إبراهيم بن على الوزيرالكل

بدلاً من التيه ( 2 ) .. دراسة وتحليل

والذي تناول فيها المفكر الأستاذ  إبراهيم الوزير بالدراسة والتحليل القضية اليمنية و حدد المشكلة اليمنية في صورتها المتكاملة في القرن العشرين على حقيقتها وفصل بدراسة منهجية أبعادها البعيدة والقريبة لتكن من ثم الصورة محددة واضحة ترسم طريق الخلاص والعلاج الحقيقي لمرض موجود لا موهوم ، وبذلك نتجنب الانحراف والخطأ المميت ، ونقل الفكرة الصائبة إلى واقعنا المعاش في الطريق نحو الخير والحق والعدل والسلم وبالاختصار إلى حضارة إنسانية خيرة… فإلى رؤية هذا الواقع في بداية تخلقه ونموه إلى اكتماله لتتضح الرؤية خلال غيوم التاريخ وروافده..!

تشخيص- وتحديد

 بعد استعراضنا الموجز وبعد تأكيدنا لأهمية المنطلق… أهمية البداية… الإنسان والطريق إليه… حتمية تشخيص الواقع على حقيقته ومن ثم وسائل التغيير… أهمية المفهوم الفكري ومدى فعاليته… خطورة الانحراف .. قاعدة التغيير ، نحو الأحسن أو الأسوأ.. نود هنا أن نحدد المشكلة اليمنية في صورتها المتكاملة في القرن العشرين على حقيقتها وسنفصل بدراسة منهجية أبعادها البعيدة والقريبة لتكن من ثم الصورة محددة واضحة ترسم طريق الخلاص والعلاج الحقيقي لمرض موجود لا موهوم ، وبذلك نتجنب الانحراف والخطأ المميت ، وننقل الفكرة الصائبة إلى واقعنا المعاش في الطريق نحو الخير والحق والعدل والسلم وبالاختصار إلى حضارة إنسانية خيرة… فإلى رؤية هذا الواقع في بداية تخلقه ونموه إلى اكتماله لتتضح الرؤية خلال غيوم التاريخ وروافده..!

 

درس من التاريخ: 

من البداية يجب أن نرى حاضرنا الحزين الذي أجهض به ماض حمل المأساة والتخلف ولنرى الروافد السحيقة التي أمدته عبر السنين والأجيال ، وكيف أتيح لها أن تكون من العوامل ذات الفاعلية في مكوناته وبقائه ، وإذا كان نور الحق يضيء بقوة في فترات خلال تلك الأجيال البعيدة ، فإن قوى الشر والظلام لا تلبث أن تحجبه لفترات طويلة بمقادير مختلفة من الوحشية والقسوة ، ولكن الحق كان –طال الزمن أم قصر – لا يلبث أيضاً – للعوامل المهيئة له سبيل الفعالية والظهور- أن يظهر متألقاً بالخير ، مضيئاً للطريق … وسيصمد الحق ما بقي مؤمنون به. ومع ذلك فإذا أردنا أن نرى بوضوح نقطة بدء انحدار اليمن من مكانتها الحضارية العالمية إلى الانحسار المحلي المحدود ، ونرى أيضاً عاملاً من العوامل التاريخية البعيدة يشكل جزءاً من العوامل المتعددة للمشكلة اليوم – فسنجد أنه إبان حضارتنا القديمة التي احتلت بلادنا بها مكانة عالمية مرموقة أسالت لعاب الطامعين رافق ذلك أسباب التردي النفسي للأمة الذي أدى إلى ذلك الانحدار وعليه فإن نقطة بدايته تتحدد بــ:-

 

1_التردي النفسي (( وهو تغيير ما بالنفس نحو الأسوأ)) لقد بلغت بلادنا أوج حضارتها المعنوية والمادية في العصور الغابرة… فالحكم ((شورى)) تلوح منه – كما أكد ذلك التاريخ – الأنظمة النيابية ، ولقد سجل ((القرآن)) لهذه الحضارة محاورة ((شوروية)) بين الملكة ((بلقيس)) وبين الملأ .. مجلس الشعب أكدت فيها بلقيس الشورى بالقول الخالد:( م مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ )(٣٢)’ [سورة النمل]

 

ووصف القرآن تلك الحضارة في شمولها بأنها: (( )َأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ٌ (٢٣)’ [سورة النمل]) وفي المجال الزراعي وصف ذلك التقدم بأنه آية: ( لقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور).(سورة سبأ : 15) وفي المجال العسكري ما ورد على لسان الملأ: ( نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد).(النمل:33) وفي العمران والمواصلات ما سجله الوحي وهو يعد نعم الله عليهم عمراناً متصلاً وضبطاً دقيقاً للسير وتقديراً له وأياماً وليالي تحمل الأمن والسلام: ( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدرنا فيها السير ، سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) وبدأ الانهيار ! بالإعراض عن الحق إلى الباطل..! بالكفر بمعطيات الحقيقة والإيمان بمعطيات الخرافة..! بإهمال أسباب الحياة الخيرة.. بذلك: ظلموا أنفسهم.. فكان التغيير ولكن نحو الأسوأ وأدال الله منهم إلى غيرهم.. سنة الله التي لا تبدل ولا تتحول.. وكما سجلت آيات الله لهم آية الحضارة التي نعموا بها سجلت عليهم أيضاً ما تردوا فيه من عذاب وشقاء جزاء أعمالهم بأسبابه ومسبباته في آية 16 و17 من سورة سبأ: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنين ذوات أكل خمط وشيء من سدر قليل ، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور). وآية (19 و 20 و 21 ) ( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبور شكور ، ولقد صدَق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ). ذلك هو المجتمع في أوج قوته كقوة عالمية وفي نهايته إلى انحسار محلي محدود يسير في طريق انهيار حزين تارة ، ومنعطفات خيرة مباركة تارات أخرى على مدار التاريخ حتى اليوم.. وسيتوقف خروجه من الظلمات إلى النور على مدى وعيه ومدى درجة هذا الوعي بسنن ذلك.

 2-المكانة التجارية العالمية لبلادنا وتحطمها. 

-وهكذا فإن أسباب الانهيار النفسي هيأت لانحسار اليمن من مكانتها العالمية الحضارية بشكل عام وأسسها المادية بشكل خاص وذلك بإضعاف أسباب المنعة والقوة داخلياً في مواجهة التطلعات العدوانية المستغلة من الخارج فمنذ تلك الحملات التي شنها الغزاة من الخارج على شعبنا لأسباب اقتصادية ليحطموا بالتالي اقتصاديات بلادنا ويحتلوا مكانتها وللانهيار النفسي الذي أدى إلى ضعفها – تزحزحت بلادنا عن مكانتها العالمية المرموقة. لقد كان اقتصاد اليمن يقوم بدور كبير في تجارة العالم القديم بما تصدره اليمن إلى آسيا الشرقية والبلدان المجاورة وإفريقيا و أوروبا – العالم القديم – من منتجاتها من الأغذية والمصنوعات والمنسوجات والتحف وكريم الأحجار وما إلى ذلك مما عرفته حضارات العالم القديم مما أدى إلى ازدهار بلادنا ورقيها وانتصارها المطلق في المنافسة التجارية. تلك الحروب التي شنها الطامعون المستغلون ليحطموا مكانة بلادنا التجارية العالمية جعلت منها مسرحاً لصراع دام عنيف خلف وراءه ما تخلفه الحروب من تأخر وجدب إلى جانب نتيجة ذلك كله – وهو الأهم – فقدان هذا المصدر الاقتصادي الرئيس دون تعويض عنه إلى الآن. ذلك هو أحد الأسباب البعيدة التي تركت آثارها الهدامة في تاريخ الانحدار نحو المأساة والتخلف…! 

3-الحروب الأهلية 

منذ أفول الحضارة القديمة اشتعلت الحروب الأهلية بين القبائل اليمنية تارة عند أن تختفي الدولة وبين الدويلات المتنازعة على السلطة عند أن لا تكون هناك سلطة مركزية واحدة تمثلها دولة واحدة تارات أخرى ، سواء في الجاهلية أو الإسلام. ويم جاء الإسلام يحمل النور ويقدس الفكرة ، ويحطم الوثنية ، وينشر على العالم الأمن والسلام ، ويوقد في العقل شعلة التفكير في الأرض والسماء ، وما بينهما وما فيهما معلناً كرامة الإنسان والأخوة العالمية والمساواة والعد والإحسان بين البشر ، وأن كل شيء قد خلق من أجل الإنسان: هذا الكائن المكرم – كان اليمنيون بشهادة التاريخ هم مادة الجيوش الإسلامية الأولى التي أطاحت بالدكتاتورية المتألهَة التي أغرقت العالم في الأشلاء والدماء في حروب مستعرة أطفأ وقودها الإسلام يوم حطم كسرى وقيصر ورفرفت راية السلام من الصين شرقاً إلى أوروبا غرباً. وبالإسلام عرفت بدلانا وحدتها الإقليمية مرة أخرى وذات طعم السلام خلال الخلافة الراشدة ، ثم ما لبثت أن عمها ظلام الحكم الأموي فالعباسي الفردي المتأله فاندلعت ثورتها حتى كانت اليمن أول كيان جديد يستقل بنفسه ولكنه استقلال دويلات متعددة تمدها بأسباب الصراع مدارس مذهبية دينية مختلفة لم تستطع أن تخلق أفقاً حراً لتزدهر في ظلاله الوحدة السياسية للأمة ، فلم يكن الحكم للمنطق والإقناع والجدل العلمي الحسن بل كان إلى حد ما للقوة التي غذت الصراع وكذلك فإن أياً من تلك المدارس المذهبية لم يتم لها التغلب بصورة حاسمة ليتوحد مصدر التوجيه الفكري العام إلا في ومضات من التاريخ لا تلبث أن تتمزق لتحل محلها الدويلات المتنازعة الهزيلة… وساعد في ذلك تكوين بلادنا الجغرافي.. وذلك عامل ثان من عوامل الضعف في حاضرنا اليوم.. 4-الغزاة الأتراك

 وفي خلال التاريخ البعيد نسبياً والقريب أيضاً تعرضت بلادنا للغزاة الأتراك ثلاث مرات واشتعلت النار في حروب دامية من أجل التحرر والاستقلال كتب التاريخ فيها النصر لشعبنا الذي سحق الغزاة في ملحمة رائعة كالأساطير.. وبذلك يتجلى لنا واقع خربته الحروب وبالتالي انهارت اقتصادياته وأفكاره البناءة فما حصاد ذلك…؟(يتبع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى