اخبار محليةالكل

(رحلة إلى سوق الصلبة )

             بقلم / عادل شلي

يروي صاحب كتاب نشر العرف في اخبار نبلاء اليمن  بعد الألف .

قصة النهاية المأساوية التي تعرض لها هذا السوق الشهير ومدينة الصلبة .

– بدأت الرحلة في السادسة صباحا ولم نصل إلا هدفنا إلا في الساعة التاسعة .

طوال الطريق وانا أتخيل قوافل التجارة القادمة من ميناء اللحية وفيها من كل ماتهفوا اليه الأنفس .

والقوافل المحملة بالبن من وديان محافظة حجة ورائحة البن تعبق في الإرجاء تكاد رائحته الزكية التي تتسلل من على ظهور الجمال أن تغني عن صناعة قهوته وارتشافه

ولكنها تضاعف شوق الناس إليه .

أتخيل قوافلا لايستطيع الناس إحصاء عدد جمالها واحمالها.

– يقول المؤرخون أن المحطوري صاحب الفنجان دمر هو ومجاذيبه سوق الصلبة ولم يكتفي بتدميره وإنما قام باحراقه.

كان هذا في عام 1111هجري

مما يعني أنه دمر واحرق البنية التحتية والمقومات التي تفاعلت مع بعضها البعض لاكثر من قرن من الزمن على أقل تقدير .

عندما يذهب في غمضة عين تراكم عشرات السنين تشعر بحجم المأساة واختلال كفة معادلة ميزان بناء الحضارة لصالح قوى الهدم والدمار.

مهبول اعمى يجمع حوله مجموعة من المجاذيب ليقوم على حين غرة من ألف عمار وألف حارس والف بناء والف تاجر وووالخ من ادوات البناء بهدم كل شئ.

– اتجهنا إلى الصلبة من مغربة بينين والتي تعتبر تصحيف لمصطلح بانيان الذي أطلق على التجار الأجانب والهنود على وجه الخصوص.

وتصعد عبر طريق ترابي إلى بساط أخضر طرزت سندس جماله الخلاب سنابل واعذاق الذرة والدخن والدجرة ولكشري وأشجار القوع والتمار

انتعش ارواحنا لرؤية هذا البساط الأخضر وتنفسنا هواء نقي وامتلئت ارواحنا برائحة الحقول .

صعدنا إلى منطقة أعلى من ذلك السفح الذي يصعد من الوادي بإتجاه الشمال بامتداد واسع من الشرق للغرب.

صعدنا إلى سطح خزان الماء الخاص بمنطقة صلبة عبر سلم حديدي وخاطرنا بالصعود رغم اهتزاز درجاته.لكي نشاهد منظر البساط الأخضر من اعلى نقطة .

ثم نزلنا لنتوجه لالتقاط الصور وخلفنا السفح الأخضر المطرز بالأشجار الخضراء وأكواز الدخن والذرة .

لكي نلتقط صورة على تلك الخلفية لم نتردد عن السير إلى المنطقة التي تقع تحت الخزان والاشواك التي تغطيها.

  أصدر المحطوري الساحر أوامره لمجاذيبه القتلة بذبح البانيان فذبحوا أكثر من 70 منهم مما يرجح أن عدد التجار الأجانب الذين استوطنوا مدينة الصلبة كان أكثر من ذلك .

فهل كان بينه وبينهم خصومة سابقة أكاد أجزم انه حتى لايعرفهم وإنما هو يشعر أنه يجسد البداوة في ادنة صورها حتى لو تورى خلف الدين وسوق الصلبة وتجاره الملاعين يمثلون المدنية في أقصى صورها.

الصراع بين العمران والترحال وبيت الشعر والتقدم والتخلف والعمل والإنتاج والغزو والسلب والنهب .

يتواطأ العقل البدوي ضد المدنية ولايتورع عن إقحام الدين ولايجد حرجا من استخدام السحر .

حيث يروي المؤرخين أن المحطوري الساحر كان يعمل لاتباعه المجاذيب تمائم تصرف عنهم الرصاص وتشحن طاقتهم وعقولهم للهدم والتخريب والقتل .

لا يحتاج أي ساحر أو محتال إلا إلى مجموعة من المهووسين ليدمر المدنية والحضارة وما أكثرهم .

– كانت الخطة أن نتناول طعام الفطور تحت شجرة التامور المعمرة بالصلبة .

ولكن تم استبدالها بالتبة التي فوق بركة الحاج عبده دليل .

– توجهنا بعد الإفطار إلى البركة التاريخية الفريدة التي يرجح الأهالي انها تعود للقرون الأولى للهجرة واظن انا انها شيدت بالتزامن مع فترة انشاء السوق وهو القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر.

– شيدت البركة على أرض مستوية  باسفل المنحدر الصخري القادم قلعة حميد وبيت الحاكم في الغرب والجنوب.

وهي على شكل دائري وتبلغ استدارة قطرها حوالي 75 متر تقريبا.

وعمقها حوالي  15 متر تقريبا حسب إفادة الأهالي .

لها حامية شمالية معرضة للخراب اذا لم يتم تداركها بشكل عاجل ولها حامبتات من جهة الجنوب الغربي وذلك للتخفيف من حدة انخدار السيول وللحيلولة دون كبس البركة بالتراب تم مضاعفة مشناتها إلى 3 .

للبركة بابان من الشمال وهناك مبنيان ملاصقان لها من الشرق احدهما لحارس البركة والآخر لضريح بانيها الحاج عبده دليل .

تكفل بالمرأجعة لاصلاحها الاستاذ أحمد الضلعي قائد رحاتنا الذي يدعوه أغلب أبناء الصلبة بلقب الشيخ أحمد .

والذي أفتى العقدين الأخيرين من عمره من أجل توفير المصالح لأبناء العزلة فهو وراء مشروع المياه ورص الطريق ومشروع المياه.

وكان برفقتنا الشيخ مهيوب سراع مدير عام مديرية الشغادرة الشاب الخدوم والمحبوب من أغلب أبناء المديرية .

والإعلام المتألق عبدالسلام الاعور

والشاب  المتميز راجح عادل.

– كانت خطتنا أن نمر على سوق الصلبة ثم نتوجه إلى قلعة حميد ثم مركز المديرية.

– مررنا بجوار شجرة التامور المعمرة التي قد نشرنا عنها في وقت سابق …ولكن هل شهدت زمن ازدهار الصلبة وسوقها الشهير ولحظة خرابه ودماره واحراقه.

دخلنا إلى السوق من جوار مقبرة السالمية وانا اسئل نفسي هل تم دفن ضحايا المأساة في هذه المقبرة والذين يقدر عددهم بحوالي 200 من المسلمين و 70 من البانيان .

مررنا بجوار المجلاب والمجزرة حتى وصلنا إلى الباب الشمالي والمسمى باب النوبة والاسم مشتق من المناوبة وشاهدنا ابراج الحراسة التي تقع بجواره ومخازن السلاح وقال أحد رفاق الرحلة أين ذهبت هذه الأبراج والاحتياطات الأمنية وكيف تمكن مجاذيب الساحر من دخول السوق وذبح الكثير من تجاره وتدمير كل حوانيته ومبانيه وإحراقها

– زمررنا من الخط الذي شق السوق إلى نصفين وكأنه لم يكتفي الدهر بتدمير هذا السوق مرة واحدة وإنما قام مجاذيب جدد باسم التنمية وقاموا بشق الطريق من وسط السوق .

وهي طريق مهملة ربما أمل من شقها من وسط السوق بانها ستسهم في احيائه دون أن يدري انه ساهم في تحويل السوق إلى ضحية للسيول وماتبقى من آثار السوق إلى ضحية .

ظللنا تطوف في السوق حتى اقترب الظهر غير مبالين بالشمس والنباتات الشوكية التي نمت في كل مكان فيه

– يعتبر السوق من أكبر الأسواق حيث يمتد من الشرق للغرب بمساحة تقدر ب200 متر تقريبا ومن الشمال للجنوب بحوالي 20 متر تقريبا .

أقرب وصف للسوق

بدأنا من جهة الشمال حيث  باب النوبة ويقع فيه نوب الحراسة وأبراج مرتفعة مبنية بأحجار صلبة كبيرة ملبسة بمادة القضاض.

ويوجد إلى الشرق من البوابة الشمالية المجلاب الخاص بالمواشي

ويتكون الجزء الشمالي المحيط بباب النوبة من النوب ومخازن الأسلحة والخطوط الدفاعية.

 ومن أهم مايميزه أن من يدخل من البوابة يعبر  إلى ساحة ثم يعبر منها عبر ممر ضيق لايسمح إلا بمرور شخص واحد .

وتعلوه نوبة ارتفاعها أكثر من 4 دور لمراقبة الساحة والمدخل والمخازن.

– الباب الشرقي ويقع في الجهة الشرقية من السوق وهو الذي يفضي لداخل السوق مباشرة .

وتوجد فيه شوارع السوق المختلفة شارع الزبيب والقماش والحبوب والبن والقشر والحبال والقاز وووالخ

– الباب الجنوبي

ويقع أعلى السوق في الجهة الجنوبية ويقوم فيه مبنى الجمرك وملحقاته المكونة من الساحة الخاصة بالجمالة وتقع شمال الجمرك ومرابط الجمال التي تقع شرق الجمرك والخدمات مثل إلمقهى وسمسرة المبيت والطعام .

وأعلى الجمرك باتجاه بيت الحاكم تقع البركة الخاصة بالسوق .

ومن جهة الغرب يقع جامع السوق وهو مكون من جامع مخصص للرجال وجامع للنساء كما يصف دليل رحلتنا الشيخ أحمد الضلعي ،  وأمام الجامع بركة بديعة وفيها حمامات مفتوحة وحمامات مغطاة بسواتر..

– لم يسلم السوق من غزوات مجاذيب الكنوز  الليلية رغم الاجراءات الصارمة التي يفرضها سكان الصلبة ،  وعدم بناء الأهالي في خراب السوق والسطو على أحجاره يعود  للشيخ أحمد الضلعي مدير المدن التاريخية وشيخ المنطقة هو منع الأهالي من البناء في خراب السوق أو بيعه أو أخذ احجاره.

وكأنه يحلم باليوم الذي يتم فيه ترميم السوق وإعادة بعث الحياة اليه.

فهل أن الأوان لبعث الحياة لسوق الصلبة التاريخي ، ام ان لعنة الساحر تطارده لقرون طويلة…!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى