كتابات فكرية

اليمن بعد وقف إطلاق النار في غزة: من رصيد المقاومة إلى معادلة الدبلوماسية

اليمن بعد وقف إطلاق النار في غزة: من رصيد المقاومة إلى معادلة الدبلوماسية

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الاحد 19 أكتوبر 2025-

 – كاتب وباحث في الشؤون الإقليميّة والدولية

مقدمة

بعد عامين من التحولات الميدانية والسياسية الكبرى في الإقليم، يجد اليمن نفسه أمام مفترق حاسم بين رصيد المقاومة الذي راكمه في سياق دعمه لغزة، وبين مسؤولية تحويل هذا الرصيد إلى مكاسب دبلوماسية واقتصادية وإنسانية مستدامة.

فالتحولات التي أفرزها وقف إطلاق النار في غزة — بوساطة دولية وإقليمية واسعة — لم تُنهِ فقط مرحلة من المواجهات العسكرية، بل فتحت الباب أمام إعادة رسم التوازنات في المنطقة، بما فيها الدور اليمني الذي برز كفاعل جديد في معادلة الردع الإقليمي.

أولاً: اليمن في لحظة ما بعد غزة — من المقاومة إلى المبادرة

منذ أواخر عام 2023، تحوّل اليمن من ساحة صراع داخلي إلى قوة مؤثرة في معادلة الأمن البحري الإقليمي، من خلال عملياته ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، التي اعتُبرت “نصرة لغزة”، وفق ما أكده السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.

لكن مع إعلان وقف إطلاق النار في غزة، برزت حاجة يمنية داخلية إلى إعادة تعريف الأهداف الاستراتيجية:

من الدفاع عن القضية الفلسطينية إلى الانتقال نحو البناء الوطني والتفاعل الدبلوماسي.

ومن الصراع المفتوح مع الغرب إلى إدارة توازن محسوب يضمن الردع دون العزلة.

ثانياً: تحويل الرصيد السياسي والعسكري إلى مكاسب واقعية

و بحسب خطتي للمرحلة القادمة يجب ان تتجه الاستراتيجية اليمنية الجديدة نحو ثلاثة مسارات مترابطة:

1. تثبيت المكاسب الدبلوماسية:

عبر انخراط فوري مع دول عربية وإسلامية وفاعلين دوليين، لتوضيح أن اليمن لم يكن في موقع التهديد الإقليمي، بل في موقع الدفاع عن الحقوق الإنسانية والقيم المشتركة.

2. تحويل النفوذ إلى موارد:

تستند الخطة إلى فتح مسارات تمويل مشروطة لإعادة الإعمار وصرف الرواتب، مقابل ضمانات للشفافية وإدارة مشتركة مع المانحين الإقليميين. و بما يضمن السيادة اليمنية المطلقة على تلك الملفات

ويُنظر إلى ذلك كاختبار لقدرة اليمن على تحويل القوة إلى اقتصاد، لا إلى عزلة سياسية أو عقوبات.

3. ضبط الاستخدام العسكري:

تهدف الخطة إلى التأكيد على ربط أي نشاط عسكري مستقبلي بسياسات تصعيد مدروسة وآليات مساءلة داخلية. بما يمنع إعادة تصنيف اليمن كـ”تهديد عالمي للملاحة”. والعمليات العسكرية القادمة ستكون مرتبطة بالحرب على غزة

وهي خطوة تسعى لصيانة الردع دون الدخول في مواجهة شاملة.

ثالثاً: إدارة المخاطر في مرحلة التهدئة

رغم المكاسب المعلنة، تواجه صنعاء تحديات حساسة تتعلق بثلاثة مستويات من المخاطر:

خطر عودة الهجمات البحرية:

من قبل الولايات المتحدة الأمريكية

وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انتكاسة في العلاقات مع الوسطاء الدوليين إذا لم تُدار بآليات شفافة تضمن أن العمليات مرتبطة فقط بالتصعيد ضد غزة أو العدوان المباشر على اليمن.

مخاطر حقوقية داخلية:

إذ تتابع منظمات دولية كـهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية الأوضاع الحقوقية في مناطق سيطرة صنعاء، وهو ما قد يُستغل لتقييد التمويل الإنساني مستقبلاً.

تحدي الشرعية الدولية:

فاليمن اليوم أمام اختبار إعادة تقديم نفسه كـ”دولة مسؤولة” لا كـ”كيان مقاوم”، عبر إطلاق بيان دبلوماسي رسمي يؤكد التزامه بالتهدئة، وحرصه على حماية الملاحة البحرية والإنسانية.

رابعاً: الدبلوماسية الجديدة — خلية وطنية وحملة إعلامية متعددة اللغات

توصي الخطة التنفيذية بتشكيل “خلية الاستفادة الوطنية”، تضم وزارات الخارجية، الدفاع، الإعلام، والمالية، إلى جانب منسقين مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي.

كما تقترح إطلاق حملة إعلامية متعددة اللغات تركز على ثلاث رسائل رئيسية:

1. إنسانية الموقف اليمني.

2. التزامه بالاستقرار الإقليمي.

3. انخراطه في إعادة الإعمار والشفافية.

هذه المقاربة تمثل تحولاً من منطق الرد العسكري إلى منطق القوة الناعمة والدبلوماسية الوقائية.

خامساً: قياس النجاح — من باب المندب إلى العواصم الدولية

الخطة تقترح مجموعة من المؤشرات الكمية النوعية (KPIs) لقياس نجاح المرحلة الانتقالية خلال 6 أشهر:

إجراء 8 جولات دبلوماسية رسمية مع دول إقليمية وجهات مانحة.

الحصول على تعهدات تمويلية لا تقل عن 300 مليون دولار.

خفض الحوادث البحرية في باب المندب بنسبة ملموسة.

صرف دفعة رواتب مبدئية تغطي 30–50% من موظفي الدولة.

تحقيق هذه الأهداف سيعني عملياً خروج اليمن من دائرة العزلة إلى موقع فاعل في الاستقرار الإقليمي.

خاتمة: من “نصرة غزة” إلى “إعادة تعريف اليمن”

لقد أكسبت الحرب على غزة اليمن رصيداً سياسياً وشعبياً غير مسبوق، لكنها في الوقت ذاته فتحت أمامه مسؤولية تاريخية: كيف يحافظ على مكاسب الردع دون خسارة بوصلته السياسية والاقتصادية.

إن تحويل المقاومة إلى دبلوماسية، والانتصار العسكري إلى إعادة إعمار، يمثلان التحدي الأكبر لصنعاء في الأشهر القادمة.

فالعالم يتجه اليوم نحو مرحلة “إدارة النفوذ”، واليمن مطالب بأن يكون لاعباً لا عائقاً، وصانعاً للسلام لا مجرد مذكِّر بثمن الحرب.

  • بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف – كاتب وباحث في الشؤون الإقليميّة والدولية

اقرأ أيضا:الجماهير المليونية تؤكد على الدور العظيم للشهيد اللواء عبدالكريم الغماري

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى