أفكارهم بوسائل سلمية وتشكيل كياناتهم السياسية والفكرية والمدنية، أنظمة تجسد عمليا مبدأ التداول السلمي للسلطة وتشجع الجماهير على المشاركة الإيجابية في اختيار ممثليهم في السلطات التشريعية والتنفيذية وتعمل على توفير فرص العمل والقضاء على البطالة وفتح أبواب المنافسة على الوظيفة العامة بين المتقدمين وفقا لمبدأ الكفاءة بعيدا عن المحسوبيات والرشاوى والتعصبات بمختلف أشكالها .
هاتان خطوتان رئيستان لا بد أن يسيرا جنبا إلى جنب مع خطوة الحل الأمني، وبدونهما فإن النجاحات التي تحققها الأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهاب مهما بلغت لن تقضي على هذه الجماعات وفي أحسن الأحوال ستخمد أنفاسها لفترة زمنية محددة، وسرعان ما ستعيد هذه الجماعات تنظيم نفسها وإعادة ترتيب صفوفها لتظهر من جديد في أكثر من صورة وعلى أكثر من شكل ولون .