إبراهيم بن علي الوزير كما عرفته مفكراً وإنساناً ( 2 )
أ.د. أحمد علي الماخذي*
المبحث الثاني
أولاً: إبراهيم بن علي الوزير مفكراً إسلامياً
لم يكن الفقيد الغالي المرحوم إبراهيم بن علي الوزير مجرد رجل احترف في حياته مهنة السياسة دون أن تكون له روافد فكرية وعلمية، وأدبية، ولكنه قبل كل ذلك أديب وعالم، ومصلح اجتماعي، والذين لم يطلعوا على نتاجه الفكري يجهلون جانباً مهماً من جوانب هذه الشخصية الفذة، لقد كان مشاركاً في مجالات العلوم الشرعية، والأدبية، والسياسية عن جدارة، ومن يقرأ مصنفاته لا يسعه إلا أن ينحني إجلالاً لهذه الشخصية العصامية المبدعة، ولهذا فإننا قد شاهدنا أشخاصاً يسبغ الناس عليهم صفات السياسيين، مع أنهم لا يمتلكون تراثاً يُخلِّفُونه للآخرين وللآجيال القادمة، وبخلاف أولئك نجد أن إبراهيم بن علي الوزير عندما نضعه في خانة السياسيين الأفذاذ، فإننا نعلم أنه إلى جانب نباهته وإدراكه لمشكلات عصره، ولمعاصرته للأحداث، فهو المفكر والعالم، والأديب الفيلسوف الإسلامي، وللحقيقة وللتأريخ فإنه كان اليمني الوحيد الذي استطاع وبجدارة أن يقيم علاقات ذات جذور فكرية وعلمية وسياسية مع عدد كبير من عباقرة القرن العشرين في مصر، ومع المشاهير من رجالات الفكر هنالك حيث حاور أغلبهم في مجالات مختلفة، إلى الحد الذي كان يظهر في حواراته نجماً لامعاً في سماء العروبة والإسلام باعترافهم، وما حواراته مع الدكتور حسين مؤنس إلَّا واحدة من روائعه التي تجلت فيها عبقرية هذا المصلح الاجتماعي، والسياسي المستنير، وللإحاطة والتذكير لمن لم يكن يعلم شيئاً عن تراث فقيدنا العظيم فإنني سأقوم برحلة متعددة الجوانب عبر نتاجه الفكري، أو على الأقل عبر بعض مؤلفاته التي بلغت حوالي اثني عشر مصنفاً هي كالتالي:
· بين يدي المأساة.
· لكي لا نمضي في الظلام.
· بدلاً من التيه.
· على مشارف القرن الخامس عشر.
· زيد بن علي جهاد حق دائم.
· الشافعي داعية ثورة ومؤسس مذهب.
· شهادتان هما منهج حياة.
· الطائفية آخر ورقة للعالين في الأرض.
· هموم وآمال إسلامية.
· أم في غمار ثورة.
· المنهج للحياة (دعوة للحوار) .
· البوسنة والهرسك عار للمسلمين وجرح في ضمير الإنسانية.
وليست هذه هي ما أنتجته قريحة الأخ الأستاذ إبراهيم بن علي، فإن له نتاجاً آخر، وأذكر على سبيل التنبيه رسالتين خطيرتين له هما:
1. رسالة إلى مجتهد.
2. قراءة في الفكر الزيدي: حوار مع الأستاذ إبراهيم الوزير، نشره محمد الحكيم عن دار المناهل.
ولأهمية (قراءة في الفكر الزيدي)، فإن هذا النص جدير بالقراءة، ومن خلاله نعرف ويعرف الآخرون أن إبراهيم بن علي كان موسوعي الثقافة في أصول الشريعة، وفي أصول الدين أي علم الكلام وفي علوم السياسة، والاجتماع بدليل ما أنجزه من أعمال فكرية هي شاهدة على عبقرية هذا الإنسان المتميز.
ثانياً: إبراهيم بن علي متكلم زيدي عدلي
مع الاعتراف بحقوق الملكية الفكرية العالمية، فإن قراءات في الفكر الزيدي محركها هو الأخ محمد الحكيم الذي حاور أستاذ الأجيال إبراهيم بن علي الوزير لمدة خمس ساعات كاملة في هذا الفكر النير، فكر الزيدية، وأسمى هذا الحوار قراءات في الفكر الزيدي؛ ولأهمية ما اشتمل عليه هذا البحث أو هذه الرسالة فإن الأخوين محمد الحكيم والأستاذ إبراهيم بن علي كلاهما يستحقان الإشادة على إثارتهما وحواراتهما حول عديد من النظريات في مذهب إمام الأئمة زيد بن علي عليه السلام، وإنه من الأفضل أن يعطى القارئ فكرة عن هذه الرسالة أولاً وعن محتوياتها، إنها صغيرة الحجم ولكنها عميقة الدلالات، واسعة الآفاق، كبيرة المحتوى تصلح لأن تكون متناً لعديد المجلدات لما اشتملت عليه من رؤى ونظريات فكرية فلسفية وهي كالتالي:
أولاً: هذه الرسالة تشتمل على أربع وستين صفحة من القطع الصغير
وعلى أربعة أبواب:
1. الباب الأول: الفقه الزيدي:
· فقه الإمام زيد بن علي
· مصطلح أهل السنة.
· المذاهب بعضها من بعض
· الفَرق بين الفِرق
· الزيدية والمعتزلة
· الزيدية والإثنا عشرية.
2. الباب الثاني: الإمامة والحكم.
· نظرية الزيدية في الإمامة.
· التكليف الشرعي لأئمة آل البيت.
· شرطية البطنين.
· الهاشمية ليست شرطاً لدى الصالحية.
3. الباب الثالث: الخروج على الظالم.
· الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· الثورة على الظلمة.
· المنكر الخاص، والمنكر العام.
· لا صحة للأحاديث التي تجيز طاعة الظلمة.
· الزيدية ترفض الحكم الجبري.
4. الباب الرابع: الزيدية في اليمن.
· قدوم الإمام الهادي إلى اليمن.
· علاقة زيدية اليمن بزيدية الديلم.
· وجود إمامين في فترة واحدة.
· أين الخلل؟
· الملكية هي السبب.
· تزوير إعلامي.
· التأريخ لا يتكرر.
· الباب الخامس: متفرقات:
· النهضة الزيدية.
· التيارات المختلفة.
· الوحدة الإسلامية.
هذه الأبواب الخمسة قد تمت معالجتها في الأجوبة التي أدلى بها الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير مجيباً على أسئلة الأخ الصحافي حينذاك محمد الحكيم، وأن من له صلة بعلم الكلام العدلي الزيدي منه والمعتزلي يدرك إلى أي مدى كان الأستاذ إبراهيم بن علي زيدياً وعدلياً، وأنه صاحب باع طويل في هذا المجال الكلامي الهام.
والآن لا بد لنا من أن نُعرِّج على بعض صفحات هذه الرسالة، فنقتبس منها جملاً أو إشارات مما ورد فيها من تفسيرات:
أولاً: أن من يريد دراسة قراءات في الفكر الزيدي- حوار مع الأستاذ إبراهيم الوزير- لا بدَّ له من أن يمعن النظر في المقدمة، ففيها فوائد منظورة، فعندما يصل إلى الصفحة التاسعة سيجد أن أبرز جملة فيها: الإمام زيد فقيهاً قبل أن يكون ثائراً وفي الصفحة الثانية عشرة سنجد مقولة رُوِيَتْ لأبي حنيفةَ عن زيد بن علي، أنه لم يرَ أفقه مِنْه – يعني زيداً. لعدلية.
ثالثاً: إبراهيم بن علي في عمق الهموم الإسلامية
لست أبالغ وليس بحاجة إلى إعطائه صفات العبقري، والنباهة، والحصافة في طرح أفكاره في كلمات وجمل، ونصوص فيها من عناصر الإقناع والصدق ما لا يترك مجالاً لأي متقول أن يقول ما يمكن أن يقوله، لقد تجلت بحق شخصية هذا الإنسان الرائع، هذا الداعية الإسلامي الكبير والكبير بحق، وكنت سابقاً وفي بعض الصفحات قد أشرت إلى موسوعية الكاتب السياسي والاجتماعي والكلامي والثوري، ولم أكن قد اطلعت على كتابه الهام “هموم وآمال إسلامية”، الذي كان نتيجة حوار علمي، وفقهي، وتربوي، وإيماني، مع واحد من كبار من حملة القلم في مصر، تزود بالعديد من المعارف والعلوم، وهو الدكتور حسين مؤنس، ذلك الأستاذ المعروف، بأبحاثه العلمية التأريخية منها وغيرها في مجالات الحياة الإسلامية، وأنظمة الحكم الإسلامي، منذ فجر الإسلام وحتى يوم الناس هذا.
وإن شخصيته تستطيع أن تدلي بدلوها في مجالات الفكر والتأريخ والسياسة والتربية، إنما هي شخصية من يكون قد امتلأ فكره وعقله وقلبه بالزاد الإيماني، وبأدواته التي تفسر وتوضح معالم هذا الإيمان، وإذا ما أراد أي واحد منا أن يطلع على فكر الداعية الإسلامي الكبير الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير فما عليه إلا أن يبحث عن هموم الإسلام في وجدان هذا المسلم الداعية النقي التقي الذي رسم لنا صورة للإسلام وكيف ينبغي أن يكون المسلم منذ البداية من عمره وحتى النهاية.
ومن هنا ولكي يكون القارئ شريكاً لنا في هذه الجولة الشيقة في هذا الكتاب الخطير والمهم، فلا بد لنا من إعطاء قارئنا هذا صورة ولو صغيرة عن هذا المنجز الفكري الرائع بكل ما تعنيه الكلمة من معاني.
عنوان الكتاب هموم وآمال إسلامية، من منشورات كتاب واشنطن طبعة أولى حوار بين علمين من أعلام الثقافة الإسلامية المعاصرة:
إبراهيم بن علي الوزير.
والدكتور حسين مؤنس.
ويقع في (355) صفحة من القطع المتوسط وهو فاخر في طباعته، وقد جاء في صدر الغلاف تعريف لهذا الكتاب غاية في الوضوح والجمال: تحت عنوان هذا الكتاب:
– حوار يستثير العقول بين علمين من أعلام الثقافة الإسلامية المعاصرة، أحدهما الدكتور حسين مؤنس، من أبرز علماء التاريخ والحضارات المقارنة، وله مؤلفات عدة عن فردوسنا المفقود في الأندلس.
– أما إبراهيم بن علي الوزير فمفكر إسلامي أغنى مكتبتنا المعاصرة، بأكثر من ثلاثين مؤلفاً ذات طابع فلسفي، أعادت للإسلام بُعده الإنساني، وأضاءت مفهومه المتسع للحرية اتساع الكون.
– وكان المفكران قد أجريا هذا الحوار في منزل الدكتور مؤنس في القاهرة في عام 1986م حيث تناولا هموم أمة الإسلام، وأمعنا في تشخيص الجراح والأمراض وأسباب شفائها، ورسما معاً ملامح مشاركتها في ركب الحضارة من جديد، ومعالم طريقها إلى مستقبل مشرق تضيء فيه شمس الإسلام على الأرض بعد أن طال انتظارها.
– كتاب رائد لم تعرف مكتبتنا العربية له مثيلاً منذ عهد طويل، إنه حوار العقول المستنيرة بنور الوحي المحيطة بكثير من السنن الكونية والتشريعية ولا بد لكل المعنيين بمستقبل أمة الإسلام من قراءته.
هذا موجز لكتاب هموم وآمال إسلامية، لا ينبغي ولا يجوز لأي واحد ممن يهمهم أمر الإسلام ومستقبل المسلمين أن يجهله أو أن لا يقرأه ، إنه كتاب وليس كأي كتاب في مجاله، ولهذا فقد ظهرت بل وتجلت فراسة الداعية الإسلامي الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير كصاحب مشروع إسلامي تربوي، وسياسي واجتماعي قلت نظائره في عالم اليوم.
وإنني لمن أشد المعجبين بهذا الكتاب الذي كان وليد حوار فلسفي وتربوي وفكري، وديني، عالج عديداً من المشكلات ذات الصلة بالدين الإسلامي وبحياة المسلمين أينما كانوا، وفي أية بقعة من بقاع الأرض الرحبة التي يقيمون عليها.
من هنا لا بد لي من أن أقول كلمة عن مشروعي لقراءة أهم مؤلفات هذا المفكر الإسلامي وعندما اطلعت على هذا الكتاب رأيت أن لا مجال للاقتباس منه، لكثرة النصوص المهمة والتي لو ذهبت لتلخيص أي شيء منه ومنها لما اتسعت صفحات مجلة المسار بكاملها.
فالكتاب ذخيرة علمية وفكرية، وفلسفية، وفقهية، وتربوية يجدر به أن لا يقع اختصاره في سطور أو صفحات لا تفي بالغرض في إيصاله إلى القراء، وسأكتفي بنقل نصين اثنين منه للتدليل على الأهمية التي يحملها هذا المصنف لنابغين عربيين أولهما أستاذ التاريخ والحضارات، والثاني فيلسوف إسلامي صرف فكره وجهده وحياته في خدمة العدالة الاجتماعية، ونصرة المظلومين، وأحقاق الحقوق وإيصالها إلى أهلها، ولم ينحن أمام العواصف ولا خارت قواه في مواجهة الأهوال:
ولذلك فقد كان محل تقدير العلماء والمفكرين والأدباء لأنه يشاركهم في علومهم وفي التنير من أفكارهم وتوجهاتهم، وهاهو الدكتور حسين مؤنس يخاطبه هكذا:
– جميل جداً، أنت وضعت المشكلة وضعاً إسلامياً، وأعتقد أن هذا شيء جديد. كان ذهني متجهاً اتجاهاً آخر، لأنني بصفتي مؤرخ أتتبع الزمن، وأنت بصفتك فيلسوف تتبع الفكر الديني، فأنت بدأت الكلام عن منهج الله الذي حمله إلينا رسول الله عن ربه الكريم، متمثلاً في القرآن الكريم، فألغيت بذلك الحدود بين ما يسمى بشرقٍ وغرب، أو بين المسلمين وغير المسلمين، وأنت تولي القضية وهي قضية منهج الله، فالذين يسيرون على منهج الله يصلون إلى ما دعوا الله به، والذين يخالفون منهج الله فهم وتقصيرهم، ولا يدري أحد غير الله سبحانه وتعالى إلى ماذا سيصير أمرهم.
وأنا هنا أريد أن ألفت النظر إلى أن الدكتور مؤنس قد قال مخاطباً إبراهيم بن علي (وأنت بصفتك فيلسوف تتبع الفكر الديني) نعم لقد كان كذلك وإن لم يفهمه قومه.
أما النص الثاني: فهو للفيلسوف الإسلامي إبراهيم بن علي يقول فيه مشخصاً طرائق التربية في حديثه عن إعادة النظر في المناهج التربوية للمسلمين إذا ما أرادوا أن ينهضوا نهضة علمية كاليابان وغير اليابان من الشعوب التي ازدهرت لأنها غيرت أساليب حياتها التربوية.
– وثالث هذه القواعد: وعلى ضوء الفقه وتقدم العلوم، إعادة النظر في المناهج التعليمية والتربوية والتثقيفية، والاهتداء بنور الوحي في خطاب الطفل الصغير كما نرى ذلك في وصايا لقمان لابنه ووصايا الله له في قصص الأنبياء والسور القرآنية التي تغمر القلب بنور محبة الله، والانشراح لروح الوحي وتعاليمه والتدرج به في مراحل التعليم ومع بلوغه سن الرشد نعود بالشباب إلى عِبر ما حدث للمكذبين، وما خوطب به الجبابرة والطواغيت وكل عتل زنيم.
رابعاً: مع كتاب زهراء اليمن أم في غمار ثورة
ولكي يكون ختامه مسك فإن ختام هذه الرحلة والتطواف في عوالم مفكرنا التي لا حدود لها – لأنها باتساعها تشتمل على مساحة الكون كله، لأن مفكرنا كوني العقيدة والتفكير والتوجهات، وإنه إنسان يحمل هموم الإنسانية كلها، وقد حملها عبر عمره الذي كتبه الله له – ختام هذه الرحلة سيكون بين يدي كتاب (زهراء اليمن أم في غمار ثورة) وإنني في أشد الاستغراب من هذا الأمر، أي أن هذا الكتاب الملحمة المأساوية من أعظم ما كتبه يراع المجاهد والداعية الإسلامي النابه، والثائر المثقف، والإنسان الذي أراه وأعتبره من كبار مصلحي الإنسانية في القرن العشرين، ولماذا تأتيني مشاعر الاستغراب عن هذا الإهمال الذي لحق بكتاب (زهراء اليمن أم في غمار ثورة)؟ ما هو السر في عدم طباعته عشرات المرات، وإنزاله إلى المكتبات ليطلع الجيل الحاضر، والأجيال القادمة من اليمانيين على المأساة والفاجعة الإنسانية التي حلت بأسرة علي بن عبدالله الوزير، أسرة الأمير وإخوانه وبني عمه؟ (إن إهمال كتاب زهراء اليمن أم في غمار ثورة – الكتاب الذي قدم له المفكر الفيلسوف الإسلامي (مالك بن نبي) – لأمر يدعو إلى الاستغراب لعدم إعادة طباعته، وإنزاله إلى المكتبات ليعرف الرأي العام القارئ ما حدث عام 1948م من مأساة دامية حلت بهذه العائلة الكريمة الثائرة) وإن كتاب (أم في غمار ثورة) لمن أخطر مصنفات الراحل الكبير الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير، وإن هذه القصة الملحمة التراجيدية لو قيَّض اللهُ لها واحداً من مصنفي المسرحيات، وهو ما يسمى في عالم المسرح بكاتب السيناريو لكانت واحدةً من أعظم المسرحيات التراجيدية، أي المأساوية في مجال المسرح العربي.
وإني كواحد من أبناء هذا العصر كنت قد سمعت عن ثورة 1948م ولكنني في عمري هذا لم أكن أعلم بما حدث للأبناء الذين تعرضوا للإذلال والفاقة والمصادرة
لحقوقهم بعد رحيل والدهم وهم صغار لا حول لهم ولا طول في مجتمع جاهل لا يفرق بين الظالم والمظلوم، ولا يستطيع أن يقول من يفهم مجريات الأحداث فيه كلمة الحق، ناهيكَ عن الدفاع عن الحرية والعدالة ومقارعة الظلم والظالمين، لهذا فإنني أدعو أن تقوم (مجلة المسار) التي يملكها ويرأس تحريرها الباحث الأديب والسياسي البارز، رجل القلم المعروف الأخ زيد بن علي الوزير بالإشارة إلى المختصين في مجلته الرائدة أن يتم طباعة كتاب الزهراء (أم في غمار ثورة) من ضمن سلسلة كتاب المجلة، أو كتاب المسار، نظراً لأهميته البالغة وكما قلت لإطلاع الرأي العام الجديد من طلاب الجامعات، والمعاهد والمدارس في بلادنا؛ لأنهم لا يعرفون شيئاً عن ثورة 1948م إلا أنها ثورة استبدلت إماماً بإمام، وليست الثورة الدستورية.
لأن من يقول بمثل هذه المقولة لا يفهمون أنها ثورة كبار علماء اليمن، وقادة الفكر فيه، أما ما حدث لأبناء الثوار الذين أزهقت أرواح آبائهم، وسالت دماؤهم على مذبح الحرية، من أجل عزة الشعب وكرامته ومستقبل أبنائه، فإن الجيل بأجمعه لا يعرف شيئاً عما حدث وإنما يعرفون فقط الصورة السوداء، التي رسمها الإعلام العنصري والطائفي منذ ثورة 1948ضد أسرة آل الوزير والهاشميين بشكل عام، إنها صورة مشوهة وخبيثة ومفتعلة. وإن نشر مثل هذا الكتاب، وأمثاله من مؤلفات الداعية الإسلامي الراحل إبراهيم بن علي الوزير سوف تغير كثيراً من الصور التي غرسها الظلمة ممن استولوا على السلطة في البلاد بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، وإن هذه دعوة من القلب إلى الباحث القدير والأديب الحصيف الأخ زيد بن علي ما دام قادراً على إنجاز هذا العمل الإنساني الخالعمل الإنساني الخالد طاعة لوالديه ولأخيه المؤمن التقي رضوان الله عليه، ولجميع الأسرة الثائرة التي صنعت لليمن ثورة دستورية، وإن لم يكتب لها النجاح، ولكنها أثمرت عديد المحاولات لكي يخرج اليمن من العصور الوسطى ويأخذ مكانه اللائق به بين أمم الأرض.
هذا ما أردت به أن تبرأ ذمتي كنصيحة صادقة لما وجدته من تسجيل تأريخي لثورة 1948م ولما فيه من تحليل للنفسية الإنسانية في اليمن، وكيف كانت الحالة حينذاك بالنسبة لمن وقعوا تحت طائلة المأساة المتعددة الوجوه، وكيف نهبت صنعاء لمدة خمسة عشر يوماً، وصار أصحاب الحالة المتوسطة والميسورة والمعدمين سواءً في نار لا تخمد جذوتها من الفقر والجوع والخوف، وفي مقدمتها أسرة آل الوزير الذين تنكر لهم الأقرباء في (منطقة السر) وغيرها، والذين أطعموهم أمثال العسكري علي مصلح سنان، ذلك الخائن القذر الذي ودَّع أميرَه ليذهب إلى أحد بيوته، فيحتال على الأطفال بالخروج من منزلهم ليتسنى له نهبه وسرقة ما فيه، وفي الختام إن كتاب (زهراء اليمن أم في غمار ثورة)، يستحق إعادة نشره مرات عديدة لأنه الكتاب الوحيد الذي أوجز فيه كاتبه رضوان الله عليه تأريخ فترة زمنية حالكة من تأريخ اليمن، وتأريخ أسرة آل الوزير، وخاصة أسرة الأمير علي بن عبدالله الوزير.
وإن أنس لا أنسى أن بطلة هذه الملحمة المأساة هي أم المؤمنين أم إبراهيم والعباس والقاسم ومحمد وزيد وأخواتهم أبناء الأمير علي بن عبدالله الوزير فهي الأم التي حمت هؤلاء الأطفال من أخطر ما كان قد حدث لهم، بحيث صار الجميع رجالاً ونساءً برغم كل المتاعب ثابتين ثبوت الجبال في مقارعة الظلم وبقي ذِكرهم على الألسن الشريفة حتى اليوم.
أما (أمُّ المؤْمِنين) فقد ذكرها كل من شملهم عطفُها، وكرمُها، وكان (الشاعر البردوني) قد وصفها ذات يوم بقوله إنها (أم المؤمنين)؛ وإنها رضوان الله عليها كذلك؛ لأنها ربت رجالاً دخلوا التاريخ من أبوابه الواسعة برجولتهم وجهادهم وصبرهم على ما جرى لهم من الآلام فرحمة الله ورضوانه عليها وعلى من رحل قبلها أو بعدها من أبنائها البررة، والله المستعان.
*
_________
https://telegram.me/Ebrahimalwazir
وفي (ص14) يقول إبراهيم بن علي عن ما يسمى بأهل السنة والجماعة، بأن السنة والجماعة بمعناها اللغوي لا يمكن تطبيقها على فرقة بعينها بحيث تصبح هذه الفرقة محتكرة لتفسير معاني السنة والجماعة، ويقول رضوان الله عليه رداً على سؤال عن الإمام زيد وهل كان سنياً أم شيعياً؟ قال: أكرر وأقول إنه في عهد الإمام زيد لم يكن هنالك لا مصطلح السنة ولا مصطلح الشيعة، كما هو الحاصل اليوم.
وهاهنا مجموعة من ردود الأستاذ إبراهيم عن الأسئلة الخاصة بموضوع:
– الزيدية وغيرها من المذاهب الإسلامية
– المذاهب الإسلامية جميعاً لا تستطيع أن تفصل بعضها عن بعض، فهي خيوط متشاركة يسند بعضها بعضاً.
– خروج الإمام زيد في ثورته على الظالم، لقد ضاهى خروجه خروج رسول الله يوم بدر.
– تفترق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة.. إلخ، روي بعدة طرق وبعضها يناقض الآخر.
– السنة كفرقة: تركز على جانب حفظ الأحاديث النبوية، ولا تجدهم يركزون على الجانب العقلي.
– الشيعة: يركزون على حب الإمام علي وآل البيت، فسموا شيعة لهذا المعنى.
– المعتزلة: وهي فرق عدة قد اشتركوا مع الزيدية في ثوراتهم على الظلمة.
– المعتزلة: مجرد فرقة كلامية.
– الزيود: أصحاب مذهب فقهي.
– هم – الزيدية- وغيرهم من المسلمين يعتبرون الشيعة في دائرة الإسلام.
– المطلوب من المسلمين جميعاً أن يعيشوا عصرهم بدلاً من أن يعيشوا عصور غيرهم الماضية بما فيها من أخطاء.
– الإمامة والخلافة أو الرئاسة، أو حتى وجود حكومة تطبق حدود الله أصل من أصول الدين. والزيدية في هذا الموضوع لا تختلف عن غيرها كثيراً. والفرق أن الزيدية اشترطت شروطاً كثيرة، وصلت إلى الأربعة عشر شرطاً، يجب توفرها في ولي أمر المسلمين. فلا بد أن تظهر فيه مظاهر العدل، والورع، والشجاعة، والكرم، وغيرها من الأمور الضرورية لتيسير أمور الحكم.
– الزيود عموماً يعتبرون الإمام علياً مُوْصَى عَليه من قبل الرسول بالوصف وليس بالنص.
– الزيود يشتهرون بمبدأ قبول المفضول مع وجود الأفضل.
– (شرطية البطنين) مسألة اجتهادية تماماً ووضع الزيود في هذه الحالة كوضع غيرهم من المذاهب الأخرى في مسألة شرطهم في ضرورة أن يكون الإمام من قريش والمسألة برمتها لدى هؤلاء وهؤلاء اجتهادية.
– وقد تناسب عصراً معيناً، وقد لا تناسب عصراً آخر.
– وقد يكون لأولئك الأئمة حجتهم في ذلك العصر، ولا يكون لنا حجة في هذا العصر.
– وسنجد فرقة الصالحية مثلاً: وهي أحدى الفرق المشهورة داخل المدرسة الزيدية لا تقول بالهاشمية أو البطنين، بل تؤكد على مسألة الاختيار، وهو ما يصطلح عليه اليوم بالانتخابات، هذه قضية.
– القضية الأخرى أنه حتى الذين يقولون بالنص على آل البيت لا يجعلونها مسألة قطعية، بل يقولون بأنها مسألة اجتهادية.
– ويقولون أيضاً بأنه يجوز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، فالمخارج هنا لا أول لها ولا آخر، ولكن البعض من الناس يعملونها مشكلة، أنا في رأيي أنه غرض سياسي.
– وإلا فالمنصف لا بد أن يقول بأن شرط الهاشمية لا تقره الزيدية بمجموع تفرعاتها، وإنما أحد فروعها، وحتى هذا الفرع يقره اجتهاداً.
– أن الاجتهاد دائم، ولا يجوز إقفال باب الاجتهاد.
– على المجتهدين أن يظهروا اجتهاداتهم وأدلتهم وعلى الناس أن يتابعوا أي اجتهاد.
– من هذه الاجتهادات:
– أن عصرنا لا يقبل بكل الاجتهادات السابقة في هذا الشأن ولكل زمن وسائله.
– ثورة 1948م الدستورية تجاوزت هذا الموضوع.
– الدستور نص على البيعة والاختيار.
– البعض يقول بأن قادة الثورة قد أبقوا على مبدأ الإمامة. وهذا جهل سياسي لأنهم لا يعرفون ماذا تعني الإمامة.
– الإمامة تعني الرئاسة (لغة) هم يحاربون بهذه اللغة. ومصطلحات القرآن ﴿واجعلنا للمتقين إماما… ﴾ هذه طفولة فكرية يجب أن تنتهي.
وأظن أنه يجب علي أن أنتهي من متابعة أقوال الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير في مشارف الباب الثالث وهو باب الخروج على الظالم.
والرسالة كما قلت عظيمة ويجد فيها الباحث بغيته من علم الكلام عند الزيدية فهي بحق خلاصة تفكير عالمنا الموسوعي، وكم أتمنى أن يعاد طبعها ليستفيد منها من لم يكن على علم، أو صلة بعلم أصول الدين عند المدرسة، أو المدارس الزيدية ا