إبراهيم بن على الوزير

أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (20)

 أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (20)

سلبيات الحركة الإسلامية المعاصرة

{قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} (سورة آل عمران – آية ١٦٥)

بقلم : عزيز بن طارش سعدان

الأحد9مارس2025_

 ولا يعني امتداد هذا أن نماذج الإسلام الفريدة هذه لا تتكرر.. فإن عطاء الحركة الإسلامية على مدار التاريخ والأجيال قد كتب أروع آيات السمو الإنساني وفي الحركة الإسلامية المعاصرة قد أبان كذلك عن نماذج بشرية فريدة هي لتلك الجذور الإسلامية الضاربة في تاريخ الإسلام، والذي كان وسيظل إلى الأبد، شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..

ليس هنالك من منصف يلتزم الحقيقة ويستطيع ألا يرى في الحركة الإسلامية المعاصرة من جسد أعلى درجات التضحية الإيمانية بماله ودمه ونفسه، ومن تناوشته وحوش التعذيب المسعورة الضارية تمزيقاً وتقطيعاً، وتعذيباً وتحريقاً، وتشويهاً ومثله!! ممن لقوا الله في أروع صور الاستشهاد ولكن هذا ظل منحصراً بفئة ممتازة ولم يعم القوة ذات الفعالية في المجموع الناتج عن الحركة، إذ أن هناك بعض صفات أساسية عرقلت المسير السوي لمعظم الحركات الإسلامية المعاصرة منها:

(أ) فقدان الروح الجماعية المنضبطة، بحيث كانت هنالك ثغرات نفذ منها المتربصون ليشعلوا نار الفرقة، فيكون الفشل وذهاب الريح…

(ب) الفتنة التي كشفت عن بعض عناصر أخلدت إلى الأرض واستكانت إلى الدعة والاسترخاء، بعيداً عن المغارم، قريباً من المغانم ظلت متشبثة بما لا يضر مصالحها الجديدة، ولا يشكل في ذات الوقت قوة إيجابية ووجدت فيها القوى التي تستخدم الإسلام ولا تخدمه، ستاراً لعوراتها، ووسيلة لتجميد طاقات طائفة من المخلصين وقعوا في الشراك دافعة. الناعمة …

(جـ) إقليمية العمل الإسلامي، وعدم تحرره من آثار المكان الذي ترعرع فيه، غافلاً أن مكاناً بعينه ليس هو الغاية، وإنما المهم هو تحقيق غاية الحركة، في أي مكان يصلح للبناء الجديد. والحركة بعد ذلك، من طبيعتها الشمول الذي سيعم كل مكان. وأن على العمل الإسلامي أن يرتاد الأرض…  (انتهى) ولا يعني أننا ننقص من اهتمام الصحوة الإسلامية، وإنما نحاول التوضيح من أجل أن يعدلوا في أنفسهم حتى لا تتكرر المآسي التي حدثت لهم ووقعوا فيها.

إن الحركة الإسلامية رفعت رايتها لتحقيق أهدافها، وهي الآن تراجع الأخطاء التي وقعت فيها، ونحن نعول عليها في المضي نحو النجاح لأنها موقظة المشرق الغربي والإسلامي والمغرب العربي. إن شباب الحركة الإسلامية لا بد أن يجدوا مكانهم في المحيط العربي والإسلامي وأن يحققوا حضورهم ومنجزاتهم أمام من يعرقل مشروعهم الذي هو نور الحياة، لأنها تستمد روحها من الجذور الإسلامية الضاربة في التاريخ وما نتج عن مفكرينا المعاصرين. نحن أمام ثقافة الانتصار، بينما نعيش في واقع الهزيمة. نتصور العالم ونعيش واقع الاحتلال والقهر والتجزئة والتبعية والتخلف وبعقلية اللامبالاة والاغتراب. ما نتعلمه ونعلِّمه شيء، وما نفكر فيه ونعيشه شيء آخر، ولا يردعها عن ضلالها ضمير أو مروءة، فلا يحل لمسلم منذ اليوم أن يمالئ قومًا يكاشفانه بالعداوة والبغضاء ونذالة الأخلاق. نعم، لا يحال أن نخدع أنفسنا عن حرب دائرة الرحى بيننا وبين الصهيونية المغتصبة والصليبية الحاقدة وأشياعهم من الميليشيات التابعة لهم باسم السياسة والكياسة والتسامح. كفانا استخفافًا وغفلة وإهمالًا وقلة مبالاة، كفانا مهانةً وصغارًا وهوانًا. لا بد من العودة إلى الله، والاستعداد لإصلاح ما اختل من شؤون هذه الأمة، والتعاون على رد البلاء بالرفق في مواضع الرفق، والبأس في مواضع البأس. إنه تحدٍ تاريخي ومصيري يوجهنا، ويحتاج منا إلى أقصى درجات التجرد والتضحية والبذل والجهد الخارق حتى نصل إلى بر الأمان. ولا بد من التجدد في خواتيمنا ومصيرنا حتى نكمل نموذجات الحركة الإسلامية التي يعول كل مسلم أنها إنجاح لكل مسلم. والتجدد لا يعني الخروج عما أنزل على نبينا ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وعن سنته؛ لأنها باب النصر.

وإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَألَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً} إن الاستقامة شيء جليل؛ لأن الاستقامة تعني الوقوف أمام نواهي الله ورسوله والقيام بما أمر الله ورسوله. ومن الواجب على الصحوة الإسلامية المعاصرة الوقوف أمام هذه الآية الكريمة والتأمل فيها ووضعها على واقع الأمة العربية والإسلامية. إننا أمام عدو لا يرحم، ولديه جحافل من الظالمين الذين يتبعانه تاركين الإسلام وما يُعتدى عليه في خانة الوقوف خوفاً من أن يغضب عليهم من ولاهم عليهم. يخافون من إنسان ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى. {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

إن القرآن الكريم يحدد ما نحن فيه اليوم من خَشْيَة من الظالمين والخنوع لهم. إننا أمام حكم طغاة وهم حفنة وباء تضرب في أعماق الأمة، ولا بد من إخراجها حتى نصل إلى آخر الآية الكريمة: {وَاخْشَوْنِي}. إننا اليوم لا نرى أي وقوف مع الحركة الإسلامية الضاربة جذورها في التاريخ، حتى لا يكون أرباب المال خفاف اليدين في النكث بقدر المستطاع حتى لا تجف الحركة الإسلامية كما يخطط لهم الأعداء الذين يخططون لإطفاء نور الله، والله متمم نوره ولو كره الأعداء. نحن مع الحركة الإسلامية ومفكرينا الكرام الذين أسسوا بنيان الصمود. حتى نحقق الخير في الأرض ونستخرج مكنون الخيارات المدفونة في أعماق الأرض والشورى في الأمر حتى نحقق قيام المؤسسات الدستورية التي يتحقق طريق العدل والرخاء والأمن والاستقرار وفق نظام برلماني.

ونطلب من الله سبحانه وتعالى أن يؤيدنا بالصبر والقوة. إنه سميع مجيب. وعندما نفكر في يوم من كل عام كيف أن الحركة واحدة والقيام واحد والهدف واحد، هو يوم عرفة المشهود، الذي تزول فيه الشرور، وترتفع الأحقاد، وتعم المساواة، ويسود السلام، ويجتمع الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم في صعيد واحد، لباسهم واحد، يتوجهون إلى رب واحد، ويصيحون بلسان واحد: لبيك اللهم لبيك. وفي ظل هذا الصوت القدسي المجلجل، أحسست كأنني قد خرجت من نفسي، وانفصلت عن حاضري، وأصبحت في عالم طلق لا أثر فيه لقيود الزمان والمكان، وسمعت صوتاً آتياً من بعيد، يقول: “أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، وفي شهركم هذا، وفي بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد”.  

أقرأ أيضا:أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (19)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى