فرنسا تدخل على خط الأزمة في اليمن وسفيرها يقود محادثات مكثفة في صنعاء
دخلت فرنسا على خط الأزمة في اليمن، من خلال إجراء محادثات في صنعاء شملت قيادات جماعة أنصار الله. وأجرى سفير فرنسا كريستيان تيستو في اليمن لقاءات عدة في العاصمة صنعاء، استهلها بلقاء مع رئيس المكتب السياسي مهدي المشاط، ويحيى الراعي رئيس البرلمان اليمني ، ووزير الخارجية في حكومة هشام شرف، وكذلك محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية. زيارات السفير الفرنسي شملت أيضاً لقاءه برئيس الحكومة في صنعاء عبد العزيز بن حبتور، ورئيس تنظيم التصحيح مجاهد القهالي.
مطالب:
وبحسب تقرير نشره “الموقع بوست” فإن مجمل تلك الشخصيات أعربت عن أملها في أن تتمكن فرنسا من لعب دور محوري في اليمن، كما ظهر خلالها تقديم وجهات نظر جديدة، حيث قدم مجاهد القهالي للسفير الفرنسي رؤيته الشاملة للحل السياسي السلمي، وأبرزها قيام مجلس الأمن باتخاذ قرار وقف إطلاق النار وفك الحصار ورفع الحظر الجوي، فيما تدعو الأمم المتحدة بعد ذلك لاجتماع كافة أطراف العمل السياسي في اليمن في بلد محايد.
وتركزت أحاديث الشخصيات التي التقى بها السفير الفرنسي في صنعاء عن الوضع الإنساني في اليمن، ومطالبة باريس بوقف مبيعات الأسلحة للتحالف العدوان على اليمن، والمطالبة بالسلام وفق التصور الذي يحمله أنصار الله والمتمثل بوقف الحرب أولاً. وقال وزير الخارجية في حكومة صنعاء إن العرض المتاح من قبل الجماعة سبق أن طرحه زعيم الحوثيين على المبعوث الأممي غريفيث، أثناء زيارته لصنعاء، وأن مسألة الانسحاب الكامل من الحديدة ومينائها ومن الساحل الغربي أمر غير وارد، لأنه بالنسبة لها مسألة حياة أو موت.
ومثلت اللقاءات مع السفير الفرنسي فرصة للحوثيين في إبداء وجهات النظر للمجتمع الدولي حول القضايا المثارة في اليمن، إذ أبدى رئيس ما يعرف بالثورية العليا محمد علي الحوثي خلال لقائه بالسفير استغرابه من تمسك المجتمع الدولي بالمبادرة الخليجية والذي يعد تناقضاً كبيراً من وجهة نظره.
وبدا واضحاً وجود انفتاح فرنسي على الحوثيين، إذ أجرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية لقاء مع زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي الذي أعلن للصحيفة، أنه مستعد لتسليم الإشراف على ميناء الحديدة الرئيسي إلى الأمم المتحدة، إذا ما أوقفت قوات الشرعية والمدعومة من التحالف. وقال الحوثي “قلنا لمبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث إننا لا نرفض دور الإشراف والدور اللوجستي الذي ترغب الأمم المتحدة في القيام به في المرفأ، لكن بشرط أن يتوقف العدوان على الحديدة”.
انفتاح فرنسي أوروبي:
وظل أنصار الله في عزلة مصطنعة من تحالف الحرب على اليمن تحت صمت دولي مطبق من التواصل مع السفراء الأجانب المعتمدين لدى اليمن، خلال السنوات الثلاث الماضية من اندلاع الحرب في اليمن، حيث فرض تحالف العدوان عزلة عليهم في التواصل مع السفارات الخارجية والمجتمع الدولي، لكن مؤخراً ظهر ما يشبه الانفتاح الأوروبي على الحوثيين في صنعاء.
وسبقت زيارة السفير الفرنسي، زيارات لكل من أنطونيا كالفو بويرتا رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن مطلع الشهر الماضي، إضافة للمبعوث الخاص لوزارة الخارجية السويدية إلى اليمن وليبيا السفير بيتر سيمنبي، ناهيك عن الزيارات المستمرة للمبعوث الأممي، ومديري برامج الأمم المتحدة في صنعاء.
وزودت فرنسا تحالف الحرب على اليمن بالأسلحة عبر صفقات السلاح التي اشترتها مؤخراً كل من السعودية والإمارات، وأثارت لاحقاً جدلاً واسعاً لدى أنصار حقوق الإنسان الذين اتهموا التحالف بإساءة استخدامها، كما نظمت فرنسا مؤتمراً للأعمال الإنسانية في باريس الشهر الماضي، وكان ذلك المؤتمر محط جدل من قبل منظمات إنسانية كثيرة، واتهمت فرنسا بالتواطؤ مع التحالف في الحرب التي يشنها في اليمن.
تساؤلات:
وبعثت زيارة السفير الفرنسي لصنعاء العديد من التساؤلات حول طبيعتها، خاصة مع موقف باريس المساند للتحالف العربي منذ اندلاع الحرب، كما أنها أوحت بوجود انفتاح واضح في العلاقة مع الحوثيين .
ولم يسفر عن الجانب الفرنسي أي تصريحات عن طبيعة تلك الزيارة، لكن الإعلام التابع لصنعاء نقل عن السفير الفرنسي قوله إن الزيارة تأتي لتوضيح موقف باريس تجاه القضية اليمنية، الذي يرتكز على إيمانها بأنه لا حل عسكريّاً للأزمة اليمنية، وأن عملية التفاوض السياسي باتجاه حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع هي المخرج الحقيقي لليمن. ولفت السفير الفرنسي خلال لقائه بن حبتور إلى أهمية انخراط جميع الأطراف في مفاوضات مباشرة باعتبار أنه لا يمكن أن تكون عملية السلام ما لم تكن هناك مفاوضات والتقاء مباشر بين مختلف الأطراف.
وتأتي هذه الزيارة في ظل تواصل للحوثيين مع القوى الدولية، وقالت وكالة “سبأ” في صنعاء إن رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط بعث برسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالبه فيها بالتحرك ولعب دور مؤثر لوقف ما وصفه بالعدوان وفك الحصار عن الشعب اليمني والعمل على إنجاز تسوية سياسية عادلة وشاملة تحقق تطلعات الشعب اليمني وتضمن الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة برمتها.
ضغوط:
على الصعيد الموازي تواصلت لقاءات سفراء أجانب في العاصمة السعودية الرياض مع رئيس حكومة هادي ، أحمد عبيد بن دغر الذي عاد إلى الرياض الأسبوع الماضي قادما من عدن التي يتواجد فيها هادي.
وكان هادي كلف لجنة وزارية برئاسة بن دغر لدراسةَ المقترحات التي قدمها غريفيث، التي تتضمن الإطار العام الذي يحاول أن يجعله أساساً توافقياً لعودة المفاوضات بين الشرعية والانقلابيين الحوثيين، وذلك عقب لقاء هادي بالمبعوث الأممي، ومنذ تكليف اللجنة لم يسفر عنها أي شيء. وأجرى المبعوث الأممي سلسلة لقاءات مؤخرا مع الأطراف اليمنية تمكنت من إيقاف التطورات العسكرية في محافظة الحديدة.
ولم تعرف بعد طبيعة التصور الذي قدمه المبعوث الأممي، فيما لا تزال حالة الافتراق واضحة بين أنصار الله وبين حكومة هادي، إذ يطالب الأخير بالاستناد إلى المرجعيات الدولية الثلاث (المبادرة الخليجية، والقرار الأممي 2216، ومخرجات الحوار الوطني)، بينما يرفض أنصار الله تلك المرجعيات.