حلّ الدولتين بين الاعترافات الشكلية والتواطؤ الدولي

حلّ الدولتين بين الاعترافات الشكلية والتواطؤ الدولي
بقلم الدكتور: عبد الرحمن المؤلف
الثلاثاء 24 سبتبمر2025-
على مدى اليومين الماضيين، شهد العالم موجة جديدة من الاعترافات بدولة فلسطين، شملت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا وبلجيكا وموناكو، لتنضم إلى أكثر من 160 دولة تعترف نظريًا بفلسطين كدولة مستقلة. وقد رافق هذه الاعترافات مؤتمر نيويورك، برئاسة السعودية وفرنسا، الذي تبنّى “إعلان نيويورك” الداعي لتسريع تنفيذ حلّ الدولتين.
لكن خلف هذا المشهد “الدبلوماسي” المليء بالشعارات، تكمن حقيقة مرة: هذه الاعترافات ليست سوى إجراءات شكلية بلا أثر ملموس على الأرض، بل تُوظف سياسيًا لتخدير الرأي العام، ولمنح غطاء للدول العربية الساعية للتطبيع العلني مع الاحتلال، في حين تواصل إسرائيل والولايات المتحدة إعلان رفضهما القاطع لقيام دولة فلسطينية.
بين الاعتراف الشكلي والواقع الدموي
رغم الاعترافات المتكررة، لا تزال فلسطين عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة، بسبب الفيتو الأمريكي المتكرر الذي أفشل أي محاولة لانتزاع العضوية الكاملة. وفي الوقت الذي تتسابق فيه العواصم الغربية لإصدار بيانات الاعتراف، فإن هذه الدول نفسها تواصل دعم الاحتلال الصهيوني سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا:
كاستمرار تزويد إسرائيل بالسلاح وقطع غيار الطائرات التي تقتل المدنيين في غزة، وتعطيل تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية بوقف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، والاكتفاء بخطوات شكلية مثل تقليص استيراد منتجات المستوطنات أو فرض قيود على الوقود، دون المساس بالاقتصاد الإسرائيلي الحقيقي.
بالمقابل، تبقى غزة تحت الإبادة الجماعية: قتل يومي، حصار خانق، مجاعة ممنهجة، ومساعدات إنسانية ممنوعة من الدخول. أما في الضفة الغربية، فالاستيطان يتوسع، المنازل تُهدم، والتهجير والاعتقالات مستمرة بوتيرة متصاعدة.
مؤتمر نيويورك: إعادة تدوير الوهم
البيان المشترك الصادر عن مؤتمر نيويورك (23 سبتمبر 2025) بدا وكأنه إعادة إنتاج لخطاب أوسلو بعد ثلاثة عقود من فشله. إذ نص على:
“دولة واحدة، حكومة واحدة، سلاح واحد” تحت سلطة فلسطينية معزولة ومقيدة أمنيًا.
نزع سلاح المقاومة وتسليم غزة للسلطة الفلسطينية بإشراف أمريكي–أوروبي.
إصلاح المناهج الفلسطينية وفق إشراف أوروبي–سعودي، وإلغاء رواتب الأسرى والشهداء.
بهذا، يهدف المؤتمر لا إلى تمكين الفلسطينيين من دولة ذات سيادة، بل إلى تفكيك المقاومة وتحويل السلطة الفلسطينية إلى جهاز أمني وكيل، بينما يُترك الاحتلال على حاله في الضفة، ويوفر له الوقت لتوسيع الاستيطان وضم الأراضي.
الموقف الأمريكي–الإسرائيلي: رفض مطلق
بينما تنشغل الدول الأوروبية بتصريحات “الاعتراف”، كان الموقف الأمريكي والإسرائيلي أكثر وضوحًا وحسمًا:
واشنطن أعلنت بلسان مسؤوليها وقرارات الفيتو المتكررة أنها لن تسمح بقيام دولة فلسطينية.
إسرائيل وسّعت مشاريع الضم في الضفة الغربية بدعم أمريكي مباشر، بما في ذلك الضوء الأخضر الذي منحته دوائر أمريكية لضم مناطق واسعة.
حكومة نتنياهو تعلن بوقاحة أن أي “حل سياسي” يجب أن يضمن أمن إسرائيل أولًا، ويستبعد الدولة الفلسطينية نهائيًا.
الاعترافات كغطاء للتطبيع
لا يمكن قراءة هذه الاعترافات بمعزل عن السياق العربي. إذ تمنح هذه الخطوات الشكلية غطاءً سياسيًا للدول العربية الساعية للتطبيع، بحيث يُقدَّم التطبيع بوصفه جزءًا من “مسار دولي” نحو حل الدولتين، بينما في الواقع هو تكريس لشرعية الاحتلال.
خلاصة: بين الحقيقة والخيال
إن موجة الاعترافات الأخيرة، مهما بلغ عددها، لا تغيّر شيئًا من حقيقة الصراع:
فلسطين لا تزال بلا سيادة ولا حدود ولا جيش.
الاحتلال يزداد شراسة بدعم أمريكي وغربي مباشر.
ما يسمى “حل الدولتين” لا يعدو كونه سرابًا سياسيًا يُستثمر لإضعاف المقاومة وتجميل صورة الغرب.
إن الحقيقة المؤلمة أن الدولة الفلسطينية في المنظور الغربي ليست مشروع تحرير، بل مشروع احتواء. وما لم تُغيّر موازين القوى على الأرض، سيبقى “حل الدولتين” شعارًا للاستهلاك السياسي، لا أكثر.
اقرأ أيضا:إسبانيا تهدد بالرد على أي عمل إسرائيلي ضد أسطول الحرية
