إبراهيم بن على الوزير

أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (18)

أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (18)

حقائق التاريخ ودروس

 {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} (سورة يوسف – آية ١١١)

بقلم /عزيز بن طارش سعدان

الجمعة21فبراير2025_

دراستها بصفة مستمرة متواصلة، ومن الأخطاء التي تجدر الإشارة إليها هنا الإقليمية» المتفشية في جميع بلدان المسلمين بصورة بشعة طاغية وهي التي يجب ألا يكون لها وجود في كل بلد يدين حقاً بدين الإسلام.. إذ أن «الإقليمية» مقضي عليها حالما ينتمي المرء إلى هذا الدين الحنيف لأنه بذلك يتطهر من أدران الجاهلية وأوساخها ويصبح) مواطناً كونياً) بعد أن كان لا يعرف إلا «مجتمع القبيلة» …!!

إن المسلم يستهل صلاته عدة مرات يومياً بالآية الكريمة: (بسم الله الرحمن الرحيم

: الحمد لله رب العالمين … وبذلك يقر ويعترف بمجتمع العالمين» ويعترف بأنه جزء من هذا الكون العظيم الذي أبدعه خالقه، وهو بهذا الإقرار والاعتراف يرفض النظرة المحدودة إلى الزمان والمكان ويتخطى حدود القبيلة) وانتماءاتها إلى هذا الكون الفسيح» منتمياً إلى «العقيدة».. و «العقيدة» وحدها مردداً الحقيقة القرآنية:

“وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ”

والعجيب أن الحركات الإسلامية اليوم معظمها أسيرة الإقليم الذي نشأت فيه لا تبغي عنه حولا، ولا تفكر في سواه ولو كانت أرضه مستعصية على الثمر الطيب.

إن واجب المسلم هو أن ينظر إلى الأرض من حيث صلاحها لتكون مرتكزاً تنطلق الحركة منه إلى الأرض كل الأرض وإلى الإنسان كل إنسان.. وفي الهجرة إلى المدينة درس يعلمنا الكثير، فهو يرينا كيف أن الرحمة المهداة إلى العالم نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.. يترك «مكة».. أرض البيت العتيق، وأول بيت وضع للناس هدى ورحمة، إلى مكان آخر، وذلك عندما استحب أهل مكة» العمى على الهدى، لقد فكر النبي في «الحبشة» وفكر في «الطائف» وفي «اليمن» وعرض نفسه على القبائل الآتية من كل صقع إلى «مكة» وظل يبحث ويتحرى إلى أن وجد ضالته بعثوره على المكان الصالح «للدعوة» والذي توفرت فيه إمكانيات النصر والحماية وكان هذا المكان هو «يثرب».. المدينة المنورة … أرض الإسلام» … ونبع نور دولته إلى العالم ….

فهل درست الحركة الإسلامية المعاصرة» موضع «المكان»؟ إنني أشك في ذلك كثيراً وأن من أسباب ذلك كما أقدره هو الإقليمية التي تجعل الحركة محدودة الرؤية فلا تتعدى حدود المكان الواحد، ولا حدود البلد الواحد.

 إن الحركة الإسلامية دعوة عالمية وهذه الصفة العالمية يجب أن لا تغيب عن الأذهان تتطلب كذلك حشد كل الإمكانيات، التربوية والأخلاقية والسياسية والثقافية وغيرها،وحشد القوى والإمكانيات التنظيمية ووسائل القوة على مختلف صورها وأشكالها وفي مقدمتها : الخبرة الاقتصادية ، وهي وإن كانت من مفصلاتها ، إلا أنه يجب أن تولى اهتماماً واعياً مدركاً .عبد الرحمن بن عوف غداة وصوله إلى المدينة المنورة تساءل : أين «السوق» ؟ (١٦) وكان من رفاقه عثمان بن عفان» الذي استثمر الأموال وأمد الحركة بما تحتاج إليه من مال.. وقدم القرآن دائماً المال على «النفس» … بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُ:

(*) ومن الإنصاف للحقيقة أن لمحة عبقرية للإمام الشهيد حسن البنا» فكرت في «المكان» ولكن هذه الفكرة المستنيرة وئدت مع انطفاء تلك الحياة العظيمة لذلك المجدد الملهم فلم تكرس في برنامج الحركة كإستراتيجية تعتمدها في وسائلها لتحقيق الغاية. (انتهى)

إن الإقليمية كما وضحها مفكرنا الكريم ممقوتة ومفرغة من المضمون. إننا اليوم نواجه أخطر خِطَّة في قلب المنطقة العربية، وبعمق الإقليم أو دولة ذات أقاليم متعددة. فإن الانفصالات لتلك الأقاليم وارد بمجرد إشارة من دول الاستكبار العالمية، ولو كانت دون ممر بحرية. وهذا هو الخطر الحقيقي لقيام المنطقة، حتى تبقى طرابيش متناثرة بلا كيان ولا عزة فيها، وإنما تكون مستعبدة من العالين في هذا الكون الذين لطخوا العالم بقذارتهم، لأن المال وكسبه هو الأهم من الإنسان، وكل ادعاءاتهم بحقوق الإنسان إنما هي أكذوبة القرن الخامس عشر الهجري.

ونذكر القارئ الكريم أنه قبل الرسالة كانت الجاهلية متشرذمة في شبه الجزيرة العربية، كل أقاليم مجزأة لكل قبيلة، وكانت معقودة وتحت النفوذ الأجنبي أو الفارسي، أمة بلا كيان في ظل التقسيم لجغرافية محدودة.

وبعد مجيء الإسلام، لم يعد لتلك الأقاليم أي شأن أكثر من وجودها. ووجهت الأمة رسالة سامية تحت مظلة الإسلام. ونحن الآن نذكر بسم الله الرحمن الرحيم {1} الحمد لله رب العالمين {2} وكل مسلم يردد هذه الآية الكريمة: رب العالمين هو الذي يجمع كل شيء في وحدة الكون ووحدة السماء التي لها كيانها. وكنا في وحدة إسلامية لم يغيرنا إلا الاستعمار الذي قسم الأمة العربية والإسلامية إلى أجزاء، ولم يكن لأحد كيان، ولا عزة، ولا وحدة في الوجود العالمي. ورسالتنا واحدة وكياننا واحد، ونحن عبيد لرب العالمين. وكان العربي في القرن الرابع عشر يذهب إلى الجزائر أو المغرب أو الجزيرة العربية، ولم يسأل عن منطقته، المهم أنه مسلم يؤدي صلاته، وقد يتزوج ويفتح له تجارته، ولا أحد يسأله عن جوازه أو بطاقته. فجوازه هو لسانه، وبطاقته لباسه العربي. على كل مسلم أن يسعى إلى الوحدة العربية من أجل أن نكون كما أمرنا الله بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً} وقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}. ولأجل ألا يفهم القراء أننا نتحدث عن أمة واحدة عربية أو قومية، نحن لا نؤمن بالقومية العربية، ولكننا نؤمن بالأمة العربية والإسلامية، فالإسلام هو ديننا ومحمد نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -القائل: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وكما يظهر من تلك الاقتباسات التي نوردها من كتب الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير -رحمة الله عليه- حتى يعلم المثقفون العرب والإسلاميون في القرنين الخامس عشر أنهم كانوا على دراية جيدة، ليس بوجود شخصية عربية وإسلامية فحسب، وإنما بوجود اختلافات ذاتية بين الشعوب العربية والإسلامية التي تسكن بلداناً متعددة.

وليومنا هذا، فإن هذا العامل يسبب إحدى المشكلات الرئيسية لأي شخص يحاول أن يرسم صورة للعقل العربي والمسلم. لقد قدم عدد كبير من الأسباب لوطنه اليمن، وفي الحقيقة إنها اللبنة الأولى لتلك الثورة العظيمة التي قامت في عام 1948، وتشرد هو وإخوانه وصودرت كل ممتلكاتهم بيد الجلاد الذي سفك دماء أبناء اليمن ليس من أجل شيء، وإنما في نفسه غريزة الدم وغريزة الشر.

إن الحركة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية لا بد أن تكون ذات كيان موجود للعالم العربي والإسلامي تحت كيان واحد. الوحدة الإسلامية مهداة من رب العالمين، لأن الوحدة فيها عز لنا، وفيها الكرامة، والمنهج واحد، والقبلة واحدة، والصلاة واحدة. فلا يغركم علما للحياض والنفاس والوضوء كيف يكون، والتنسم الخلفي للإنسان مبطل للوضوء، والخلافة لمن؟ وهذه مفاهيمهم، لا هم لهم غير ذلك. ونحن وعدد من المفكرين الإسلاميين نناضل من أجل وحدة الكون ووحدة الهدف لكي نكون أمة واحدة لا فرق فيها بين البشر. فإن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} والرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى). الوحدة العربية والإسلامية الشاملة المثالية تكون غايتنا، وكل همومنا. ولنا لقاء في الحلقة القادمة..

اقرأ أيضا للكاتب:أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (17)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى