قراءة تحليلية في ورقة الدولة الحديثة للمفكر السياسي الأستاذ القاسم بن علي الوزير

قراءة تحليلية في ورقة الدولة الحديثة للمفكر السياسي الاستاذ القاسم بن علي الوزير
بقلم/ إبراهيم الحبيشي
الجمعة 12 ديسمبر 2025-
تتشعب قراءة النص الفكري للمفكر السياسي الاستاذ القاسم الوزير بين ثنائيات متعددة، تبدأ من ثنائية العصر وفهمه، وتنتهي بثنائية الدولة والسلطة. يضعنا المفكر الوزير أمام إشكالية منهجية حين يرفض الخوض في الجوانب الفلسفية للموضوع، مكتفياً بالبعد العملي، لكنه يعود ليناقش إشكاليات فلسفية عميقة تحت غطاء التطبيق العملي.
تتجلى عبقرية الورقة في كشفها للتناقض الجوهري في الدولة الحديثة، فهي من ناحية “غول” يهدد كينونة الإنسان، ومن ناحية أخرى أداة لا غنى عنها لتنظيم المجتمع. هذا التناقض ليس عيباً في التحليل، بل هو جوهر إشكالية الدولة في العصر الحديث.
يركز المفكر الوزير على ركيزتين أساسيتين للدولة الحديثة: سيادة القانون كشرط وجود، والخدمات الاجتماعية كشرط وظيفي. لكنه يضيف بعداً ثالثاً خفياً يتمثل في المشاركة المجتمعية في صناعة القانون. هنا ينتقل بنا من مفهوم الدولة الحديثة الغربية إلى رؤية إسلامية أصيلة، حيث يستدعي مفهومي الزكاة والحقوق الاجتماعية كأدلة على سبق الإسلام في تأسيس دولة الخدمات الاجتماعية.
يقدم الكاتب نقلة نوعية في تعريف الدولة الإسلامية، مبتعداً عن مفهوم “الدولة الدينية” نحو “دولة المجتمع” والدولة الاجتماعية”، مؤكداً على أسس الحرية والعدالة والمساواة كمفاهيم مدنية بحتة. هذا الطرح يجسد محاولة جريئة للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة.
لكن الثيمة الأعمق في ما طرحه الاستاذ القاسم الوزير يكمن في دعوته لـ”قطيعة واعية” مع عصور الانحطاط، لا مع الماضي المشرق. إنه يرفض القطيعة الجذرية مع التراث كما يرفض التمسك الأعمى به، مقدماً رؤية ثالثة تعيد التواصل مع الجذور الحضارية مع التحرر من إسار الانحطاط.
وتبقى أبرز إسهامات الورقة انها كشفت أن الوسائل الحديثة للدولة بدون سيادة القانون تتحول إلى أدوات قمع أكثر ضراوة من أشكال السلطة القديمة، مقدماً بذلك نقداً جذرياً للدولة الحديثة في العالم العربي التي تلبس ثوب الحداثة لكنها تحتفظ بجوهر الاستبداد.
ولكن يظل ما طرحه الاستاذ القاسم الوزير محافظاً على راهنيته رغم مرور الوقت، كاشفاً عن أزمة الدولة العربية التي تتذبذب بين الحداثة الشكلية والاستبداد الجوهري، مقدماً ملامح طريق ثالث يجمع بين الأصالة والحداثة في بناء دولة القانون والخدمات.



