كتابات فكرية

خطة ترامب – تنياهو: سلام يشرعن الاحتلال ويجهض القضية الفلسطينية

 خطة ترامب – تنياهو: سلام يشرعن الاحتلال ويجهض القضية الفلسطينية

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الثلاثاء 30 سبتمبر 2025-

مقدمة

في مؤتمر صحفي مشترك، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عما أسمياه “خطة شاملة لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق سلام أبدي في الشرق الأوسط”.

 لكن بقراءة دقيقة لمضمون الخطة تكشف لنا أنها ليست سوى إعادة إنتاج لسياسات الإملاء، تقوم على تكريس الاحتلال الصهيوني، نزع سلاح المقاومة، تحميل العرب العبء الأمني والمالي، وتصفية القضية الفلسطينية من جذورها.

أبرز محاور الخطة كما طُرحت

1. إنهاء الحرب في غزة وإطلاق الرهائن.

2. تدمير البنى التحتية لحماس (الأنفاق، مصانع السلاح) وفرض نزع سلاحها.

3. انسحاب الاحتلال على مراحل بجدول زمني “سيُتفق عليه”، دون ضمانات واضحة.

4. تحميل العرب والمسلمين مسؤولية التعامل مع حماس بدلًا من الاحتلال.

5. تأسيس مجلس سلام دولي برئاسة ترامب وبمشاركة توني بلير وقادة آخرين، لإدارة غزة مدنيًا بالتعاون مع البنك الدولي، مع استبعاد حماس والسلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة.

6. استمرار الاحتلال الصهيوني في الإدارة الأمنية لقطاع غزة.

7. معارضة إقامة دولة فلسطينية بشكل قاطع.

8. الترويج لاتفاقات إبراهام وتوسيعها، مع الإشارة – بسخرية سياسية – إلى احتمال انضمام إيران إليها.

ما لم يقله ترامب ونتنياهو

الخطة، وإن بدت متكاملة على الورق، إلا أنها تعمدت تجاهل القضايا الجوهرية:

لم تذكر قيام دولة فلسطينية مستقلة.

لم تتحدث عن إعمار غزة أو التعويضات لسكانها بعد سنوات الحصار والدمار.

لم تتطرق إلى وقف الاستيطان في الضفة الغربية.

لم تطرح أي ضمانات بعدم شن عدوان جديد على غزة.

لم تتناول حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير الذي تكفله مواثيق الأمم المتحدة.

إنها خطة “انتقائية” تستبعد القضايا الأساسية وتُحمل الفلسطينيين مسؤولية “إدانة الإرهاب”، بينما تُعفي الاحتلال من تبعاته كقوة احتلال.

مخالفة صريحة للقانون الدولي

1. القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف 1949): ينص على أن قوة الاحتلال تتحمل المسؤولية الكاملة عن السكان المدنيين في الأراضي المحتلة. الخطة أعفت الاحتلال من أي التزام إنساني أو اقتصادي.

2. قرارات الأمم المتحدة:

القرار 242 (1967) و 338 (1973) يؤكدان انسحاب “إسرائيل” من الأراضي المحتلة. الخطة لم تتعهد بذلك بوضوح.

القرار 2334 (2016) يجرّم الاستيطان، بينما لم تشر الخطة إلى وقفه.

القرار 194 (1948) الخاص بحق العودة للفلسطينيين، غُيّب تمامًا.

3. مبدأ تقرير المصير: وفق المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، كل الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها. خطة ترامب–نتنياهو ألغت هذا الحق صراحة.

مدى قابلية التنفيذ

الخطة، في بنيتها، غير قابلة للتنفيذ لعدة أسباب:

التناقضات الداخلية: الاحتلال يعارض دولة فلسطينية، العرب يرفضون لعب دور “شرطي الاحتلال”، والفلسطينيون يرفضون أي تسوية بلا سيادة.

استبعاد الفاعل الأساسي: استبعاد حماس والسلطة والفصائل من المعادلة يجعلها “خطة بلا طرف فلسطيني”.

غياب الضمانات: لا ضمان للانسحاب، ولا لوقف العدوان، ولا لرفع الحصار.

شرعنة القوة: الدعم المطلق لنتنياهو “لإنهاء المهمة وتدمير حماس” يعني أن الخطة تُشرعن الحرب بدل أن تنهيها.

بين “السلام الأبدي” و”الفوضى الأبدية”

ترامب ونتنياهو يقدمان الخطة كطريق إلى “سلام أبدي”، لكنها في حقيقتها وصفة لـ فوضى مستدامة:

إقصاء الفلسطينيين من تقرير مصيرهم.

شرعنة الاحتلال الأمني لغزة.

إشعال صراعات عربية–فلسطينية عبر تكليف العرب بمواجهة المقاومة.

إدامة الاستيطان في الضفة.

إنها ليست خطة سلام، بل خطة حرب مؤجلة تحت عنوان “إدارة الصراع” بدل حله.

الخلاصة

خطة ترامب – نتنياهو ليست إلا محاولة لإعادة تسويق الاحتلال بغطاء دولي وإقليمي. هي مخالفة صريحة للقانون الدولي، متعارضة مع قرارات الأمم المتحدة، وغير قابلة للتنفيذ على الأرض إلا إذا فُرضت بالقوة.

لكن كما فشلت “صفقة القرن”، ستواجه هذه الخطة الرفض ذاته؛ لأنها لا تقدم للفلسطينيين شيئًا سوى التجريد من الحقوق والهوية. السلام الحقيقي لا يُبنى على إنكار القوانين الدولية، ولا على تهميش أصحاب الأرض، بل على إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة.

المراجع

ميثاق الأمم المتحدة، المادة 1.

اتفاقيات جنيف الرابعة (1949).

قرار مجلس الأمن 242 (1967)، 338 (1973)، 2334 (2016).

الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار 194 (1948).

Haaretz, 2025/08/15 – حول تصريحات نتنياهو برفض الدولة الفلسطينية.

New York Times, 2025/08/16 – تغطية المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو.

الجزيرة نت، 2025/08/17 – تحليل حول خطة غزة الجديدة.

 اقرأ أيضا: الاحتلال يرتكب مجازر جديدة في غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى