مكافحة الفساد هدفنا.. فهل يجوز إفساد المكافحون له؟!!
محمد علي المطاع
نشكو من الفساد ونطالب بإحالة الفاسدين إلى القضاء منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، وما زلنا نطالب بذلك الى اللحظة.. وسنظل نطالب بذلك حتى يتم ذلك علناً!!!..
نطالب بكشف تقارير الفساد المرفوعة من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة واحالتها للجهات المعنية لمحاسبة الفاسدين منذ سنين طويلة، وما زلنا نطالب بذلك.. وسنظل نطالب بذلك حتى يتم ذلك علناً!!..
نطالب بتفعيل مهام الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد منذ ما بعد تأسيسها لتمارس مهامها في المكافحة.. وسنظل نطالب بذلك حتى يتم ذلك علناً!!..
مؤخراً خَطَت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد خطوة حسبناها في المسار الصحيح..
ولكن…!!!
صدمنا عند اطلاعنا على وثيقة صادرة عن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، لما وجدنا فيها من ارباك.. وعدم دقة لا ينبغي ان تمر على هيئة أساس عملها التدقيق والتحري في الزمان والمكان..
الوثيقة هي رسالة موجهة من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد إلى الرئيس مهدي المشاط.. تطالب بإيقاف وزير المياه والبيئة عن عمله..
إلى هنا والطلب قانوني ولا غبار عليه – حسب ما اعتقد شخصياً – كونه من صلب اختصاص الهيئة ولا اعتراض عليه..
لكن…!!
في سياق الرسالة وجدنا ما لم يخطر على بال…
سأقتبس الفقرة التالية من وسط الرسالة:
“….، وتم تحرير مذكرات للجهات التابعة للوزارة والنزول الميداني إليها في تاريخ 14/10/2020م….”.
أيضاً سأقتبس:
“….، فتم التخاطب مع الوزير بالمذكرتين رقم (2098-2099) وتاريخ 13/10/2020م…..”..
ما ورد في كل اقتباس من الاقتباسين صادم أدخلني في حيرة..
الحيرة نتيجة استفهام لما ورد في الاقتباسين.. مفاده إذا كان هناك خطأ ما فالأمر صادم جداً أن يأتي الخطأ من جهة أهم أساسيات عملها هو التدقيق والتمحيص والدقة في المخرجات والنتائج التي تصل إليها وعكسها في خطابها ومخاطباتها مع الآخرين.. لأن لا مجال للخطأ في عمل ومهام الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد. ليس لشيء إلا لأنه يفقد الهيئة المصداقية ويشكك في توجهاتها.
أما اذا كان الأمر عكس ذلك فإن هذا في حد ذاته فساد (من وفي) هيئة مناط بها مكافحة الفساد..
ونبين ذلك في التالي:
الاقتباس الأول يؤكد تحرير مذكرات للجهات التابعة للوزارة – يقصد وزارة المياه والبيئة – والنزول الميداني في تاريخ 14/10/2020م..
سبب الصدمة: التاريخ المذكور في الاقتباس يوافق يوم إجازة رسمية.. وعليه اذا افترضنا ان الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد تمارس مهامها في جميع الايام ولا تتوقف أيام الإجازات الرسمية.. فعلينا أن نعي ان الجهات التي أشار إليها الاقتباس ولابد – بل ومن المحتم – أنها كانت في إجازة ولا يوجد في المرفقين المشار اليهما في المذكرة من يداوم يوم إجازة رسمية!!!
فإلى أين تم توجيه الرسالتين؟؟ ولمن سلمت في يوم إجازة رسمية؟؟ ومن استلمها؟؟
وأيضاً: إلى أين تم النزول الميداني؟؟ وأي المكاتب التي تم النزول الميداني إليها في يوم إجازة رسمية؟؟ ومن هم الأشخاص الذين تم الالتقاء بهم وتمنعوا عن تسليم المستندات في هذا النزول؟؟!!!!
ماذا أفهم من ذلك؟.. حسب فهمي المتواضع أرى: أن الرسالة – في حالة حسن الظن – وقع معدها في خطأ التوقيت.. وهذا يعني ان إعدادها تم بصورة ارتجالية وغير دقيقة ولم تتوخ محذور هذا الخطأ.. وفي هذه الحالة فأرى أن خطأ مثل هذا يفقد الهيئة المصداقية ويسيء إليها، كونها جهة ترتكز مهامها وأعمالها على الدقة والتدقيق والتحري فيما تقوم به!!
وفي الجانب الآخر – حسب فهمي المتواضع – أرى أن الرسالة أعدت لإرضاء طرف ما يمارس ضغوط على الهيئة للمضي في هذه الإجراءات بينما الهيئة غير مقتنعة بما طلب منها..!!
هذا بالنسبة للاقتباس الأول..
أما الاقتباس الثاني فنرى أن معد الرسالة وقع في هفوة كبيرة جداً لا تغتفر ولا يجوز أن تصدر من هيئة مناط بها إصلاح اختلالات ومكافحة فساد..
الهفوة هي أنه جاء في الاقتباس عبارة “فتم التخاطب مع الوزير” ما يعني أن مخاطبة الوزير جاءت بعد عدم استجابة المختصين في الجهتين اللتين تتبعان الوزير لمطالب الهيئة.. وهذا ما يستشف من الرسالة.. وهذا أمر طبيعي ان يتم مخاطبة المسؤول الأعلى عن تمنع مرؤوسيه.. ولكن الأمر غير الطبيعي ان يكون التمنع من هؤلاء المرؤوسين في تاريخ (14) – وهو الموافق ليوم إجازة رسمية – بينما التعقيب للوزير يكون في اليوم الذي قبله أي يوم (13)..!!!!!
ماذا يفهم من ذلك؟..
حسب فهمي المتواضع أرى ان معنى ذلك يشير إلى أن الهيئة ومسؤوليها وقعوا تحت ضغط من طلب جهة ما للقيام بما لا يقتنعون به.. واذا وُجد مثل هذا التدخل والضغط فعلى المكافحة السلام..
إن استسلام الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد لضغوط الغير، هو في حد ذاته فساد.. فكيف بالهيئة المعنية بمكافحة الفساد ان تقع في مثل هذا الفساد؟!!
وأعود وأكرر.. أريد ان يحاسب الفاسدون اينما كانوا ومن يكونوا.. محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم مطلب ومبدأ لن أحيد عنه.. وسأظل أبحث عنه حتى يتم تحقيقه وإخراجه والعمل به حتى آخر نفس في حياتي..
الأهم من هذا وذاك أن الرسالة تعني لي الكثير على طريق مكافحة الفساد والفاسدين، كونها تضع الجميع أمام المحك.. ولا يجب أن تتراجع الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد مستقبلاً.. كون هذا التراجع أو التقهقر سيعني ان المناط بهم مكافحة الفساد يراد إفسادهم.. ولا يجوز أن يكون ذلك.
دمتم ولا جاكم شر..