تقرير : حراك سياسي يتزامن مع زيارة فريق خبراء الأمم المتحدة للسجون الإماراتية في اليمن
بالتزامن مع زيارة وفد من فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن الانتهاكات في اليمن، شهدت مدينة عدن حراكاً سياسياً توجهت معه الأضواء مجدداً إلى السجون السرية التابعة للإمارات والقوات التي تشرف عليها، عقب التقارير التي تحدثت عن انتهاكات فظيعة في حق السجناء، وذلك في ظل الأزمة بين أبو ظبي وحكومة هادي ، التي تسعى لإخضاع مختلف الجهات الأمنية إلى دوائر رسمية تحت سلطتها. وتصاعدت الأزمة، مع تصريح أطلقه نائب وزير الداخلية اليمني، اللواء علي ناصر لخشع، من داخل سجن “بئر أحمد” سيئ السمعة، تضمن نفياً للأنباء التي تتحدث عن وجود سجون سرية غير خاضعة لحكومة هادي في اليمن. وتعرض المسؤول اليمني إلى انتقادات حادة عقب التصريح، ما دفعه إلى إصدار بيان توضيحي، تراجع فيه عن النفي في وقت سبق، إلى التأكيد بوجود السجون. وقال إن “الإصلاحيات التي لم تكن حكومة هادي تسيطر عليها، ها هي اليوم باتت تحت سيطرة وإشراف وزارة الداخلية”.
وعقب يوم واحد من تصريحات لخشع التي لاقت استنكاراً واسعاً ودفعت أهالي معتقلين إلى تنظيم وقفة احتجاجية، تم خلالها رفع لافتات منددة بالتصريح، جاء التصريح رسمياً من وزير الداخلية، أحمد الميسري، وأكد خلاله ضمناً أن الإمارات لا تزال تدير سجوناً خارجة عن سلطة الحكومة الشرعية، إذ أرسلت أبو ظبي، وفي سابقة مثيرة، وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي، ريم الهاشمي، إلى عدن، يوم الاثنين الماضي، لإجراء مباحثات مع المسؤولين اليمنيين، سعت من خلالها إلى احتواء الأزمة، لكن الوزير فاجأها بالتأكيد، خلال اللقاء، على “ضرورة إغلاق السجون والعمل على خضوعها للنيابة والقضاء، واستكمال معالجة ما تبقى من أمور وإشكاليات في هذا الملف”. ومع احتدام الأزمة حول السجون السرية، اضطر وزير الداخلية، مجدداً، أول من أمس، إلى إصدار بيان، يستدرك فيه التصريح السابق، على ما بدا أنه استجابة لضغوط سياسية، إذ قال إن “جميع السجون المركزية في المحافظات التي يسيطر عليها التحالف باتت حالياً تحت السلطة المباشرة للنائب العام ومن يمثله وتحت إدارة مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية، ولم يعد لأي جهة أخرى أي سلطة أو تدخل في هذا الملف بأي شكل من الأشكال”، لافتاً إلى أنه “لم يعد هناك أي سجون بعد اليوم خارج سلطات النيابة والقضاء ووزارة الداخلية”.
وجاءت التطورات، بالتزامن مع زيارة فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة برئاسة أحمد حميش، إلى عدن، حيث يتواجد في المدينة منذ أيام، واستمع إلى شهادات من أطراف وشخصيات مختلفة، حول الوضع الإنساني والانتهاكات لحقوق الإنسان، بما فيها ما يتعلق بالاعتقالات خارج القانون والانتهاكات في السجون. وأكدت مصادر محلية وأقارب سجناء، أن القوات الموالية للإمارات، أفرجت خلال الأيام الماضية عن العشرات من المعتقلين، بمن فيهم مخفيون قسرياً لما يزيد عن عام، في ظل وعود بالإفراج عن بقية المعتقلين، والذين يتوزعون، بالعشرات أو المئات، على عدد من المعتقلات، كانت العديد منها خارجة عن سلطة الشرعية والأجهزة الحكومية التابعة لوزارة الداخلية. وقالت نجاة (قريبة اثنين من المعتقلين)، إنه تم الإفراج عن أحد أقاربها الذي كان اعتقل منذ ما يقرب من عامين، من دون توجيه أي اتهام له، وما يزال قريب آخر، جرى اعتقاله منذ أشهر، في سجون “قوات الحزام الأمني”، وتلقت أسرته، وعوداً بالإفراج عنه في دفعات مقبلة، بعد أن وجهت وزارة الداخلية دعوة لكل من لديه معتقل بأن يقدم معلوماته إلى الجهات الرسمية لمتابعة قضيته.
وعلى الرغم من التأكيدات الرسمية، والتي عززها أقارب معتقلين، بتسليم الإمارات الإشراف على عدد من السجون لقوات حكومة هادي والنيابة التابعة لها، خلال الأسابيع الماضية، وعلى ضوء التفاهمات التي أبرمتها الحكومة اليمنية مع أبوظبي خلال الشهرين الماضيين، إلا أن تصريحات وزير الداخلية اليمني، واجهت تعليقات بالتشكيك في أن تكون أبوظبي بالفعل قد قامت بتسليم الإشراف على مختلف السجون للقوات الحكومية، خصوصاً أن الوزير نفسه، أكد في تصريح الاثنين الماضي، على أهمية إغلاق هذه السجون وإخضاعها للنيابة. ومنذ شهور طويلة، تحدثت العديد من التقارير عن سجون سرية تديرها الإمارات في اليمن عبر قواتها والأذرع الأمنية المدعومة منها، “الحزام الأمني”، و”النخبة الحضرمية”، و”النخبة الشبوانية”. وكان أحدثها وأفظعها من حيث التفاصيل الصادمة، التقرير الذي نشرته وكالة “أسوشييتد برس” عن التعذيب الذي تعرض له معتقلون في سجن “بئر أحمد” بعدن، وعن ممارسة صنوف التعذيب، بما في ذلك الاعتداء جنسياً على المعتقلين، على نحو قدم المعتقل كما لو أنه معتقل “أبو غريب” اليمني، الأمر الذي أثار موجة سخط ضد الممارسات الإماراتية، ترافقت مع سعي الأخيرة إلى معالجة الملف من خلال تسليمها للمعتقلات أو بعضها إلى حكومة هادي، في ظل المعارضة المتزايدة التي واجهتها أبوظبي في الشهور الماضية، بما في ذلك، أزمة الخلافات العلنية مع حكومة هادي.