كتابات فكرية

صراع الأيديولوجيا والتكنولوجيا

 صراع الأيديولوجيا والتكنولوجيا

  • أمين الجبر

الأحد22يونيو2025_

في خضم الصراع المستعر بين إيران وإسرائيل، تتجلى أمامنا معركة أعمق من مجرد تبادل نيران أو صراع جغرافي، إنها معركة بين قوتين محوريتين: الأيديولوجيا والتكنولوجيا. سؤالنا المحوري الذي طرحناه في استطلاعنا الفيسبوكي: “من سينتصر، الأيديولوجيا أم التكنولوجيا؟” ليس مجرد تساؤل عابر، بل هو محاولة لفهم جذور الصراع ومآلاته الكارثية المحتملة.

لقد أظهرت نتائج الاستطلاع انقساماً واضحاً في وجهات النظر، حيث رجح غالبية المشاركين كفة التكنولوجيا، مستندين إلى واقع الإنجاز الميداني والدقة التقنية التي تحققها إسرائيل في ساحات المواجهة. يرون في التكنولوجيا قوة حاسمة، قادرة على فرض واقع جديد، وتحقيق نصر ملموس على الأرض. في المقابل، يرى فريق آخر أن الأيديولوجيا هي الأساس، وأن التكنولوجيا ما هي إلا أداة تنبع من الفكر والعقيدة، وأن النصر الحقيقي لا يتحقق إلا عبر تفعيل الأيديولوجيا وتحويلها إلى واقع عملي ملموس.

هذا الانقسام يعكس طبيعة الحرب ذاتها، التي لا تخلو من رهانات عاطفية، وقراءات متشنجة تتأثر بالخلفيات السياسية والدينية والاجتماعية للمشاركين في الاستطلاع. لكن عند التدقيق والتحليل، يتضح أن كل من الأيديولوجيا والتكنولوجيا يحملان في طياتهما مبررات منطقية، وأيضاً ثغرات جوهرية.

فالأيديولوجيا، مهما بلغت من قوة معنوية، تبقى دون دعم مادي ولوجستي قوي مجرد أفكار وأحلام طوباوية لا تترجم إلى نصر على الأرض. فالانتصار لا يكتمل إلا عندما تتوفر له رافعة مادية حاضنة، قادرة على تحويل القيم إلى واقع ملموس، وهذا ما تؤكده التجارب التاريخية التي شهدناها عبر العصور.

أما التكنولوجيا، رغم دقتها وفعاليتها، فهي بلا غايات معنوية سامية، وبلا خلفية أيديولوجية قوية، قد تتحول إلى مجرد أدوات ميكانيكية تفتقد للبوصلة، وقد تتعرض للشلل أو الفشل في اللحظة الحاسمة. التكنولوجيا وحدها لا تصنع النصر، بل تحتاج إلى روح تحركها، وإيمان يدفعها.

لقد أثبت التاريخ أن الحروب ليست مجرد صدامات مادية عابرة، بل هي صراعات أيديولوجية وثقافية عميقة، تتجسد فيها قيم ومعتقدات تتصارع على مستقبل الشعوب والأمم. ومن هنا، فإن الانتصار الحقيقي في هذه المعركة المركبة لن يكون إلا بتكامل الأيديولوجيا والتكنولوجيا، حيث تمنح الأيديولوجيا الدافع المعنوي والروح القتالية، وتوفر التكنولوجيا الوسائل الفعالة لتحقيق الأهداف بأقل تكلفة وأعلى دقة.

في هذه اللحظة الحرجة التي يمر بها الشرق الأوسط، حيث تتشابك المصالح وتتداخل الأبعاد، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، وكل السيناريوهات ممكنة. علينا أن ننتظر، نتأمل، نحلل، ونتخذ قراراتنا بحكمة ووعي، مع اليقين بأن القوة الحقيقية لا تنبع إلا من وحدة الإرادة والهدف.

وفي النهاية، لا راد لقضاء الله وقدره، وهو القادر على كل شيء، وهو الذي يملك مفاتيح النصر والتمكين..

اقرأ أيضا:هكذا تكلم عبد الحليم قنديل عن ملئ إيران الفراغ الذي تركته مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى