الكلكتابات فكرية

الحرب المزعومة بين السنّة والشيعة

لا يستطيع أحد من حيث المبدأ مهما بلغ شأوه في التحصيل الفقهي، ومهما كانت قيمته وأهميته في أهل مذهبه، أن يحتكر تعريفاً أو تشخيصاً محدداً أو شاملاً لهذا المذهب أو لهذه الفرقة في هذه الديانة أو تلك. 

 

وفي ما يخص تعريف (السنّي)  وأهل السنّة فالمسألة إشكالية الى حد كبير بالنظر الى إشكالية تأويلات المرجعيات نفسها.

 

فلا المرجعية السياسية كافية، حيث رأت أوساط عديدة من المنتسبين لأهل السنّة (الخلافة) ملكاً  عضوضاً لا يستقيم والدين الحنيف.

 

ولا مرجعية الأئمة موضع اتفاق بالنظر إلى مواقف أبو حنيفة ومالك من أهل البيت، وإلى اعتبار  (إبن حنبل) عند البعض ناقلاً  أكثر منه مجتهداً (آلاف الأحاديث المنسوبة إليه) وعلاقته بخليفة قال عنه المؤرّخ السنّي المتشدّد (السيوطي) ما لايجوز أن يُقال بحق خليفة للمسلمين (قتل في مجلس لهو وشراب وسط مئات الجواري في بلاطه)

 

ولا مرجعية أهل الكلام وأهل الحديث مرجعية متوافق عليها، لا في الأصول ولا في الفروع ولا سيما في حال مثل القول بخلق القرآن عند المُعتزلة ..

 

ولا تزال المرجعيات الأشعرية الكبرى نفسها موضع سِجال بين الذين ينسبون أنفسهم لأهل السنّة، بل أن واحداً من قادة الجماعات التكفيرية هو (الزرقاوي) شكّك في إسلام زعيم حركة طالبان الراحل، الملا عمر لأنه كان من أنصار الطريقة الماتريدية الأشعرية .. وهكذا.

 

أما الحرب المذهبية المزعومة على أهل السنّة من  دون غيرهم من المسلمين، فدونها الوقائع والمعطيات التالية، وذلك غير أن (الحرب المذهبية بكل تلاوينها) هي تأويل أقنعة للحروب الحقيقية على النفط  والموارد والأسواق:

 

1- هي حرب تنتمي إلى مراحل الهبوط وأزمة حركات التحرّر وما ينجم عنها من فراغ وتخبّط  في الرأي العام

 

2- هي امتداد لحرب الأيديولوجيا السابقة ضدّ الشيوعية والناصرية، بل إن أوساطاً عديدة من الذين  يتباكون على أهل السنّة في العراق مثلاً، كانوا يعتبرون النظام السابق نظاماً (سنّياً) جائراً بحق (الشيعة)

 

3- إذا كان أهل السنّة هدفاً للحروب في بعض البلدان ماذا عما يجري في بلدان أخرى مثل مصر  وليبيا  وما شهدته  الجزائر  في غراديه، ومن هو الذي يموّل  ذلك ولماذا..؟ فمن المعروف أن الغالبية الساحقة من مسلمي مصر، هم من أهل السنّة، وأن جيشها وأمنها المُستهدف مؤسسات سنّية بالكامل. ومن المعروف أن ليبيا سنّية بنسبة 99%  فما الذي يفسّر القتال الدموي بين قبائلها ومدنها، ومن المعروف أن الولاية التي شهدت  المشاكل في الجزائر وهي ولاية غراديه تنقسم بين مذهبين من مذاهب أهل السنّة … وهكذا.

 

4-  لماذا وقف أهل المؤتمرالإسلامي (السنّي) وغيرهم من الذين يزعمون الدفاع عن حياض أهل السنّة، مع أذربيجان الشيعية فيما وقفت إيران (الشيعية) مع أرمينيا المسيحية.

 

5- هل يتّفق أهل السنّة على الوهّابية كظاهرة سنّية إذا كان أهل السنّة هم الأكثر تعبيراً عن التسامُح  والتعايش؟ وإلى أي حد قطعت السعودية مع آل الشيخ (الوهّابيين) بعد  معركة السبلة 1929 وحادثة جهيمان العتيبي؟

 

6-  هل تركيا هي دولة سنّية بالنظر إلى هذه الخلطة فيها بين (أبو حنيفة) من دون غيره من الأئمة مع أهل الزوايا والتصوّف وخاصة الرومية (نسبة إلى جلال الدين الرومي) والبكتاشية (أيديولوجيا الباب العالي)، والإنكشارية لقرون عديدة ولماذا قام العديد من سلاطين آل عثمان بهدم مقامات (إبن حنبل) وشيّدوا مكانها مقامات لإبن عربي، وعلى من كانت حربهم في الشرق .. أليس على المماليك وكانوا الأكثر تشدّداً من بين أهل السنّة…

 

7-  عندما قامت الثورة في اليمن وأعلنت الجمهورية بدعم (القاهرة) قبل نصف قرن تقريباً وقامت السعودية بدعم الإمام بدر، هل كانت حرباً مذهبية بين (القاهرة السنّية) وبين صعده (الزيدية).

 

صحيح أن ثمة تباينات وحروباً أحياناً بين الوهّابية (في السعودية) وبين الزيدية في اليمن منذ ظهور الوهّابية التي اتّهمت الزيدية بتغليب العقل (المُعتزلة) على النقل، إلا أن ذلك  ليس مدعاة لتشخيص ما يجري، كحرب مذهبية، فالزيدية كما كل الفِرق اليمنية هي من دعامات الجمهورية والاستقلال والكرامة.

 

8- أما عن سوريا، وما يجري فيها، فلا بدّ من توضيح بعض طوته ذاكرة البعض:

 

–  رداً على  ربط ما يجري في حماة الستينات، فإن الذين أخذوا قرار قصف حماة  في الستينات هم من البعثيين (السنّة) بالكامل وهما (عبد الحليم خدام، ونور الدين الأتاسي وكان رئيسهم  آنذاك أمين الحافظ (السنّي)

 

–   إن الحركة التصحيحية التي قام بها  الرئيس الأسد 1970 اعتمدت على فريق من ضباّط سنّة أساساً مثل (حكمت الشهابي وناجي جميل) ولقيت دعماً من غرفة تجارة دمشق (السنّية)

 

–   إن أحداث 1979 فصاعداً لم تكن صراعاً مذهبياً  قط. بل صراعاً بين الحُكم الذي رفض اتفاقية كامب ديفيد وبين حلفاء هذه الاتفاقية الذين قدّموا للجماعات المسلّحة  كل أشكال الدعم، ومن ذلك سفن الأسلحة التي كانت بحراسة المصريين  للإسرائيليين، إلى جونيه وطرابلس ثم إلى الداخل السوري. وقد تزامن كل ذلك  مع العدوان الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية والجيش السوري  والحركة الوطنية  اللبنانية 1982

 

حسب  كتاب متحيّز ضدّ الأسد والعلويين هو كتاب (دائرة الخوف لـ غولد سميث) فإن العلويين وقراهم كانوا من الفئات الأقل استفادة من حُكم الأسد، وحسب اليهودي الأمريكي، روبرت ساتلوف (الطريق إلى دمشق) فلا معنى لاحتلال العراق  وإنهاء الدولة الشمولية إذا لم تسقط آخر الدول الشمولية في المنطقة، وهي سوريا. وهو يقصد دولة القطاع العام والربيع الاجتماعي و التحالف مع موسكو.

كاتب ومحلل سياسي أردني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى