كتابات فكرية

رئيس إرهابي لسوريا العظيمة.. بقرار أمريكي تركي عربي متصهين (١ – ٢)

رئيس إرهابي لسوريا العظيمة.. بقرار أمريكي تركي عربي متصهين (١ – ٢)

  • قادري أحمد حيدر

الجمعة 14 نوفمبر 2025-

مفتتح:

بعد اجتياح الإرهابي أبو محمد الجولاني بمليشياته “التكفيرية” متعددة الجنسيات، قال زاعماً: “إن من يحرر يقرر”، ناسباً لنفسه والجماعات “الجهادية” التكفيرية تحرير سوريا!! مع أنه والنظام الاستبدادي العائلي الأسدي هما من كانا أخطر معوق للانتقال السلمي للثورة إلى الديمقراطية والتحرر، والدولة المدنية الحديثة، حين قرر الأمريكيون وتركيا وأنظمة “البترو دولار/ السعودية” على “عسكرة الانتفاضة السلمية”، وما يمارسه أبو محمد الجولاني/ الشرع، منذ إمارته التكفيرية في “إدلب” منذ،٢٧/٢٨ مارس، ٢٠١٧م، وحتى وصوله اغتصاباً إلى الرئاسة اليوم في سوريا، لا تسمية له سوى أنه اغتصاب فاضح وعلني للسلطة وتدمير وتقسيم لمشروع الدولة السورية التاريخية الموحدة، برعاية أمريكية وتركية وسعودية، في صورة تبعية كاملة للكيان الصهيوني، وهو ما تقوله حقائق ووقائع ما يجري على الأرض اليوم.

إن الاستبداد التاريخي في صورة حكم الأسد العائلي؛ الأب والابن، هو من أوصل سوريا إلى هذا المآل المأساوي الذي تعيشه سوريا على الأصعدة كافة.

كانت الخاتمة أو بداية النهاية المبكرة مع المواجهة العسكرية والأمنية لانتفاضة الشباب الشعبية السلمية بالرصاص وبالدبابات والبراميل المتفجرة وبالطائرات.

هكذا استعرض النظام الأسدي العائلي قوته في مواجهة انتفاضة سلمية مدنية بمطالب سياسية بسيطة لا تتعدى سقف المطالبة بتسوية سياسية محدودة تحقق قدراً معقولاً من الشراكة والمشاركة السياسية لقوى المجتمع المختلفة، أي مع احتفاظ الأسد بالحكم، وتدخل المجتمع الدولي في هذا الاتجاه وأصدر العديد من القرارات الدولية التي حال تعنت النظام الأسدي العائلي دون تنفيذها.

انتفاضة شبابية وشعبية استمرت سلمية لأكثر من ستة أشهر تمّت مواجهتها بالحرب العسكرية في مواجهة صدور عارية إلا من شعار “سلمية سلمية”، ومطالب الحق بالمشاركة، سقط خلالها الآلاف من الشهداء والجرحى وامتلأت السجون بالمعارضين من جميع الاتجاهات السياسية في سوريا.

إن إصرار النظام الاستبدادي العائلي على الاستمرار بالحكم بالطريقة القديمة، ضمن منطق “الأسد أو لا أحد”، وشعار “سوريا الأسد”، هو من فتح الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية تحت أسماء وعناوين مختلفة، “الديمقراطية”، و”حق التدخل الإنساني”، بعد رفض النظام تقديم الحد الأدنى، بل والأقل من الأدنى من التنازلات باتجاه تسوية تفتح مجالاً لانفراجة سياسية وللمشاركة الوطنية لفئات وقوى المجتمع المختلفة، لكسر حدة الهيمنة الاستبدادية التسلطية التي استمرت طيلة عقود من حكم “آل الأسد”، وذلك بعد تدخل الأمم المتحدة وإصدارها أكثر من قرار أممي للتسوية السلمية التوافقية، يوافق عليها النظام بداية ثم يعود ليرفضها.

 وذلك عائد أولاً إلى أن “قوة العادة الاستبدادية التاريخية” تعيده وتجره لمربع العنف والاستبداد، لعدم قدرته على تصور أن هناك من يمكن أن يساهم ولو بشكل محدود ورمزي ومن بعيد في المشاركة في السلطة. وثانياً، استقواءً بالنظامين الإيراني والروسي، وبأجهزة القمع الملحقة به، وهو ما خلق لديه وهماً بأن قوته بلا حدود، غير مدرك أن القوة مهما بلغ عنفها وبطشها، هناك حد معين تقف عنده.

إنه تاريخ طويل من الاستبداد التاريخي العائلي، امتد لقرابة (54 سنة) شلّ الحياة السياسية والديمقراطية، وعطل حركة المجتمع المدني، تمهيداً لتفكيكه، وفقاً لمنطق شروط الاحتراب الداخلي.

وهنا تم استخدام جميع الأوراق المتخلفة في لعبة التفكيك والتدمير للنظام والمجتمع، ولما تبقى من الدولة – التي ابتلعتها السلطة الاستبدادية الأسدية-  من خلال: الطائفية، والمناطقية، والعرقية/القومية، “الأكراد”، وورقة الجماعات الإرهابية الجهادية التكفيرية، التي اشتغلت عليها تركيا منذ سنوات طويلة مع الغرب الاستعماري.

بدأت معه هذه القوى تغزو سوريا من “أطرافها الرخوة”، بدعم إقليمي ودولي كان “البترو دولار العربي” “المذهبي/الطائفي/ السني” بقيادة السعودية حاضراً وفاعلاً؛ مالياً ولوجستياً وأمنياً، في سوريا في مواجهة “الشيعة الإيرانية/العلويين” كما كان يتحدث الخطاب الطائفي المضاد، حتى صارت سوريا مقسمة بل ومحتلة فعلياً من أكثر من خمس دول أجنبية: إيران، وروسيا، وتركيا، وأمريكا، والكيان الصهيوني.

وطيلة السنوات العشر الماضية كانت سوريا تحت حكم الأسد أرضاً مستباحة أمام قوات طيران الكيان الصهيوني، تحوّل معها الأكراد إلى قوة عسكرية وازنة ليس في مناطق تواجدهم التاريخية فحسب، بل وفي غيرها من المناطق. ترافق كل ذلك مع حالة عميقة وخطيرة من الانهيار الاقتصادي بسبب الحصار الأمريكي “قانون قيصر” والعقوبات الاقتصادية الأوروبية. تدهورت خلاله العملة “الليرة”، وتوقفت عملية التنمية بعد أن سيطرت القوات الأمريكية على المواقع والمناطق النفطية والغازية، فضلاً عن الفساد الاقتصادي المتمكن في بنية النظام العائلي.

وبدأت تركيا “العثمانية الجديدة/القديمة” تمارس انتقامها السياسي والقومي التاريخي المؤجل من سوريا الأرض والتاريخ.

 فطموحات تركيا التوسعية في العراق وفي سوريا “حلب”، وفي مناطق أخرى لم تتوقف.

وأوكل أمر الجماعات الجهادية الإرهابية إلى تركيا بقيادة “هيئة تحرير الشام” وملحقاتها، وإلى الكيان الصهيوني الذي كان حاضراً وفاعلاً في هذه اللعبة، وخاصة مع جماعة أبو محمد الجولاني “هيئة تحرير الشام”، التي كانت مجاميعه وغيرها لا تتعالج في مستشفيات الكيان الصهيوني فحسب، بل ويتم تدريب مجاميع منهم من قبل أجهزة أمنية وعسكرية مرتبطة بالكيان الصهيوني.

والتنظيم الإرهابي العالمي ” داعش”, إنما هو صناعة وهندسة امريكية مباشرة، وفقاً لتصريحات العديد من القادة السياسيين والأمنيين الأمريكيين.

يمكنني القول إن نظام الأسد قد سقط فعلياً قبل أكثر من خمس سنوات، وتفككت قواه وقوته الذاتية من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والمؤسساتية، فقط كان يجري تعبيد وتمهيد الأرضية السياسية والأمنية والعسكرية “العملية” لسقوط النظام بالطريقة “التراجو-كوميدية” التي رأيناها، في صورة دخول الجماعات الإرهابية الجهادية “التكفيرية” بقيادة الجولاني/ أحمد الشرع،  إلى المحافظات السورية دون أي مقاومة عسكرية من قوات الجيش والأمن التي أوقف وحصر الأسد الابن دورها في حماية “العرش الأسدي”، بعد أن ارتهن في السنوات الأخيرة في حماية البلاد على روسيا وإيران، وبعد تدميره معنويات الضباط والجنود طيلة السنوات الماضية.

دخلت الجماعات الجهادية التكفيرية تحت قيادة الإرهابي – حسب نص وتعبير قرارات الأمم المتحدة – أبو محمد الجولاني “الشرع” المحافظات السورية وأسقطتها واحدة بعد الأخرى، وكأننا أمام دور تسليم واستلام، حتى وصول الجماعات الإرهابية بأسلحتها القتالية العادية إلى دمشق، وكأنهم في نزهة، هي مسرحية عار سقوط النظام الأسدي العائلي، الذي اكتفى بهروبه مع عائلته والجماعة المقربة منه جداً جداً، مع ما أخذه من أموال الشعب السوري، وما سبق أن هرّبه من أموال في البنوك الأجنبية.

وهو ما أشار إليه الرئيس الإيراني قبل عدة أيام من شهرنا هذا نوفمبر ٢٠٢٥م، في قوله إنهم صرفوا على سوريا من أجل تنميتها أكثر من مليار دولار، ذهبت كلها إلى “جيب” بشار الأسد.

كان “البترو دولار السعودي” تحديداً حاضراً في لعبة تمويل الجماعات الجهادية بالمال والسلاح، وبالدور الاستخباراتي طيلة العشر السنوات الماضية، وكانت السعودية حاضرة وبقوة في المساهمة في إسقاط النظام السوري في الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤م، وهو حلمهم لتصفية القضية الفلسطينية التي باتت تشكل حالة أرق وقلقاً وإرباكاً للنظام السعودي، ولذلك كان تركيزهم وعنايتهم بإسقاط سوريا بعد أن تم تحييد مصر منذ “كامب ديفيد” حتى اليوم.

كان الخطاب القومي العربي الاستراتيجي يقول إن “لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا”.

ومع إسقاط النظام السوري كدولة لا يمكننا الحديث عن “الأمن القومي العربي”.

أصبحت المنطقة العربية كلها مكشوفة وعارية ومتهيئة للمزيد من التفكيك والتقسيم على صعيد كل قطر.

ولذلك أعلن نتنياهو مشروع إقامة دولة إسرائيل الكبرى على الملأ، وعرض خرائطها من على منصة الأمم المتحدة.

اليوم المنطقة العربية كلها مستباحة، وفي حالة فراغ سياسي استراتيجي، تملؤه دولة الكيان الصهيوني التي احتلت اليوم حوالي خمس الأرض السورية، وتركيا العثمانية تحتل وتسيطر على معظم المناطق الحدودية مع سوريا، بل هي اليوم طرف سياسي نافذ ومقرر في صورة إدارة سياسات النظام القائم، الذي دخل إلى سوريا بتوافق أمريكي تركي، وبدعم وتمويل عربي متصهين، وباقي الفراغ السياسي في المنطقة تسيطر عليه إيران، فالعراق تتقاسمه أمريكا وإيران بالمطلق، من بعد الغزو الأمريكي للعراق، ولأمريكا قواعد عسكرية في أكثر من مكان في أرض العراق، ولإيران “حشودها المسلحة الطائفية”، هي قسمة ضيزى لأرض بابل والرافدين ومهد الحضارة العربية الإسلامية.

إن سقوط سوريا شارك فيه نظام الاستبداد العائلي الأسدي، وأمريكا وتركيا، وبعض أنظمة “البترو دولار” بقيادة السعودية التي تمارس دورها التخريبي في أكثر من بلد عربي مع دويلة الإمارات، وتحديداً في بلادنا اليمن.

بعد سقوط سوريا انفتح باب “التطبيع الإبراهيمي” أمام السعودية التي تحثّ الخطى بهدوء للسير في هذا الاتجاه بعد استكمال بعض الترتيبات السياسية والأمنية والعسكرية في غزة/فلسطين، وفي لبنان، أي أن المسألة قضية وقت فقط.

وهنا ينتصب الشرط السعودي والإماراتي قوياً في ضرورة تصفية ما تبقى من سلاح المقاومة بيد “حماس” و”حزب الله”، وأنهم لن يشاركوا في إعادة الإعمار في غزة/فلسطين، وفي لبنان، إلا بعد استكمال تصفية أي حضور مادي أو عسكري للمقاومة ليس في غزة/فلسطين، وفي لبنان، بل حتى تصفيتهم المعنوية لأي وجود لمعنى فكرة المقاومة “كفكرة”، وهو الشرط أو الحلم الصهيوني المستحيل الذي يحاولون تنفيذه بأدوات عربية، فما لم يتمكن الكيان الصهيوني من أخذه بالحرب وبالإبادة الجماعية يحاولون إنجازه تحت شعارات السلام الإبراهيمي.

ولذلك يشتغل الإعلام السياسي السعودي والإماراتي ليل نهار لشيطنة المقاومة ولتمرير وشرعنة السردية الصهيونية، بتصويرهم أن السابع من أكتوبر 2023م هو السبب لكل “حرب الإبادة” في غزة، وفي لبنان، مع أن العالم كله، الأوروبي “الشعوب” خرج إلى الشوارع وما يزال يخرج ويتحرك معلناً رفضه وإدانته لحرب الإبادة الصهيونية في غزة، وضد العدوان على لبنان.

الجامعات الأمريكية والأوروبية حتى الرسمية منها خرجت للشارع، بمن فيهم جماعات يهودية تدعم الحق الفلسطيني، معلنة رفضها للإبادة الجماعية.

 دول أوروبية كبرى اليوم تقف مع الحق الفلسطيني ومع حق “حل الدولتين”، وفقاً لحدود الرابع من حزيران/ يونيو،١٩٦٧م، وجميع الهيئات الدولية الأممية تعلن إدانتها ومقاطعتها وحصارها للكيان الصهيوني، وترفع الأعلام الفلسطينية “فلسطين حرة” في معظم المناطق الأمريكية والأوروبية والأفريقية، وفي دول أمريكا اللاتينية.

حالة تضامن إنسانية عالمية غير مسبوقة مع القضية الفلسطينية في كل التاريخ العالمي، نموذجها أساطيل “الحرية” و”الصمود” العالمية التي يشارك فيها برلمانيون أوروبيون، وقضاة، ومفكرون، وممثلون عالميون كبار، جميعهم بمثابة إعلان لسقوط السردية الصهيونية، سقط معها شعار “معاداة السامية”، أمام “جريمة حرب الإبادة” القائمة على الأرض، وضع معها الكيان الصهيوني في عزلة دولية، وفي زاوية جُرح إنسانياً وحقوقياً وقانونياً.

المحاكم الدولية تصدر أحكاماً ضد قادة الكيان الصهيوني، حتى وصول “زهران ممداني”، الهندي/الأفريقي، المسلم/الشيعي، إلى موقع ومنصب “عمدة نيويورك”، صارت معه القضية الفلسطينية ليس قضية وطنية فلسطينية، ولا قضية قومية عربية، بل قضية إنسانية عالمية بامتياز.

كل ذلك كان نتيجة من نتائج التداعيات الإيجابية لانتفاضة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، شاء من شاء ورفض من رفض.

هذه هي الحقيقة السياسية والإنسانية والتاريخية الصارخة التي نراها ماثلة ومتمثلة في حالة نادرة من التضامن الإنساني، وفي صحوة مدوية للضمير الجمعي الإنساني في كل العالم، إلا بعض دول النظام السياسي العربي المتصهينة، هي الوحيدة التي ترفع راية إدانة “حماس” و”حزب الله اللبناني” تحت شعار الحوار واستكمال عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني باسم رفض العنف والجنوح للسلام، “كما جنح لها السادات حتى الركوع”، سلام لا معنى له سوى أنه استسلام كامل للمشروع الاستعماري الأمريكي الصهيوني.

اليوم صارت قرارات القمة العربية في بيروت 2002م، التي مثّلت سقف الحد الأدنى المقبول من الحقوق السياسية العربية، خلفنا ولم يعد أحد، بمن فيهم السعودية صاحبة المبادرة، يتحدث عنها، لأنهم تصوروا أن حرب الإبادة في غزة وسقوط نظام الأسد بيد الجماعات الإرهابية، وبدعم أمريكي تركي وسعودي، قد أسدل عليها الستار نهائياً وصارت من الماضي.

وإلى الحلقة الثانية، من رئيس إرهابي لسوريا.

اقرا أيضا للكاتب:الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور السقاف في كتابه بمناسبة الذكرى (٤٧) لتأسيس الحزب (3-3)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى