الكلكتابات فكرية

(انقلاب) الحسين و (شرعية) يزيد

الفرعنة والتسلط في عالمنا قديمان قدم الصراع بين الحق والباطل، وما حدث مع الإمام الحسين وآل بيته في كربلاء على أيدي أعوان يزيد ومرتزقته، ليس إلا امتدادا لهذا النوع من الصراع، الذي لم يتوقف حتى اليوم.

فحين استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان، فقد فكر مليا في التملص من بنود الصلح مع الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فعهد إلى نجله يزيد بالخلافة، وفرضها بقوتي السيف والمال، وسط استنكار عدد من كبار صحابة رسول الله عليه السلام، في مكة والمدينة، وعلى رأسهم الحسين بن علي رضي الله عنه، الذي لم يكتف برفض مبايعة يزيد، بل حرَّض الأمة على التصدي لهذه البدعة المنكرة في الحكم، التي وصفها أحدهم بقوله: والله ما أردتم الخيار لأمة محمـد وإنما جعلتموها كسروية وقيصرية، كلما مات هرقل قام هرقل.

وحين قالها الحسين: ” والله لم أخرج بطرا ولا أشرا “، ” بل أريد الإصلاح في أمة جدي ” ، فقد كان معنيا بمواجهة الانحراف الأخطر في الحكم الإسلامي وإعادته إلى مسار ” الشورى” بالمفهوم القرآني، متوكلا على الله وعلى عهود شيعة أبيه وغالبيتهم في كوفة العراق.

غير أن تحالف الشر والعدوان كان مستيقظا لخطورة معارضة يزيد والطعن في شرعية خلافته، فسارع إلى مهاجمة ثورة الحسين وهي في مهدها، متهما إياه وكل من يرفض البيعة والطاعة بالتمرد والردة والخروج على ولي الأمر والانقلاب عليه، وسخَّر لهذا الغرض جهازا كبيرا للدعاية والتضليل، مصحوبا بأموال ووعود تتدفق على قادة الجند وأمراء الولايات وعلى أعيان القبائل ورجال الدين حتى تباطأ بقية الصالحين، فلم يخرج مع الحسين من أهل مكة والمدينة سوى قلة مؤمنة، اصطفاها الله عز وجل للشهادة بين يدي حفيد رسول الله وذريته الطاهرين.

صاح فرعون عصره متوعدا ومهددا بقطع الرؤوس والأنسال ونثر بين يدي جنده الأموال والآمال، فسكرت أبصار القوم ولبوا نداء من لم يعرف عنه سوى مراقصة القرود ومعانقة الخمور والفجور في مواجهة الخصوم، وهرعوا إلى ساحة الإجرام يقتلون الكبار والصغار ويأسرون النساء والأطفال ويتضرعون إلى الله أن ينصرهم على الحسين و” الانقلابيين ” من حوله، فليست هذه الحرب إلا بأمر الله، كما يصورونها للسذج في الماضي والحاضر، ولا بأس أن يقتل 24 مليون يمني، في صالح مليون ” داعشي ” تقطر سيوفهم بدماء الأبرياء، ثم يتساءل أحدهم في خشوع مصطنع: هل تجوز الصلاة في ثوب بللته الدماء؟!

قالوا بالأمس، إن الحسين قد شذ عن الجماعة حين لم يبايع، أما هم ففي أعناقهم بيعة ليزيد وله عليهم السمع والطاعة، وقالوا اليوم إن هادي هو الرئيس الشرعي والمنتخب – مع أنه كان المرشح الوحيد ولفترة محددة -، وقال من يترحمون عليه: لو كانت الشرعية مجرد عصا لتوكأت عليها..!، فإن قلت لهم: لا شرعية لقاتل سفاح ؟، ردوا عليك كما قال أسلافهم: ماذا يريد آل محمـد .. النبوة والسلطة معا؟، هذا محال.

لكن المحال حقا أن تهدي من ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، وصدق الله العظيم إذ يقول: ” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” الحج: 46.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى