في رحاب الذكرى
ماكُنّا ندْري أنَّ للغيابِ حضوراً، وحضوراً مُدويّاً كما شعرنا به بِفَقْدِنا للعلامة المجتهد والمفكر الاسلامي والمرجع المجدِّد إبراهيم بن علي الوزير منذُ عامين ٍ، كان الفَقْدُ فجيعةً لنا جميعاً. ألمُ الفراقِ هزَّنا وصدَمَنا، وأشعَرَنا ببردٍ مُؤلمٍ وحزنٍ لا أظنُّ أنَّ الأيامَ القادمةَ ستحمِلُ لنا ما يُحزنُنا ويُؤلمُنا أكثرَ ممّا أحزنَنا وآلمَنا حَدَثُ غيابِه.. ومنَ اللطفِ الإلهيِّ أنَّ حضورَهُ الطاغي خفَّفَ عنّا ألمَ الغيابْ، هذا الحضورُ الّذي شعرتُ أنّي شخصياً محاطٌ بهِ، وهو ما شعرَ ويشعرُ به الكثيرُ من جمهورِهِ ومحبّيه، القريبين والبعيدين، حتى اتُّهمْنا بأنّنا لسنا واقعيين ولم نتقبّلْ المُصاب… ـ غابَُ، لكنّنا ما زلنا نشعرُ بحيويّتِهِ، نشعرُ بفضائِهِ، نجدُهُ حاضراً في كلّ ما نفكِّر فيه، في أمالنا وطموحاتِنا.. يجيبُ عن أسئلتِنا إذا أعيتْنا المسائلُ.. نتسلّحُ بصبرِهِ إذا واجهتْنا المصاعبُ.. نستعيرُ من جرأتِهِ إذا ما واجهتْنا التحديات، نَتَسلَّحُ بفكرِهِ الوقّادِ لِدخول الساحاتِ العصيّةِ على الاخْتراق.. ـ غبت سيديُ وتركتَ لنا زاداً معرفياً وفيراً، ورصيداً جهادياً حاراً، وإرثاً روحياً وإيمانياً لايَنْضَبُ.. ـ غاب المولى ابراهيم وتركَ لنا فيضاً مِنَ العاطفةِ دفّاقاً يملأُ قلوبَنا، يغمرُها دِفئاً وحناناً. والأهَمُّ من ذلكَ كلِّهِ أنَّهُ تركَ لنا نهجاً، وتركَ لنا أسلوباً. لم يفكِّرْ عنّا بل علّمنا كيف نُفكِّر.. وكيف نُحاور.. وكيف نَنْقُد.. وكيف نُواجِه.. وكيف نَصْمُد.. ـ غادرَ السيد العلامه ُابراهيم الوزير ولم يترُكْ محبّيهِ حائرينَ، عُزّلاً من أيِّ عُدَّةٍ معرفيةٍ وروحيةٍ واجْتماعيةٍ وسياسية.. لهذا كلِّهِ، نشعرُ بحضورِه القويِّ رَغم غيابِهِ المؤلم… أيّها الأحبة.. إسمحوا لي أنْ أُخاطبَهُ بِلغةِ الابْنِ، مَعِ اعتذاري مِنْ كلِّ الذين يَشعرونَ أن سيدي ومولاي ابراهيمَ هو أبٌ للجميعِ دونَ اسْتثناءٍ، وهو كان كذلك. أُخاطبُهُ لأقولَ له: سيدي ووالدي الحبيبْ.. قد لا يتَّسِعُ المقامُ لِسردِ ذكرياتِ الرسالةِ والدربِ، الذي شرفني اللَّهُ بأن اكون احد تلاميذكَ والذين نهلوا من معينِ علمِكَ ورعايتِكَ وتربيتِك. فإذا سُئِلتُ عما كان يَشْغَلُ بالَك سأُخبرُهُمْ بأنَّ الأمةَ لم تُفارقْ وجدانَكَ، فمنذ أن كنتُ طفلاً وأنا أراك مهموماً، مغموماً من ضُعف الأمةِ وجهلِها و تمزُّقِها وانقسامِها. أراكَ وأنت لا تكِلُّ ولا تَمَلُّ، عبّرت عن ذلك كتابةًً وحضوراً فاعلاً بين أقرانِكَ تتدارسُ سُبُلَ النهوضِ وحلِّ المشاكِلِ والمُعْضِلاتِ وتُقدِّمُ الأفكارَ وتُؤسِس، ونجحْتَ في بلْورةِ خطٍّ رساليٍّ حَرَكيٍّ على مستوى اليمن والعالم الإسلامي [6/7 11:26 م] ابراهيم الحمزي: لم تكْتَفِ بالتنظيرِ والتحليلِ..كنت أراك تنتقل من مناسبه إلى مناسبه مهما بعدت المسافات ِ، تربّي وتوجّهُ وتُحاضرُ وتُجيبُ عَنِ التساؤلاتِ مهما كانت، أو من أينَ أتتْ.. يا سيدي، لم تهادنْ.. لم تُساومْ.. لم تتراجعْ رُغم كلّ التهديداتِ والتهويلاتِ، ومحاولاتِ الاغتيالِ وتشويه الصورةِ، لكنَّكَ بقيْتَ أنتَ وكما بدأْتَ انتهيْتَ لم تضيِّعِ الهدفَ ولم تُلْهِكَ التفاصيلُ الجانبيةُ، بقيتَ ثابتَ الخُطى، تتسلّحُ بوضوحِ الرؤيةِ وسلامةِ الهدف.. سيّدي.. أيّها الأب المجاهدُ.. ها هي الأمةُ التي حَمَلْتَ همّها وفيّة لذكراكَ ولكلِّ إرثِكَ الغني.. في صروحِ الوعي الذي أنشأتْ، وفي كل أرض تَرَكْتَ فيها أثراً، تُنشدُ ما علّمْتَها وتحفظُ بعيونِها وقلوبِها.. تُورثُ محبتها لكَ لأولادِها وأحفادِها. نحن يا سيدي، نشهدُ حَراكاً غزيراً، ينكبُّ على إعادةِ دراسةِ فكرِكَ ومنهجِكَ وحركتِكَ وفقهِكَ، ويُدهَشون عندما يكتشفون، كأنهمْ يقرؤنك لأولِ مرةٍ: كمْ كنتَ مُستقبلياً.. ورائداً ومُجدداً.. ويُدهشُ شبابُ هذا الجيلِ وشاباتُهُ الذين لمْ يتسَنَّ لهم أن يعاصروكَ، ويُفاجاؤنَ أنك تُخاطبُهمْ بلغةِ عصرِهم وتسُدُّ لهم فراغَ حاجاتِهم للمعرفةِ الرحبةِ الأصيلةِ وتنقُلُهم إلى الفضاءِ الإنساني الواسعِ من دونِ حواجزِ الرهبةِ والموقع.. أيّها الأحبةُ، أيها الأوفياءُ.. لقد تركَ السيد العلامه المجدد إبراهيم الوزيرُ إرثاً كبيراً من الأمانةِ، تَوزَّعَ ثِقلُها على كل المحبين والمخلصين والعاملين والعلماء والمجاهدين، ممن نعرفُ وممن لا نعرفُ، وهنا تكمُنُ القيمةُ: عندما يشعرُ كلُّ إنسانٍ واعٍ أنهُ يَنْتمي إلى فكرِ إبراهيم الوزير ونهجهِ، يتبنّاهُ ويُدافعُ عنه في أيّ موقعٍ كانَ أو ضُمْنَ أي إطارٍ تموضَعَ وانتمى. لقد تركت لنا سيدي هذا الإِرثَ وقلت أكملوا المسيرةَ.. سنُكملُ المسيرةَ بإذنِ اللّه وفي كلِّ خطوةٍ نخطوها، سنلتزمُ ثوابتَ السيد المجاهد ايراهيم الوزير لإكمالِ مسيرتِهِ: ـ سنحرِصُ على الالْتزامِ بالفكرِ الإِسلامي المستنير الأصيلِ والمنفتحِ على الإِنسانِ وقضايا العصرِ، مبتعدينَ عن الغلو والتطرف والطائفية [6/7 11:26 م] ابراهيم الحمزي: سنظلُّ ننتهجُ المحبةَ رسالةً والانفتاحَ وسيلةً والحوار أسلوباً كما علمتنا أيّها الأحبة: هذا غيْضٌ من فيضِ مدرسةِ السيد المجاهد والمفكر إبراهيم بن علي الوزير المدرسةِ التي أتعبَ نفسَهُ من أجلِها. عمِلَ على بنائِها وتثبيتِ قواعدِها.. عامٌان على الفقد ويكبُرُ الحنينُ ويعظُمُ الشوق: حنينٌ الاهل والمحبين حنينٌ العلماءِ والعاملين والرساليين. حنينُ الأيتامِ والفقراءِ والمعوَّقين. ويبقى سيدي ومولاي ُ، الحنينُ إلى إشراقةِ وجهِكَ وإلى احتضانِك السخيِّ الذي أجمعَ عليه كلُّ من التقاكَ: سلاماً وسؤالاً واطْمئناناً ونظراتِ دعمٍ وتشجيعٍ.. تُقوي ما انهزم بداخلِنا.. تُعزّزُ ثقتَنا بربِّنا، وتُزيلُ عنا احباطاتِ الحياةِ وتُلملمُ لنا نُقاطَ الضوءِ ليكبُرَ الأملُ فينا.. أعطيتنا الكثيرَ والآنَ جاء دورُنا لِنتابعَ المسيرةَ.. والله المستعانُ وهو نِعمَ المولى ونعمَ النصير.. رحمَك اللَّهُ يا سيّدي، وألهمنا وألهَمَ كلَّ مُحبيكَ الصبرَ والثباتَ والقوّةَ.. نقلا عن قناة المفكر ابراهيم على التلجرام