كتابات فكرية

الطائرات المسيّرة اليمنية: إخفاقات الردع الصهيوني وتبدّل قواعد الاشتباك

 الطائرات المسيّرة اليمنية: إخفاقات الردع الصهيوني وتبدّل قواعد الاشتباك

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الأربعاء 10 سبتمبر 2025-

في مشهد يعكس عمق التحولات الاستراتيجية الجارية في المنطقة، عاشت الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الساعات الماضية على وقع استنفار عسكري صهيوني غير مسبوق، بعد اختراق أسراب من الطائرات المسيّرة اليمنية أجواء الكيان، واستهدافها مطار بن غوريون في اللد، ومطار رامون في أم الرشراش، إضافة إلى “هدف حساس” في ديمونة جنوبي فلسطين المحتلة.

إعلام العدو اعترف بأن صافرات الإنذار دوّت في عدة مناطق، بينها متسبيه شاليم في البحر الميت، فيما أُغلِق المجال الجوي في مطار بن غوريون بعد رصد مسيّرات يمنية تطاردها مروحيات وطائرات حربية في سماء القدس. هذه التطورات تضع الاحتلال الصهيوني أمام مأزق وجودي جديد: كيف يمكن لدولة تدّعي “التفوق التكنولوجي” أن تعجز عن صد مسيّرات قادمة من اليمن، تقطع آلاف الكيلومترات وتضرب في العمق الاستراتيجي؟

فشل متراكم في معادلة الردع

الكيان الصهيوني، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، حاول خلال الشهور الماضية نقل المواجهة إلى الداخل اليمني عبر الغارات الجوية والاغتيالات، في محاولة لكسر الإرادة القتالية للشعب اليمني وقيادته. لكن الرد اليمني أثبت أن الحسابات كانت خاطئة. فالعمليات الأخيرة تؤكد أن القوات المسلحة اليمنية لا تكتفي بصد العدوان، بل تملك القدرة على نقل المعركة إلى العمق الاستراتيجي للاحتلال.

المعادلة الجديدة، التي رسّختها العمليات اليمنية منذ أواخر 2023، تقوم على مبدأ: “كل عدوان في غزة واليمن يقابله رد مباشر في فلسطين المحتلة”. هذه المعادلة كسرت الأسطورة التي بناها الاحتلال طيلة عقود حول “المناعة الأمنية”، وجعلت المطارات والمراكز الحيوية في مرمى النيران.

رهان صهيوني على الضغط الداخلي

من اللافت أن بعض وسائل الإعلام الصهيونية حاولت استغلال الوضع الداخلي اليمني، عبر الحديث عن “رهائن حوثيين” و”خوف القيادة من انتفاضة الشارع بسبب نقص الوقود والكهرباء”. لكن الوقائع الميدانية تكشف العكس: كل استهداف للمدنيين والبنية التحتية في اليمن لا يؤدي إلا إلى مزيد من الالتفاف الشعبي حول مشروع المقاومة، كما حدث خلال سنوات العدوان بقيادة التحالف السعودي–الإماراتي المدعوم أمريكيًا.

إن الحديث عن “انتفاضة داخلية” مجرد وهمٍ تسوقه الدعاية الصهيونية. فالشعب اليمني يدرك أن الأزمات الاقتصادية والمعيشية هي نتاج مباشر للعدوان والحصار، وأن الردع العسكري هو السبيل الوحيد لانتزاع حقوقه.

قراءة استراتيجية: من غزة إلى صنعاء

إن تصاعد العمليات اليمنية في العمق الصهيوني يحمل عدة دلالات:

1. تآكل الردع الأمريكي–الصهيوني: فكل عملية يمنية ناجحة تعني سقوط جزء من “هالة الحماية” التي كانت واشنطن تتعهد بها للكيان.

2. توسيع جغرافيا المواجهة: من البحر الأحمر إلى ديمونة، ومن مطار بن غوريون إلى رامون، ما يعني أن الاحتلال بات محاصرًا بجبهات متعددة.

3. رسالة ردعية واضحة: أي تصعيد ضد اليمن أو غزة سيقابل برد يطال مفاصل الكيان الحيوية، بما فيها المطارات والمراكز النووية.

خاتمة: زمن المبادرة اليمنية

لم يعد اليمن في موقع “المتلقي للعدوان”، بل انتقل إلى موقع المبادِر الاستراتيجي. ومع كل عملية ناجحة، تتعمّق قناعة العدو أن الحرب لم تعد في ميدان واحد، وأن “الحصانة الأمنية” التي طالما تبجّح بها تتهاوى أمام أسلحة محلية الصنع طوّرها شعب محاصر منذ سنوات.

إن الطريق الأقصر لوقف هذه الاستنزافات لا يكمن في قصف المدنيين اليمنيين أو محاصرتهم بالوقود والكهرباء، بل في وقف الجرائم في غزة وإنهاء العدوان على اليمن. لكن يبدو أن قيادة الكيان –وعلى رأسها بنيامين نتنياهو– مصرة على سلوك الطريق الأصعب، طريق الزوال والعودة إلى الشتات.

✦ المصادر والمراجع

بيان القوات المسلحة اليمنية حول العملية (قناة المسيرة – 2025/09/06).

صحيفة هآرتس الصهيونية: “إغلاق المجال الجوي في مطار بن غوريون بعد رصد مسيّرات” (2025/09/06).

وكالة الأنباء الفرنسية (AFP): “هجمات مسيّرة من اليمن تستهدف مطارات في إسرائيل” (2025/09/06).

مركز الدراسات الفلسطينية، “المعادلات الجديدة في البحر الأحمر والعمق الإسرائيلي”، بيروت (2024).

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، “فشل الردع الإسرائيلي أمام هجمات اليمن”، (2024).

 اقرأ أيضا:لماذا تستهدف إسرائيل دول الوساطة؟ وهل سيتم استهداف القاهرة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى