كتابات فكرية

استراتيجية النفس الطويل رهان أميركا وإسرائيل لإسقاط صنعاء

استراتيجية النفس الطويل رهان أميركا وإسرائيل لإسقاط صنعاء

بقلم الدكتور: عبد الرحمن المؤلف

الثلاثاء 19 أغسطس2025_  

منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مطلع مايو/2025 هدنة عسكرية مع حكومة صنعاء، بدا واضحًا أن واشنطن، ومن خلفها الاحتلال الصهيوني، أدركتا أن الخيار العسكري المباشر في اليمن محكوم عليه بالفشل. التجربة القصيرة من الغارات الجوية منذ مارس 2025 أكدت أن أي محاولة لاقتحام صنعاء عسكريًا ستتحول إلى حرب استنزاف مفتوحة تُنهك الجيش الأميركي، وتُضعف إسرائيل التي تعيش أصلًا أسوأ مراحلها.

من هنا، انطلقت الاستراتيجية البديلة: رهان “النفس الطويل”، حيث تتجنب واشنطن الحرب المباشرة، وتعمل بدلًا من ذلك على إنهاك حكومة صنعاء من الداخل عبر أدوات اقتصادية، سياسية، وأمنية متدرجة.

محاور الاستراتيجية الأميركية–الصهيونية

1. بناء نموذج اقتصادي منافس في عدن

بدأت إدارة ترامب بضخ دعم مباشر لحكومة أحمد بن بريك، مع وعود بتحسين سعر الصرف وخفض الأسعار.

التركيز على توفير الخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه) ودفع الرواتب بشكل دوري، لإظهار فارق حاد بين عدن وصنعاء.

الهدف: خلق حالة من “المقارنة الشعبية” تدفع المواطن في صنعاء لتمني تجربة عدن، حتى وإن كانت تحت إدارة موالية لواشنطن.

2. العقوبات والخنق الاقتصادي على صنعاء

تضييق الخناق البري والبحري، وفرض عقوبات مالية تستهدف النشاط التجاري والتحويلات النقدية.

استمرار سياسة الضرائب المرتفعة وانقطاع الرواتب داخل مناطق سيطرة حكومة صنعاء، ما يزيد من حالة التململ الشعبي.

3. إثارة الاضطرابات الأمنية الداخلية

دعم تحركات تُخل بالأمن في مناطق حكومة صنعاء، لإضعاف صورتها بوصفها سلطة ضابطة ومستقرة.

الرهان أن تتحول هذه الاضطرابات إلى احتجاجات شعبية واسعة، تستفز الأجهزة الأمنية فترد بالقمع، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا ويُفجّر حراكًا أوسع.

4. تفجير الداخل السياسي

استثمار الخلافات الداخلية داخل حركة أنصار الله، ودفع بعض القيادات المهمّشة إلى الانشقاق.

الهدف النهائي: خلق انقسام سياسي يفتح الطريق أمام تسوية تفرض تسليم السلطة إلى رشاد العليمي أو أي واجهة أخرى موالية للولايات المتحدة، دون الحاجة لطلقة واحدة.

سيناريوهات المستقبل أمام صنعاء

وفق قراءة المشهد، لا تمتلك حكومة صنعاء سوى خيارين إذا أرادت البقاء:

1. خيار المواجهة العسكرية

العودة إلى التصعيد العسكري ضد السعودية، بما يضمن انخراطها مجددًا في الحرب،

السيطرة على حقول النفط والغاز في مأرب وشبوة،

توجيه ضربات استراتيجية للرياض تخلط أوراق واشنطن وتُفشل رهاناتها.

2. خيار التسوية السياسية

التعجيل بتوقيع حل سياسي شامل، يضمن لأنصار الله مقعدًا دائمًا في الحكم ضمن شراكة وطنية حقيقية.

إدراك أن بقاء الوضع الراهن، دون مواجهة أو تسوية، هو شهادة وفاة مؤجلة لحكومة صنعاء.

الخاتمة

إنّ “استراتيجية النفس الطويل” ليست جديدة في تاريخ الاستعمار؛ فقد استخدمتها بريطانيا سابقًا في الهند، كما طبقتها واشنطن في أميركا اللاتينية. لكنها في اليمن تواجه معضلة أساسية: إرادة شعب تعود على الحصار والحروب، وأثبت قدرته على قلب المعادلات.

فهل تنجح واشنطن وتل أبيب في استنزاف صنعاء وإسقاطها بالحصار الناعم، أم أن صنعاء ستختار الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.

المراجع والمصادر:

تقارير Middle East Policy Journal (2024–2025) حول “الحروب الهجينة” الأميركية.

دراسة مركز Brookings (مارس 2025) عن “الاستراتيجية الأميركية في اليمن بعد الفشل العسكري”.

وثائق مجلس العلاقات الخارجية CFR عن “أدوات القوة الناعمة والاقتصادية في الشرق الأوسط”.

تقارير صحيفة الأخبار اللبنانية والقدس العربي (2025) حول العقوبات الأميركية والتحركات الاقتصادية في عدن وصنعاء.

أرشيف العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بخصوص الأوضاع الإنسانية في اليمن.

 اقرأ أيضا:الجمهوريات الوراثية: من ثورات الشعوب إلى مؤامرات العائلات (قراءة في مقال القاضي عبد العزيز البغدادي)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى