كتابات فكرية

الشرق الأوسط على حافة الانفجار

 الشرق الأوسط على حافة الانفجار

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الخميس14أغسطس2025_

في مشهد جيوسياسي يزداد سخونة يومًا بعد يوم، تتقاطع خطوط النار بين طهران وتل أبيب، بينما يراقب العالم بقلق من أن تتحول شرارة محلية إلى لهب يلتهم المنطقة وربما الكوكب بأسره. التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل لم يعد مجرد تبادل للتهديدات، بل بات استعدادًا عمليًا على الأرض، مع مناورات مفاجئة أجراها الجيش الإسرائيلي، وفق ما كشفت صحيفة معاريف، تحسبًا لهجوم مباغت من إيران وحليفها حزب الله.

إيران: تثبيت الردع وكسر المعادلات

التصريحات الصادرة عن كبار القادة العسكريين الإيرانيين، من عبد الرحيم موسوي إلى أمير حاتمي وعزيز نصير زاده، تؤكد أن طهران تعتبر الرد العسكري الأخير ضد إسرائيل “نجاحًا استراتيجيًا”، بل وتزعم أنه أجبر تل أبيب وواشنطن على طلب وقف إطلاق النار.

إيران لا تخفي نيتها إعادة بناء بنيتها التحتية النووية وتعزيز قدراتها الصاروخية، وتعتبر أن أي عدوان جديد سيُقابل بردّ “أكثر قوة وحسمًا”، مع متابعة دقيقة لتحركات العدو على كل الجبهات.

إسرائيل: قلق من هجوم خاطف وتعدد الجبهات

في المقابل، يعيش صناع القرار في تل أبيب هاجس هجوم إيراني خاطف قد يغيّر السردية السياسية والعسكرية للحرب، خصوصًا قبل استكمال أهداف العملية في غزة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أشار إلى احتمال فتح جبهات من الشمال عبر حزب الله، ومن الشرق عبر سوريا والأردن، وحتى من الجنوب عبر الحوثيين، بالإضافة إلى موجة هجمات إلكترونية تستهدف البنية التحتية الإسرائيلية.

البعد الأمريكي: دعم حذر وسط أولويات متزاحمة

رغم أن الولايات المتحدة ليست في الواجهة، فإنها تبقى اللاعب الأكثر تأثيرًا. تاريخ التحالف الأمني الأمريكي-الإسرائيلي يظهر أن واشنطن لن تتخلى عن تل أبيب في لحظة المواجهة، لكنها اليوم تواجه ضغوطًا استراتيجية متزامنة في ملفات الصين وروسيا، ما يجعلها أقل استعدادًا للانخراط في حرب مفتوحة قد تتحول إلى صراع عالمي.

من مواجهة إقليمية إلى حرب عالمية ثالثة؟

الخطورة في المشهد الحالي أن الشرق الأوسط لم يعد ساحة صراع ثنائي فحسب، بل نقطة التقاء لمصالح وتوترات قوى كبرى:

روسيا التي تواجه الغرب في أوكرانيا، ولها تحالفات استراتيجية مع إيران.

الصين التي تعارض أي توسع أمريكي في المنطقة، وترى في استقرارها مصلحة لمبادرة “الحزام والطريق”.

أوروبا التي تجد نفسها عالقة بين الاعتماد على واشنطن والرغبة في تجنب مواجهة كبرى.

أي خطأ في الحسابات – سواء هجوم مباغت أو رد انتقامي غير محسوب – قد يجر المنطقة إلى حرب شاملة، ويخلق بيئة مثالية لتداخل النزاعات العالمية، ما يجعل سيناريو الحرب العالمية الثالثة أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال.

السيناريوهات المحتملة: بين التصعيد والتهدئة

1. تصعيد شامل يقود إلى مواجهة إقليمية واسعة

إذا نفذت إيران أو حزب الله هجومًا مباغتًا وواسع النطاق، قد ترد إسرائيل بعملية عسكرية متعددة الجبهات، ما سيدفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر، وقد يجر ذلك روسيا إلى دعم طهران سياسيًا ولوجستيًا، والصين إلى استغلال الموقف سياسيًا ضد واشنطن. هذا السيناريو يحمل مخاطر تحول الصراع إلى حرب عالمية محدودة النطاق في بدايتها، مع احتمال توسعها.

2. تصعيد محدود مضبوط الإيقاع

قد يختار الطرفان (إيران وإسرائيل) تنفيذ ضربات انتقامية متبادلة، لكن دون تجاوز خطوط حمراء متفق عليها ضمنيًا، لتفادي مواجهة شاملة. هذا السيناريو مرجح إذا نجحت الوساطات الدولية – خصوصًا من قطر وتركيا وعُمان – في تثبيت قنوات تواصل سرية.

3. تهدئة مؤقتة مع استمرار الصراع غير المباشر

وهو سيناريو تكرار ما حدث بعد حرب غزة في جولات سابقة، حيث يتم خفض مستوى العمليات العسكرية المباشرة، مقابل تصاعد الهجمات السيبرانية وحروب الوكالة في ساحات أخرى مثل اليمن وسوريا والعراق، مع استمرار بناء القدرات العسكرية للطرفين.

4. انفجار مفاجئ بفعل خطأ في التقدير أو حادث أمني

في منطقة مشبعة بالسلاح والمليشيات والحسابات السياسية المعقدة، أي حادث حدودي أو اغتيال قد يشعل مواجهة واسعة، حتى لو لم يكن مخططًا لها، كما حدث في اغتيال قاسم سليماني عام 2020.

الخلاصة:

المشهد الحالي في الشرق الأوسط يشبه رقصة على حافة الهاوية، حيث تتقاطع إرادات محلية مع حسابات دولية معقدة. ما سيحسم مسار الأحداث ليس فقط قوة الجيوش أو حجم الترسانات، بل قدرة الأطراف على قراءة ميزان القوى العالمي بدقة، وتجنب الخطوة التي قد تدفع الجميع نحو حرب لا يريدها أحد… لكنها قد تفرض نفسها على الجميع.

اقرأ أيضا:قائد الثورة: تصريحات نتنياهو بشأن مشروع إسرائيل الكبرى استهانة بالأمة العربية

الصورة تعبيرية للصراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى